تفاؤل فلسطيني بصمود مصالحة فتح وحماس
عدنان أبو عامر
عمّت الفرحة
غزّة بعد ظهر يوم 23 نيسان/أبريل الجاري عقب التوقيع على اتفاق المصالحة بين
حركتَي فتح وحماس، وقد أمل الفلسطينيّون أن يختلف هذا الاتفاق عن سابقَيه: اتفاق
القاهرة في شباط/فبراير 2009 واتفاق الدوحة في شباط/فبراير 2012.
ومما زاد من
أجواء التفاؤل، جملة مؤشرات ميدانيّة لعلّ أبرزها إفراج حماس عن عشرة معتقلين من
فتح متّهمين بارتكاب مخالفات أمنيّة، وذلك لتعزيز جهود المصالحة.
أجواء التفاؤل
وكان وفد قيادي
من منظمة التحرير الفلسطينيّة قد وصل غزّة مساء 22 نيسان/أبريل برئاسة مسؤول ملف
المصالحة في فتح عزام الأحمد وعضويّة عدد من القيادات الفلسطينيّة. وكانت مباحثات
مكوكيّة مع حماس بقيادة رئيس حكومة غزّة إسماعيل هنيّة.
وقال قيادي في
حماس في غزّة "للمونيتور" إن "ما سرّع المصالحة هو وصول الأوضاع
المعيشيّة في غزّة مرحلة غير مسبوقة من المعاناة، وعدم وجود ضوء في نهاية نفق
العلاقة المتأزمة مع مصر"، مشيراً إلى أن "الحركة تأمل أن تكون المصالحة
مع فتح بوابة لعودة العلاقات الجيّدة مع القاهرة، أو على الأقل وقف حالة التوتّر
السائدة".
أضاف القيادي
الذي شارك في المصالحة والذي فضّل عدم الكشف عن هويّته، أن "رغبة حماس التي
لا تخفيها من إنجاز المصالحة مع فتح، تتمثّل بفكّ حالة العزلة الإقليميّة
والدوليّة التي تعانيها منذ إسقاط [الرئيس المصري المعزول محمد] مرسي في مصر في
تموز/يوليو 2013 والملاحقة الإقليميّة للإخوان المسلمين، ما يسهم بإيجاد فرص أكثر
لتعزيز شرعيتها في الساحة الدوليّة، وتسهيل فعالياتها الجماهيريّة في الضفة
الغربيّة. فالمصالحة ستتزامن مع الإفراج عن معتقلي الحركة في سجون السلطة".
وسماح مصر
بانتقال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس الدكتور موسى أبو مرزوق إلى غزّة في 21
نيسان/أبريل الجاري، شكّل مفاجأة من العيار الثقيل للحركة. ومشاركته في المصالحة
شكّلت دفعاً كبيراً في اتجاه إنهاء الانقسام فوراً، والعمل على تحديد موعد
الانتخابات، وتشكيل الحكومة الموحّدة.
وعلم
"للمونيتور" أن من بين الشخصيات التي لعبت دوراً محورياً لتحقيق
المصالحة هذه المرّة، نائب رئيس الحكومة العاشرة في العام 2006 الدكتور ناصر
الشاعر، وهو أحد وجوه حماس المعتدلين في الضفة الغربيّة ويقيم علاقات وثيقة مع
الرئيس محمود عباس.
في الوقت نفسه،
يبدو القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان خصم عباس وحماس معاً، الغائب الحاضر
في ملف المصالحة. وكان مفاجئاً إعلان حماس أنها ألقت القبض على خليّة عسكريّة
تابعة له، أطلقت صواريخ في 21 نيسان/أبريل الجاري على إسرائيل، لتخريب جهود
المصالحة ودفع "إسرائيل” إلى التصعيد ضدّ غزّة.
وكان
"المونيتور" قد حضر جزءاً من مباحثات المصالحة التي بدأت مساء الثلاثاء
في 22 نيسان/أبريل الجاري وامتدت حتى فجر الأربعاء 23 منه. فسأل أحد أعضاء وفد
منظمة التحرير الذي قدم من الضفة عن اختلاف هذه المصالحة عن سابقاتها. فأجاب
مفضّلاً عدم الكشف عن هويّته، "أتينا من الضفة لضرورة التوصّل إلى هذا
الاتفاق، وإلا فإن البدائل ستكون كارثيّة على كل الفلسطينيّين، بمن فيهم فتح
وحماس". وأشار إلى "اجتماع للمجلس المركزي لمنظمة التحرير سيعقد في 26
نيسان/أبريل الجاري، ويعلن فيه إجراء الانتخابات العامة في الضفة من دون غزّة، إذا
لم يتم إنجاز المصالحة مع حماس".
