القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

تنازل السلطة في الفيفا.. الخلل في موضع آخر

تنازل السلطة في الفيفا.. الخلل في موضع آخر

بقلم: أحمد أبو رتيمة

أثار سحب جبريل الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم حاليا، رئيس الأمن الوقائي سابقا، لطلب تعليق عضوية إسرائيل من الفيفا ردود أفعال فلسطينية غاضبة، وتجاوزت دائرة الغضب الفلسطينيين لتشمل المتضامنين الدوليين الذين يناضلون انتصاراً لقضية فلسطين العادلة وينظمون حملات عالمية، لمعاقبة إسرائيل ثم تفلت إسرائيل في كل مرة من العقاب على أيدي فلسطينيين يفترض أنهم أغير على قضيتهم من هؤلاء المناضلين الأجانب.

لكن إذا كان المتضامنون الأجانب محقين في صدمتهم من سلوك جبريل الرجوب، فإن إبداء بعض الفلسطينيين الدهشة إزاء هذا الفعل هو الذي يستحق الدهشة إذ إن ما حصل لم يتعد دائرة المتوقع من السلطة إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة تكوين هذه السلطة والعوامل الداخلية التي تؤثر في مخرجاتها السياسية.

إبداء الاستغراب في كل مرة تتخذ فيها السلطة موقفاً من هذا القبيل، وما أكثر هذه المرات، وحشد كلمات الإدانة والتنديد بمواقفها بعد وقوعها يعني أننا صرنا في دائرة ردود الأفعال الروتينية المكررة وأننا نتعامل مع الأحداث لا مع قابلياتها ومع الأعراض لا مع الجذور، وهذا مناقض للمنهج العلمي الذي يقتضي أن نرصد قابليات الأحداث قبل وقوعها وأن نعالج البيئة الحاضنة للبذور لإجهاضها في مهدها.

إن الذي يتبع المنهج العلمي في تحليل الظواهر السياسية والاجتماعية تقل مفاجأته من الأحداث ويركز جهده في الاتجاه البناء فيعالج القابليات ويرجع إلى أسباب المشكلة لا إلى مظاهرها.

السلطة الفلسطينية أنشئت منذ أول يوم لتؤدي مهمة الوكيل الأمني لدولة الاحتلال وتعفيه من مسؤولياته الأمنية والإدارية وتجمل وجهه في المحافل الدولية، فلا هي أقامت الدولة المستقلة ولا هي أبقت شكل الاحتلال السافر المستفز للفلسطينيين على الثورة، وهي بهذا التعريف لا يمكن أن تمثل مناقضاً حقيقياً لمصالح الاحتلال وحالة ثورة ضده.

وقد كان الاحتلال حريصا منذ أول يوم على عدم خروج السلطة عن الدور المنوط بها فحرص على إحكام تبعيتها له، تتضح هذه التبعية من تحكم الاحتلال في جمع الضرائب الفلسطينية ورهن إعادة تحويلها إلى السلطة بمواقفها السياسية رغم كون هذه الضرائب حقا فلسطينياً خالصا، كذلك تتضح التبعية الاقتصادية للسلطة من خلال سياسة المنح التي زادت الاتكالية الاقتصادية للسلطة والناس في الأراضي الفلسطينية؛ حيث تقوم هذه المنح عموماً على الصدقات بدلاً من أن تساعد في البناء التحتي والتنمية، حتى إن الصحافية الإسرائيلية أميرة هاس وصفت السياسة الاقتصادية للدول المانحة تجاه السلطة بأنها تعطي الفلسطينيين السمك بدلاً من أن تمنحهم صنارات صيد السمك.

إذًا مشروع السلطة لا يحمل مقومات الاستقلال الاقتصادي الذي يمكنه من الاستقلال السياسي، لكن المشكلة لم تقف عند هذا الحد، فبالإضافة إلى حقيقة عجز السلطة عن ممارسة أي دور سياسي جاد متناقض مع مصالح الاحتلال فقد عجز المشروع أيضاً عن إقامة مؤسسات حكم ديمقراطية ومجتمع مدني، وأنشأ بديلاً عن ذلك سلطة زعامات غارقةً في الفساد والرشاوي وشراء الولاءات.

