توطين اللاجئين الفلسطينيين جوهر صفقة ترامب
نبيل السهلي
بعد إعلان إدارة ترامب القدس عاصمة أبدية لإسرائيل،
وقطعها التمويل المالي عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» فضلاً عن
إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن قبل أيام، أكدت تسريبات إعلامية عن نية الرئيس
دونالد ترامب الإعلان عن خطوة رابعة في بداية العام المقبل2019، تتعلّق بملف توطين
اللاجئين الفلسطينيين داخل الدول العربية، بخاصة الأردن وسورية ولبنان. ولهذا سيتوجه
خلال الأسابيع المقبلة وفد من الإدارة الأميركية، برئاسة جاريد كوشنر إلى منطقة الشرق
الأوسط لمناقشة هذه الخطوة ووضع آليات تنفيذ على الأرض، بعد حصر أعداد اللاجئين وكيفية
تغطية النفقات المالية واللوازم الأخرى التي تحتاجها الدول المستضيفة للإشراف على ملف
توطين اللاجئين الفلسطينيين. ويبدو أن الخطوة الأميركية المقبلة المتمثلة بطرح وترسيخ
التوطين هي جوهر وركيزة صفقة القرن التي تكثف الحديث عنها خلال الأشهر القليلة الماضية.
وفي الاتجاه التوطيني أيضاً، برزت مشاريع بعد اتفاقات
أوسلو 1993، كان من أخطرها خطة أميركية لتوطين خمسة ملايين فلسطيني في دول الشرق الأوسط
والعالم، حيث أشارت الخطة إلى حلول لتوزيع حوالى خمسة ملايين فلسطيني في الشرق الأوسط
وأوروبا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى، وذلك حين طرحت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين
في مفاوضات الحل النهائي التي تتضمن قضايا جوهرية أخرى. وقال تقرير أميركي استند في
أهم إحصاءاته ومعالجته هذه القضية الشائكة إلى كتاب أشرفت على إعداده وطرحه في الأسواق
الأستاذة الأميركية في القانون الدولي في جامعة سيراكوز في ولاية نيويورك دونا إيرزت
المهتمة بالصراع العربي- الإسرائيلي، وقال التقرير إن هناك خمسة ملايين و357 ألف فلسطيني
في العالم من أصل 6 ملايين و275 ألفاً و800 نسمة، سيجري توزيعهم على دول المنطقة وبعض
عواصم الغرب كحل نهائي للصراع العربي- الإسرائيلي. فالأردن الذي يضم العدد الأكبر من
اللاجئين الفلسطينيين البالغ مليوناً و832 ألفاً في بدية التسعينات من القرن الماضي،
سوف يكون مطالباً باستيعاب 168 ألفاً خلال سنوات، وليصبح العدد الإجمالي لديه مليونين،
وفيما سورية سترفع عدد لاجئيها الراهن من 325 ألفاً خلال الفترة المذكورة إلى 400 ألف،
أي بزيادة 75 ألفاً، فإن لبنان سوف يكون مضطراً للاحتفاظ بنحو 75 ألفاً من أصل لاجئيه
خلال الفترة ذاتها.
ووفق التقرير المذكور، سوف يفرض على إسرائيل إعادة
75 ألف لاجئ فلسطيني من الدول العربية ضمن حق العودة لمن أمكنهم أن يثبتوا أنهم سكنوا
فلسطين قبل النكبة عام 1948، ومن لهم أقارب اليوم في الأراضي المحتلة، واقترح التقرير
أن تمنح دول عربية أخرى المواطنية لنحو 519 ألف فلسطيني آخر يضافون إلى العدد الموجود
لديها، أمّا دول الغرب وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية، فسوف يكون عليها تحمل
عبء هي الأخرى، حيث يقترح التقرير أن تستوعب 90 ألف فلسطيني لاجئ آخر بالإضافة إلى
الذين لديها وليصبح العدد النهائي 542 ألفاً.
وبالنسبة إلى فلسطينيي الضفة فإن الهدف المستقبلي
هو زيادة عدد سكانها، وذلك عبر استقدام مقيمين في لبنان ودول أخرى، وعبر نقل 350 ألفاً
من سكان القطاع أيضاً، وتعتبر عملية إعادة ونقل وتوطين الملايين الخمسة من الفلسطينيين
المشروع الأضخم في التاريخ الحديث. واقترح التقرير الأميركي أن تشارك دول الغرب وبعض
الدول العربية في توفير الموارد المطلوبة لمهمة إعادة توزيع الفلسطينيين في العالم،
وأما بالنسبة إلى مسألة تعويض الفلسطينيين الـ75 ألفاً، الذين يحصلون على حق العودة
وفق التقرير، في إطار التسوية الشاملة، فإن إسرائيل سوف تدفع هذه التعويضات، وذلك عبر
التعويضات التي تطلبها من بعض الدول العربية مقابل أملاك اليهود الذين غادروها منذ
احتلال فلسطين.
شلومو غازيت الرئيس الأسبق لجهاز الـ «موساد»، يرى
أنه من غير الممكن أن يكون للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، حل حقيقي جذري وقابل للبقاء،
من دون إنهاء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من جميع جوانبها، ومن واجب إسرائيل الإصرار
على إدراج هذه المشكلة في جداول الأعمال وإيجاد حل لها متفق عليه، وفي الوقت ذاته تنفي
إسرائيل مسؤوليتها عن بروز قضية اللاجئين، وترفض من حيث المبدأ حق العودة لعام
1948، وفي الوقت ذاته ستقدم إسرائيل مساهمة نفسية- وفق شلومو غازيت- عن طريق اعترافها
بالمعاناة الفلسطينية، وبضرورة تعويض اللاجئين عن الممتلكات التي فقدوها. ولا تتعدى
تصورات غازيت لحل قضية اللاجئين، إعادة التأهيل والتوطين في مناطق اللجوء والتعويضات
المالية، وهذا ما سيتضمنه إعلان ترامب في بداية 2019.
* كاتب فلسطيني
المصدر: الحياة