تابع "أبو
مازن أرسلنا إلى غزّة وهو جاد بتوجّهاته هذه المرّة لتحقيق المصالحة. فهو ينوي
فعلاً إعادة ترتيب المؤسسات الدستوريّة بما فيها الرئاسة والمجلسَين التشريعي
والوطني". أضاف أن أبو مازن "يريد إنهاء عهده السياسي وقد اتفق
الفلسطينيّون بين بعضهم البعض، لأنه قد ينسحب من المشهد السياسي قبل نهاية العام
الجاري. وقيادة حماس اقتنعت أنه في أزمة حقيقيّة مع إسرائيل، ولا تريد الظهور وكأنها
تتخلى عنه في المواجهة المصيريّة".
عباس ومشعل
وكشفت كواليس
مباحثات المصالحة في غزّة عن ترتيب لزيارة يقوم بها عبّاس للدوحة بهدف لقاء رئيس
المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في خلال الأيام القليلة المقبلة، لمناقشة ملفات
عديدة أبرزها ما تمّ التوصل إليه في خلال لقاءات المصالحة.
وقد علم
"المونيتور" من بعض كواليس اللقاءات المباشرة بين وفدَي فتح وحماس في
منزل هنيّة، أن مشعل وعباس اطلعا أولاً بأوّل على سيرها عبر خط هاتفي ساخن كان
مفتوحاً بين غزّة والدوحة ورام الله. وقد
تمّ أخذ موافقتهما بصورة تفصيليّة قبل خروج هنيّة والأحمد في مؤتمرهما الصحافي بعد
ظهر الأربعاء 23 نيسان/أبريل الجاري.
ومن الأروقة
المغلقة لمباحثات المصالحة، قال مسؤول مصري وهو أحد المشرفين على ملف المصالحة
لـ"المونيتور"، إن وصول أبي مرزوق إلى غزّة ساهم بإنجاحها. أضاف المسؤول
الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته أن لأبي مرزوق تأثيراً ملموساً على قيادة حماس،
كونه من أصول غزاويّة ويملك علاقات شخصيّة تاريخيّة مع معظم قيادييها الذين ينظرون
إليه على أنه نائب الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة في تسعينيات القرن الماضي، فضلاً
عن كونه يمثّل قيادة حماس في الخارج ويتفق مع مشعل على ضرورة إنجاز المصالحة.
ومما ساهم في
إنجاح المصالحة، الضغوط الشعبيّة التي مارسها المجتمع المدني على فتح وحماس،
ومطالبته بتذليل العقبات التي تحول دون إجراء انتخابات المجلسَين الوطني والتشريعي
والرئاسة كأساس لتوحيد المؤسسات الوطنيّة.
وجاء التوقيع
سريعاً على اتفاق المصالحة بعد ساعات فقط من بدء المباحثات، لأن معظم القضايا
متّفق عليها مسبقاً وهي ليست بحاجة إلى المزيد من النقاشات، لا سيّما تحديد مواعيد
الانتخابات كافة بعد ستّة أشهر من تشكيل الحكومة أو تخويل الرئيس بالتشاور مع
الفصائل لتحديدها. إلى ذلك ستكلّف حكومة التوافق بمعالجة قضايا الحريات العامة
والمعتقلين السياسيّين وعمل المجلس التشريعي والمصالحة المجتمعيّة.
لكن
"المونيتور" لاحظ أن البيان النهائي لاتفاق المصالحة الذي تلاه هنيّة في
المؤتمر الصحافي ووقّع عليه جميع القادة الفلسطينيّين، خلا من القضيّة الخلافيّة
الأكبر ألا وهي سلاح كتائب عز الدين القسّام. وعلم من داخل غرف المفاوضات رغبة
الجانبَين بعدم وضعها عائقاً في طريق إنجاز المصالحة، وقد اتفقا على تجاوزها خشية
من تفجير المباحثات.
ويبقى أنه وعلى
الرغم من تفاؤل الفلسطينيّين بإمكانيّة نجاح المصالحة هذه المرّة بين فتح وحماس،
إلا أنهم يرغبون بالانتقال من مرحلة التوقيع إلى التطبيق فالشيطان يكمن في
التفاصيل. وهنا يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً وقلقاً!
المونيتور، 24/4/2014