تهديد غزة على وقع الانقلاب
بقلم: د. عدنان أبو عامر
عاشت حركة حماس
"شهر عسل" لم يدم طويلاً مع الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، لكنها
سرعان ما أقامت "بيت عزاء" عقب الانقلاب عليه من قبل جنرالات الجيش
الحكام الجدد للبلاد، لأنها أصيبت بانتكاسة خطيرة على أكثر من صعيد سياسي
وأيديولوجي في ضربة واحدة.
لكن تأثّر الجانب
العسكري لا يقلّ أهميّة وخطورة، وذلك عبر احتمال استفراد "إسرائيل"
مجدداً بحماس وتوجيه ضربة عسكريّة مؤلمة لم تكملها في الحرب الأخيرة في تشرين
الثاني/نوفمبر 2012، نظراً لاعتبارات عدّة من بينها ضغوط مصر عليها وخشية "تل
أبيب" من تضرّر علاقاتها مع القاهرة إذا استمرّت في عمليّتها العسكريّة ضدّ
غزة.
• اتهامات
"إسرائيليّة"
ينظر صناع القرار في
غزّة بكثير من الريبة والحذر لما كشفته "إسرائيل" من اعتمادها
لاستراتيجيّة جديدة لحماية آلياتها وجنودها بالقرب من حدود غزّة، فهي أخلت المواقع
من الجنود إلى حدّ كبير واستبدلتهم بأجهزة إلكترونيّة متطوّرة، وأقامت تلالاً من
الرمال ومناطق ألغام أرضيّة بالقرب من المواقع العسكريّة، معتبرين ذلك مقدّمة
لتحضير الميدان العسكري على الحدود مع غزّة لمواجهة قادمة، بالتزامن مع التطوّرات
المصريّة.
كما أعلنت مؤخراً عن
تطوير معدّات المراقبة المستخدمة لرصد قطاع غزّة، تشمل رادارات وأسلحة يتمّ
التحكّم بها عن بعد بالإضافة إلى مناطيد تحلّق على ارتفاع يصل إلى 300 متر،
لمساندة قوات المشاة في رصد كل شبر على الحدود مع غزّة وجمع معلومات استخباريّة
ميدانيّة مطلوبة على مساحات واسعة.
وبالتالي يمكن اعتبار
جميع هذه التسريبات الإسرائيليّة "لائحة اتهام" ضدّ حماس تهيئ الرأي
العام الفلسطيني و"الإسرائيلي" لإمكانيّة الانطلاق بعمليّة عسكريّة
ضدّها، خاصة وأن مثل هذه التسريبات عسكريّة بامتياز ويفترض أن تكون سريّة بحسب ما
جرت عليه العادة في الجيش "الإسرائيلي".
وهنا يجب التساؤل: لماذا
كشفت "إسرائيل" عن هذه الإجراءات العسكريّة الخطيرة في هذا التوقيت
بالذات بالتزامن الدقيق مع الانقلاب في مصر؟ خاصة أنّ حماس تُدير في الأشهر
الثمانية الأخيرة بعد الحرب مباشرة، سياسة "منضبطة" وتفي بالتزاماتها
الواردة في اتفاق التهدئة مع "إسرائيل".
• تضييق مصري
ونظراً لما يحدث من
تطوّرات متلاحقة في مصر، إضافة لقلق حماس لأنها تُركت "يتيمة من دون أب"
بعد إسقاط مرسي، فإن من شأن ذلك أن يجعلها تقوم بكل شيء كي لا تعطي
"إسرائيل" ذريعة لتوجيه ضربات ضدّها، لأنها في هذه الآونة مطمئنة إلى أن
"تل أبيب" لن تكون قلقة على تأثّر علاقاتها بالقاهرة بعد أن غادر مرسي
القصر الرئاسي، وجاء محله من لا يرتبط بعلاقات وديّة مع حماس.
ورغم ذلك، ثمّة قلق
ينتاب الأوساط العسكريّة في قطاع غزّة، من جرّاء مواصلة الجيش المصري عمليات إغلاق
الأنفاق التي تربط ما بين قطاع غزّة ومصر منذ حصول الانقلاب مباشرة، نظراً لما
يتسبّب به ذلك من نتائج سلبيّة على العمل المسلّح في غزّة.
فالأنفاق التي تصل ما
بين غزّة وسيناء، تستخدم لتهريب الأسلحة للأجنحة العسكريّة الفلسطينيّة، وعبرها
تصل الأموال من بعض العواصم إلى غزّة للنشطاء المسلّحين لتمويل أنشطتهم وتدريباتهم،
وبفضلها تدخل أعداد من المسلّحين إلى غزّة ثم تغادرها، بحسب ما تشير الروايتان
المصريّة و"الإسرائيليّة"، وبالتالي فإن إغلاقها وهدمها يلقي بظلاله
السلبيّة على هذه القوى المسلّحة إن قررت مواجهة هجوم "إسرائيلي" على
غزّة، لأنها في هذه الحالة ستفتقر إلى الإمداد الفوري لما قد تخسره من معدّات
وذخيرة وأسلحة.
إلى ذلك، فإن ما يقلق
حماس من إمكانيّة استفراد "إسرائيل" بها أن اتصالات المسؤولين المصريّين
مع الفصائل في غزّة متوقّفة منذ 30 حزيران/يونيو الماضي وما تلاه من تغيير سياسي
في مصر، بسبب الانشغال بالوضع الداخلي هناك، مع خشية من امتداد أمد القطيعة بين
غزّة ومصر، تعبيراً عن حالة غضب مصري من تداول تقارير إعلاميّة تتّهم فلسطينيّين
بالمشاركة في الأحداث الداخليّة لاسيّما في سيناء.
كما أن خشية حماس من
توقّف الاتصالات مع مصر ترتبط بإمكانيّة أن تفهمها "إسرائيل" بصورة
خاطئة، وتعتقد أنه رفع للغطاء المصري عن قطاع غزّة، وبالتالي تعريض القطاع لحملة
عسكريّة كبيرة بعد أن كان الموقف الرسمي المصري خلال حكم مرسي يُعتبَر أحد كوابح
أي تحرك عسكري "إسرائيلي" ضدّ غزّة.
لكنها في الوقت ذاته
تبدو مطمئنّة إلى أمرَين اثنَين: أوّلهما، قدراتها العسكريّة المتنامية خلال
الشهور الأخيرة التي أعقبت الحرب على غزّة وما قامت به من عمليات تطوير ملموسة،
وثانيهما قناعتها بأن النظام المصري الجديد الذي لا يحظى بأغلبيّة شعبيّة مصريّة،
ليس بحاجة لمزيد من المشاكل التي تزيد الأمور تعقيداً عليه، من خلال حرب "إسرائيليّة"
جديدة، ورغم ذلك، فإن أكثر ما يقلقها أنها لا تملك ضمانات مصريّة بعدم ذهاب
"إسرائيل" نحو هذه الحرب!
فلسطين أون لاين، 21/7/2013