وفي ظل ضعف القانون، و انعدام آليات المحاسبة والشفافية، وتضخم الولاءات الشخصية والقبائل الأمنية، فإن الفساد السياسي والإداري سيكون تحصيل حاصل، وسيكون من السهل على دولة الاحتلال صاحبة النفوذ السياسي والأمني والممسكة بمفاتيح الاقتصاد اختراق هذا المشروع، وإيجاد أذرع لها تساعدها في احتواء المواقف، وتوجيهها في اتجاهات غير مزعجة لها على الأقل إن لم تكن خادمة لمصالحها.

لقد عملت إسرائيل على إيجاد شبكة من الشخصيات والقوى المتنفذة داخل السلطة، التي ترتبط مصالحها الشخصية ارتباطاً وثيقاً بالمصالح الأمنية والسياسية للاحتلال، فمنحت سلطات الاحتلال قيادات السلطة تصاريح تنقل وسمحت لهم بإقامة مشاريع اقتصادية وفي ظل عدم وجود نظام ديمقراطي فلسطيني وأجهزة محاسبة وآليات شفافية ترعرع الفساد وتورط كثير من المسؤولين بصفقات مشبوهة وأنشطة تجارية قادتها إلى الثراء على حساب المال العام.

وبمنطق المصلحة، فإن الاحتلال هو أكثر الأطراف الحريصة على تشجيع الفساد داخل كيان السلطة؛ لأن هذا الفساد يمنحه ورقة تأثير قوية عبر ربط المصالح الشخصية لقيادات السلطة بأثمان سياسية يجنيها الاحتلال وتعفيه من التنازلات، وهذا ما ناقشته صحيفة الجارديان في تقرير لها بتاريخ 11-6- 2012 حول أسباب عدم هبوب الربيع العربي على فلسطين؛ إذ رأى الصحفي بن وايت أن من العوامل التي تقوض النزعة الثورية لدى الفلسطينيين ظهور رقعة واسعة من المصالح المادية المرتبطة بالحفاظ على الوضع الراهن، فضلاً عن تنامى الخوف لدى البعض من أن التغيير الذي قد يأتي قد لا يكون بالضرورة تغييراً إيجابياً.

وأضاف الصحفي بن وايت أن التجار الفلسطينيين الذين يعتمدون على الرواتب وتصاريح العمل التي تمنحها إياهم السلطة الفلسطينية للعمل داخل المستوطنات أو داخل إسرائيل، يشكلون دائرة صلبة لعدم تغيير الوضع الراهن في فلسطين.

هذه هي حقيقة الواقع، سلطة تفتقد إلى أية مقومات حقيقية تمكنها من التحرر من التبعية لإسرائيل، وإذا كانت التبعية كلها شر فكيف حين تكون هذه التبعية للجهة التي يفترض أنها العدو الرئيس الذي تجب مقاومته، إن هذا لتناقض مريع! ، واحتلال يبتز السلطة برواتب موظفيها آخر الشهر، وغياب لآليات الشفافية والديمقراطية التي تدفع المسئولين إلى الخوف من محاسبة الشعب، فماذا نتوقع أن يكون المخرج السياسي في ضوء المعطيات! هل نجني من الشوك عنباً؟

لا أقصد باستعراض هذا الواقع الدعوة إلى اليأس والتسليم بالعجز، بل أقصد توجيه التعامل نحو حقيقة المشكلة ومبدأ الخلل، إن مشكلة السلطة لم تبدأ في بعض المواقف المخيبة لآمال الشعب الفلسطيني بل في أصل وجودها، لأنها لا تستمد شرعيتها من الشعب وأطره التمثيلية المنتخبة بل من القوى الخارجية التي تستطيع الضغط عليها، وإذا كنا نتطلع إلى أداء سياسي وطني في المحافل الدولية يلبي تطلعات شعبنا فإن الطريق إلى ذلك هو بالتحرر من التبعية السياسية والاقتصادية للاحتلال وتعزيز الديمقراطية والشفافية والمحاسبة بما يضمن محاسبة المخطئ والفاسد.

حينذاك ستكون الإرادة الشعبية ورقةً مؤثرةً في حسابات صانعي القرار؛ لأنهم سيعلمون أن أي تقصير أو تخاذل منهم سيقابل بحزم وعقاب، وأن القضية ليست مرهونةً لمصالح شخصية وصفقات تبرم في جنح الظلام.

المصدر: العربي 21