تعقيب على عدلي صادق.. التاريخ الفلسطيني
والنار
بقلم: صقر أبو فخر
قرأت مقالة للأستاذ عدلي صادق في
"العربي الجديد" (27/9/2014) "فجوة العلم بتاريخ فلسطين".
وفيها يقول الكاتب: "باستثناء الراحل أحمد الشقيري (...) لم يكتب القادة
الفلسطينيون شهاداتهم، أو شيئاً من تجاربهم، ولم يسجلوا أحداث أيامهم، ولم يبح أي
منهم بالمسكوت عنه". ويضيف في المقالة نفسها "عندما نشر ديفيد بن غوريون
"يوميات الحرب" تحاشى العرب ترجمتها إلى اللغة العربية". ومع أنني
أتفق، إلى حد كبير، مع خلاصة المقالة، في شأن ضعف التدوين والتوثيق لدى
الفلسطينيين، وقلة الإحساس بالتاريخ لدى قادةٍ كثيرين، إلا أن لي إضافات من شأنها
تعديل هذه النتيجة، وهي على النحو التالي:
أولاً، إن "يوميات الحرب"
لدافيد بن غوريون ترجمتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت منذ سنة 1993.
ثانياً، صحيح أن رواية علمية دقيقة
وشاملة لقضية فلسطين لم تظهر، حتى الآن، في الكتابات السياسية والتاريخية
الفلسطينية، على غرار الرواية الرسمية الإسرائيلية لحرب 1948، إلا أن مدونات
القادة السياسيين الفلسطينيين كثيرة جداً، وهي مصدر مهم للمؤرخين الذين تقع عليهم
مسؤولية إنجاز رواية تاريخية، شاملة وعلمية وصحيحة، عما جرى في فلسطين منذ سنة
1882 فصاعدًا.
ولعلّ الفلسطينيين هم أكثر مَن نشر
مذكرات وسِيَراً بين العرب. وعلى سبيل المثال، مذكرات الحاج أمين الحسيني التي
نشرت متفرقة ثم جُمعت في كتاب سنة 1999. ثم ظهرت مذكرات فوزي القاوقجي في 1975،
وقبلها مذكرات موسى العلمي في 1969 وكتابه "عبرة فلسطين" (1949)؛ ومحمد
طارق الأفريقي (المجاهدون في معارك فلسطين) في 1951.
ثم كرت السُبّحة: إميل الغوري
(فلسطين عبر ستين عاماً – 1972)؛ أكرم زعيتر (يوميات الحركة الوطنية الفلسطينية –
1980 ثم مذكرات أكرم زعيتر – 1994)؛ خليل البديري (ستة وستون عاماً مع الحركة
الوطنية الفلسطينية وفيها – 1982)؛ عزت طنوس (الفلسطينيون: ماضٍ مجيد ومستقبل زاهر
– 1982)؛ عبد الحميد السائح (لا صلاة تحت الحراب – 1994)؛ مذكرات عوني عبد الهادي
(2002)؛ مذكرات بهجت أبو غربية (1994)؛ رشيد الحاج إبراهيم (الدفاع عن حيفا –
2005)؛ مذكرات أبو إبراهيم الكبير (2010)؛ مذكرات ذو الكفل عبد اللطيف (2000)؛
طلال ناجي (في الخيمة الأخرى – 2001)؛ عبد الرزاق اليحيى (بين العسكرية والسياسة –
2006)؛ صبحي الجابي (مذكرات أول رئيس أركان لجيش التحرير الفلسطيني – 2007)؛ شفيق
الحوت (بين الوطن والمنفى – 2007)؛ خالد الفاهوم يتذكر (1999). ولمّا لم يكن لقادة
الكفاح الفلسطيني المسلح الوقت الكافي، ليكتبوا مذكراتهم، فقد روى كل منهم لصحافي
متمرس تجربته المتشعبة، وصدرت هذه التجارب في كتب انتشرت بقوة، وكان قيدومهم أبو
إياد (صلاح خلف) الذي روى تاريخه لإريك رولو (فلسطيني بلا هوية – 1978)، وأبو جهاد
(خليل الوزير) الذي باح بأسرار البدايات لمحمد حمزة (أو سمير غطاس) وصدرت هذه
البدايات بطبعاتٍ متعددة، منذ 1989، وسرد أبو داود (محمد داود عودة) سيرته لجيل دو
جونشيه، وصدرت هذه السيرة في 1999، وكذلك فعل أبو عمار (ياسر عرفات، أو عبد الرحمن
عبد الرؤوف القدوة) مع أمنون كابليوك (2005)، وجورج حبش مع جورج مالبرونو (2009).
وقبلهم أصدر نايف حواتمة سيرته
"نايف حواتمة يتحدث" (1997)، وأصدر أبو مازن (محمود عباس) ذكرياته في
كراس "صفحات مشرقة من تاريخ الثورة الفلسطينية" (2009)، فضلاً عن عشرات
الكتب التي أصدرها قادة عسكريون عرب، عن وقائع حرب 1948، مثل "محنة فلسطين
وأسرارها السياسية والعسكرية" لصالح صائب الجبوري (1972) و"حروبنا مع
إسرائيل" لصادق الشرع (1997) و"كارثة فلسطين" لعبدالله التل
(1952).
... لا كتابة تاريخية من دون وثائق.
والذاكرة الفلسطينية موشومة دائماً بالنار. فتحت ركام البلدات التي هدمها الصهيونيون،
دُفنت كنوز من الوثائق والصور والكتب والأوراق الشخصية والمخطوطات التي تشكل كلها
معاً الإرث الثقافي للشعب الفلسطيني. وتحت أنقاض المخيمات الفلسطينية التي دُمرت
خلال الحروب المتعاقبة في لبنان، طُمرت تذكارات فريدة عن حياة الفلسطينيين في
المنافي، وفُقدت محفوظات المؤسسات العلمية والثقافية التي أنشأها الفلسطينيون، مثل
مركز الأبحاث ومركز التخطيط ومؤسسة السينما ومركز التوثيق، وضاعت الملصقات
والبيانات السياسية وصور الشهداء وسِيَرهم وغير ذلك.
في منازل الفلسطينيين ثروة كبيرة من
الصور وأوراق الطابو والمصنوعات الحرفية. وهذه الثروة تعرضت للمحو والإفناء، عندما
دُمرت منازل 419 قرية فلسطينية سنة 1948. وفي ما بعد دُمرت بعض المخيمات، مثل مخيم
النبطية في 1974 ومخيم تل الزعتر في 1976
ومخيم نهر البارد في 2007 ومخيم جنين في 2002، وسُوِّيت منازل غزة بالأرض في 2009
و2012 و2014، وها هي مخيمات سورية تحترق بما فيها. وتحت ركام هذه الأماكن كنوز لا
تُقدّر قيمتها النفسية والتاريخية والثقافية بثمن على الإطلاق.
المصدر:
العربي الجديد