تعقيدات إعمار قطاع غزة
بقلم: إبراهيم المدهون
ما ميز العدوان الهمجي على قطاع غزة سياسة القصف
العشوائي والإصرار (الإسرائيلي) على إحداث خراب واسع في بنايات ومباني قطاع غزة،
والعمل على تغيير المعالم العمرانية لمدن القطاع، حتى حُولت أحياء كاملة كالشجاعية
وبيت حانون والزنة وخزاعة وشرق رفح لأكوام من الحجارة، وأضحت كمدينة ضربها زلزال
بقوة عشر درجات بمقياس ريختر.
أراد الاحتلال من ذلك رفع مستوى
الردع وكمعاقبة جماعية للبيئة التي احتضنت ودعمت وعززت وأنجحت المقاومة، ولإشغال
الفلسطينيين في البناء والتعمير وإلهائهم عن الاعداد والاستعداد، ولمحاولة التخفيف
من الإنجاز العسكري الواضح الذي كان من نتائجه فرار الجيش (الإسرائيلي) وفقدانه
لمئات من جنوده ما بين قتيل وأسير وجريح.
للأسف دور الرئيس محمود عباس في
عملية إعمار قطاع غزة سلبي جدا، وهو يتحمل المسؤولية الكاملة عن مسار الاعمار
بصفته رئيس السلطة والمسؤول عن الحكومة ورئيس منظمة التحرير، وبدلا من المسارعة
بلعب دور تكميلي مع المقاومة واستثمار انجازاتها والعمل على استجلاب المساعدات
الدولية والعربية والمباشرة بإعادة الإعمار، إذ به يتلكأ ويماطل ويتحجج ويعيق
ويسوف الموضوع، بل ذهب أبعد من ذلك حيث يحاول استغلال هذا الخراب كضغط متواز على
المقاومة وتحويله لمادة ابتزاز في اللعبة السياسية الداخلية.
نحن أمام رئيس سلطة وحكومة وفاق فهما
اللذان يتحملان كامل المسؤولية عن إعادة الإعمار، وأي تقصير فهما المسؤولان عنه
أمام الشعب الفلسطيني، أما حركة حماس فبعد تخليها عن السلطة والحكومة ليس لها إلا
مسؤولية أخلاقية وقيمية وقامت مشكورة بتوزيع ما يقارب 50 مليون دولار كتعويضات
أولية على أهالي البيوت المهدمة، في حين لم تخط السلطة أي خطوة في هذا الاتجاه.
محاولة تهرب الرئيس عباس وحكومة
الوفاق من مسؤولية الإعمار واستغلاله كضغط نفسي على سكان قطاع غزة لا يفيد إلا
الاحتلال ويتماهى مع سياسته، ولن ينجح بتحويله لضغط شعبي على المقاومة الفلسطينية
المسلحة، فحركة حماس تركت الحكومة ولم تعد مسؤولة عن اشكاليات وتعقيدات الواقع
ومشكلاته، وليكن الرئيس واضحا في هذه الجزئية هل يريد الرجوع والتراجع عن اتفاق
الشاطئ والتخلي عن مسؤولياته عن قطاع غزة؟، وأعتقد ان القوى الوطنية في القطاع
قادرة على نسج معادلة جديدة تستطيع من خلالها البحث عن آلية وطنية لإغاثة الأهالي
وبناء ما تهدم.
غزة ستعمر فالإعمار أصبح عنصرا
ضروريا من عناصر الاستقرار في المنطقة، وأي تلكؤ فيه لن يضر أهالي القطاع وحدهم
وانما سيشكل حالة قلق وتوتر لا يعرف مدى تداعياتها وخطورتها، وهذا ما تدركه
الولايات المتحدة وحتى الكيان الصهيوني، لهذا من مصلحة الجميع الان المسارعة ببدء
الاعمار قبل فوات الأوان، وعلى الرئيس إدراك خطورة وتعقيدات هذه السياسة، فإن لم
يسارع بإعمار غزة فسيتم تجاوزه والقفز عنه وسيتحول إلى الخاسر الأكبر.