تقريران للأمم المتحدة عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
غرق في البعد الأمني والمخاوف مبالغ فيها والعدالة غائبة
رأفت مـرّة/ بيروت
ما هي مشكلة الأمم المتحدة مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولماذا تتعمد الأمم المتحدة الإساءة إلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وعدم إنصافهم؟
هذه الأسئلة تطرح دائماً مع صدور مواقف عن الأمم المتحدة تسيء إلى اللاجئين الفلسطينيين، حتى بتنا أمام اعتقاد جازم بأن الأمم المتحدة تقف في خانة أعداء اللاجئين الفلسطينيين ولها مواقف سلبية دائمة تجاههم بغض النظر عمّا يمكن أن يحصل.
من الناحية الواقعية، الأمم المتحدة هي منظمة دولية مسؤولة عن حفظ الأمن والاستقرار في العالم، ورعاية حقوق الإنسان، وعدم تدخل دول في دول أخرى. وهي مسؤولة أيضاً عن منظمة الأونروا، المسؤولة عن إغاثة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وتشغيلهم. والأمم المتحدة مسؤولة عن حماية اللاجئين وإعادتهم إلى موطنهم بموجب القوانين الدولية والقرار 194.
والقوات الدولية في جنوب لبنان "اليونيفيل" معنية بحماية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهي معنية كذلك بتطبيق القرار 1701، ومعنية بمنع الاحتلال من الاعتداء على لبنان وعلى اللاجئين الفلسطينيين فيه، لا كما حصل في مسيرة النكبة في 15 أيار/مايو الماضي. تقارير دولية نورد هذه المقدمة لنشير إلى صدور تقريرين دوليين عن الأمم المتحدة وجهات مقربة منها، تتعلق بوجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وكالعادة، هذه التقارير خذلت اللاجئين الفلسطينيين فيه، وجاءت ضد مصالحهم.
مسيرة النكبة
في التقرير الأول عن الاعتداء الإسرائيلي على المتظاهرين الفلسطينيين في مارون الراس في 15 أيار/ مايو الماضي، وزع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على أعضاء مجلس الأمن الدولي التقرير السادس عشر بشأن تطبيق ا لقرار، بانتظار مناقشته في وقت لاحق، مشدداً على خطورة الأوضاع الإقليمية المتوترة وتأثيراتها الداخلية على لبنان. وفي خانة هذا التوتر، وضع التقرير ما جرى قرب بلدة مارون الراس الجنوبية يوم 15 أيار الماضي من تظاهرات فلسطينية ضد "إسرائيل". وقال إن قتل "إسرائيل" لأحد عشر متظاهراً وجرح 111، جرى عندما أطلقت القوات الإسرائيلية النار على متظاهرين عـزل حاولوا اختراق السيـاج الـفني. واكتفـى بـان كي مون بالتعبير عن أسفه لزهق الأرواح، من دون أن يحمّل الجانب الإسرائيلي المسؤولية، فيما ألقى اللوم على عاتق "المنظمين". وأشار إلى أن الجيش اللبناني بذل جهوداً لمنع المتظاهرين من اقتحام السياج، لكنه أخفق في المرة الثانية، رغم استعداداته للمناسبة. ووقعت سبعون إصابة في صفوف الجيش اللبناني، بينما جرح عدد من الجنود الإسرائيليين على نحو طفيف جراء إلقاء حجارة.
وعزا أسباب الإخفاق في السيطرة على التظاهرة إلى نقص عدد أفراد الجيش اللبناني, متهماً المؤسسة العسكرية اللبنانية برفض تدخل قوات اليونيفيل أو طلب مساندة منها، باستثناء المراقبة الجوية، بالرغم من عرض تلك القوات المساعدة على ضبط الوضع.
ولفت التقرير إلى تحذير وجهه الضبّاط الإسرائيليون في الاجتماعات الثلاثية بأنهم لن يتساهلوا مع أية خروق أخرى للحدود. وأكد منع الجيش اللبناني لتظاهرة أخرى في ذكرى النكسة، بينما وضعت اليونيفيل مزيداً من القوات قرب بوابة فاطمة على نحو خاص في تلك المناسبة.
السلفيون الفلسطينيون
في وقت سابق صدر عن "مركز التحليل المشترك" في القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان تقرير يتناول أوضاع القوات الدولية وأمنها، وتوقف في أجزاء أساسية منه عند ما يسمى "السلفيين الجهاديين"، ويخصص جزءاً للفلسطينيين تحت هذا العنوان. وجاء في التقرير أن قوات الطوارئ الدولية متوجسة من "نشاطات السلفيين الجهاديين ومجموعات أخرى متطرفة، رغم جهود الجيش اللبناني و"حزب الله" في تخفيف إمكانيات نشاطات هؤلاء".
وبينما أثنى المصدر الغربي على القرار المسؤول بمنع احتشاد اللاجئين الفلسطينيين عند الشريط الشائك في ذكرى النكسة، لأنه لو نفذ كما نفذ في الجولان، لأدى إلى نتائج خطرة، فقد أشار تقرير اليونيفيل إلى أن الفلسطينيين سيستمرون في الضغط للتظاهر قرب الخط الأزرق، بسبب تزايد تخوفهم من أي تقدم في عملية السلام. وإلى حين إعلان الدولة الفلسطينية في أيلول المقبل، فإن خطر إطلاق الصواريخ من لبنان يتزايد".
