تنازلات مجانية ..!!
بقلم: رشيد حسن
في استعراض سريع لمشهد المفاوضات مع العدو الصهيوني، تطالعنا حقيقة خطيرة، وهي ان العقل المفاوض العربي مبني على التنازلات، بعد أن وصل الى قناعة غير صحيحة، بان العدو لن يقدم شيئا، وان المفاوضات ستفشل، ما لم يقم هو بالتنازل، وهذا ما يشهد عليه سجل المفاوضات الطويل جدا، فالمفاوض العربي الفلسطيني يتنازل، والمفاوض الصهيوني متمسك بثوابته، ومن يشك بهذا الكلام فليتفضل، ويقدم لنا حادثة واحدة تنازل فيها العدو عن استراتجيته، وقدم مترا واحدا من الارض المحتلة.
فهو منذ مدريد وقبلها، وخلال المفاوضات غير المباشرة بعد كارثة حزيران، بقي متمسكا باستراتجيته الصهيونية، بل استغل هذه المفاوضات، ومناخ الهزيمة الذي افقد الدول العربية روح التماسك والثبات والصمود، لتكريس الاحتلال. وبشيء من التفصيل .. فلقد بدأ بازار التنازلات بعد هزيمة حزيران 67، حينما تم رفع شعار”ازالة أثار العدوان” بدلا من تحرير فلسطين، والموافقة على قرار مجلس الامن 242، وهو يتضمن الاعتراف بدولة العدو الصهيونية، والتفاوض معها على اساس الانسحاب من الاراضي المحتلة 67، بواسطة المندوب الدولي "يارنغ”، وفشلت المفاوضات في ظل رفض العدو الانسحاب متذرعا بان القرار ينص على الانسحاب من اراض، وليس من الاراضي..!1 وبلغت هذه التنازلات ذروتها بتوقيع مصر على اتفاقية "كامب ديفيد”، ما يعني اعترافها بدولة العدو الصهيوني على 78% من ارض فلسطين التاريخية، دون أن تنص هذه الاتفاتقية على انسحاب العدو من الاراضي التي احتلها عام 67، واقامة الدولة الفلسطينية عليها، وعاصمتها القدس الشريف. وكانت "اوسلو”بمثابة الطامة الكبرى، اذ فتحت اوتستراد التنازلات وعلى كافة المسارب، لتتبعها اتفاقية وادي عربة، وفتح العديد من الممثلات للعدو في تونس والمغرب وقطر ..الخ تحت عناوين تجارية..!! ان كارثة "اوسلو” علاوة على اعترافها بدولة العدو على 78% من ارض فلسطين التاريخية، اعتبرت ما تبقى من ارض فلسطين "22%” ارضا متنازعا عليه، واجلت البحث في أخطر القضايا الى المرحلة النهائية "القدس، اللاجئين، الاستيطان، والحدود والمياه”، ما اعطى العدو الفرصة لرفع وتيرة الاستيطان،حيث لم تنص الاتفاقية على وقفه، حتى بلغ عدد المستوطنين اليوم أكثر من نصف مليون مستوطن، يعيثون في الضفة الغربية والقدس تخريبا وتدميرا . ولم يقف مسلس التنازلات العربية بعد ذلك، بل قامت القمة العربية التي عقدت في بيروت 2002 بالموافقة على خطة السلام العربية، وهذه الخطة اخضعت حق العودة للتفاوض مع العدو،ما يشكل هدية مجانية للعدو، في حين أن قرارات الامم المتحدة نصت عليه صراحة في القرار”194” واعادت التأكيد عليه أكثر من "120”مرة، مما يؤكد جدية المجتمع الدولي في التعامل مع هذه القضية، واصراره على تنفيذها. تصريحات الرئيس الفلسطيني الاخيرة للتلفزيون الاسرائيلي، تدخل في هذا المنحى، فالرجل لا يؤمن بغير المفاوضات، والمفاوضات في نظره لا تستأنف الا اذا قام بالتنازل، وها هو يمهد لشطب حق العودة، باعلانه "بانه لا يحق له العودة الى بلده صفد”....والمفارقة الكبرى في كل ذلك أن الرئيس الفلسطيني هو عراب "اوسلو” وعراب الاتصالات مع العدو قبل ذلك بوقت طويل، وصاحب كتاب "الصهيونية والنازية وجهان لعملة واحدة”فهو بالتأكيد يعرف اهدافهم ونواياهم، وخططهم ومخططاتهم، ولكنه يصر على وجهة نظره "عنزة ولو طارت”..!
باختصار.... المطلوب وقف مسلسل التنازلات المجانية للعدو ..بعد أن تحولت أقدس القضايا، وأكثرها عدالة، الى بازار في سوق النخاسة الدولي.
المصدر: جريدة الدستور الأردنية