أيد خارجية
ويضيء التقرير الداخلي لـ"اليونيفيل" على إفادة قائد قوات الأمن الفلسطينية في لبنان (الكفاح المسلح) محمود عبد الحميد عيسى (الملقب بـ"اللينو")، التي حذر فيها من عودة "فتح الإسلام" إلى الواجهة في مخيم عين الحلوة، مشيراً إلى أنه "إذا تبين أن إفادته مؤكدة، فإنها تدل على وجود ضعف عند حركة "فتح" في السيطرة على المخيم".
وينظر التقرير إلى المصالحة بين "فتح" و"حماس" من عينين: الأولى، ترى أنها ستساهم في إحكام السيطرة على المخيمات، فيما الثانية تذهب إلى رؤية من رفض أي حل سياسي للصراع مع "إسرائيل" بأنه سيضحي "أكثر تطرفاً، أي أكثر خطورة".
ويفيد التقرير بأن "السلفيين، بالإضافة إلى مجموعات علمانية، عملوا بالوكالة عن لاعبين أجانب، أي جرى تحريكهم من قبلهم على الساحة اللبنانية". لذلك، يمكن استخدامهم مجدداً للأهداف المتطرفة في المستقبل من دون تحديد هوية هؤلاء الأجانب. ويعرّف كاتب التقرير الداخلي، وهو رئيس المركز رينو تينينوس، السلفيين بأنهم «يؤمنون بالتفسير الحرفي للمجموعة الدينية. وداخل التيار السلفي، ثمة تفسيرات ونظريات مختلفة للدور الذي يجب أن يؤديه الإسلام في المجتمع: بعضهم غير سياسي، بينما الآخرون يتعاطون السياسة بوسائل لاعنفية حتى النهاية (مثل الوصول إلى الخلافة الإسلامية). وهناك ميل لدى السلفيين الجهاديين إلى الانخراط في الجهاد العسكري، كطريق وحيد للإسلام الذي نهايته الجنة».
أما «المجموعات العلمانية»، فيشير رئيس المركز إليها على النحو الآتي: «وتحديداً «فتح الانتفاضة» (جماعة أبو موسى) و«القيادة العامة» (جماعة أحمد جبريل)، اللتين تحتفظان بمخيمات تدريب على طول الحدود بين لبنان وسوريا»، في ملاحظة مقتضبة. ويؤكد التقرير، في خلاصة تقويمه لـ«الهجوم الإرهابي على قافلة اليونيفيل ـ التهديد السلفي الجهادي»، أن «الإيمان الموجود لدى بعض التنظيمات، بأن جهات في المجتمع الدولي تتعاطى مع الربيع العربي من خلال معايير مزدوجة، بالإضافة إلى وجود «وكلاء» في لبنان، يمكن أن يزيد من إمكانية تعرّض اليونيفيل (وبالتالي حصانتها) إلى أعمال عدائية، بما فيها الهجمات الإرهابية».
مارون الراس
وفي ما يتعلق بالتظاهرات الفلسطينية على الحدود الجنوبية، ثمة اعتقاد، ينقله التقرير، بأن «دعم حزب الله الأساسي قد انخفض مستواه تجاهها»، غير أن تظاهرة مارون الراس في ذكرى النكبة ـ وفقاً للتقريرـ أظهرت «أن «حزب الله» فقد سيطرته على الحشود، ما يعني أنها قد تضر بسمعته في حالة تكرارها، وخصوصاً أن الحشود كانت مؤلفة من الفلسطينيين أساساً، وقد تورطت (الحشود) في اشتباك عنيف مع الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية. وعلى الأرجح، فإن الحزب لا يريد تدهور الوضع على الخط الأزرق في المرحلة الحالية». وتخشى «اليونيفيل»، كما يظهر التقرير، من محاولة بعض المجموعات الفلسطينية الوصول إلى الخط الأزرق للانتقام لشهدائها، «بغض النظر عن قرار الجيش اللبناني بمنع التظاهرات، ورغم التعاون الجيّد بين الجيش اللبناني والقيادة الفلسطينية في لبنان».
ولا تنكر «اليونيفيل»، في تقريرها، أن تجدد التظاهرات الفلسطينية في بقعة عملياتها، سوف «يزيد الضغط على قوات الطوارئ الدولية، بما في ذلك الطلب من وحداتها التدخل»، مشيرة إلى أنه «بغض النظر عن المهمة المحددة في القرار الرقم 1701، فإن وقوع أي عدد إضافي من الضحايا المدنيين، يمكن أن يضرّ بصدقية «اليونيفيل»، ويؤثر على إمكاناتها في تنفيذ مهمتها».
ويخلص تقويم التقرير للتظاهرات الفلسطينية، إلى عبارة واضحة: «يمكن وقوع عدد إضافي من الضحايا المدنيين أن يدمّر مفهوم الفلسطينيين لليونيفيل، ما يعرّض المهمة لخطر الاستهداف من الفلسطينيين أنفسهم».
المصدر: مجلة العودة العدد الـ47