القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

ثورة "30 يونيو" المصرية تضع حركة حماس أمام خيارات صعبة

ثورة "30 يونيو" المصرية تضع حركة حماس أمام خيارات صعبة

بقلم: د.علاء أبوعامر

مهمة الدول في التعاطي مع القضايا الدولية هي دائماً أسهل من تعاطي الحركات السياسية في موائمة أوضاعها فيما تتطلبه الظروف الجديدة فيكفي أن تقوم باستبدال حكوماتها بحكومات جديدة تتبنى سياسات مغايرة لما كانت عليه الحكومات السابقة لتنال الرضا من قبل الخصوم السياسيين في الخارج وهذا ما فعلته دولة قطر على حين استبدلت " الحمدين " بالأمير تميم " حينما وجدت أن الرياح الإقليمية والدولية جاءت بما لا تشتهيه سفنها، أو ربما نصحت أمريكياً، فقررت الخروج من مأزقها بوجه جديد وحكومة جديدة وها هي تتلمس خطواتها في طريق إعادة صياغة سياستها الخارجية لتعكس صورة جديدة بدلاً عن الصورة القديمة التي جعلت من قطر عدواً لدول أكبر منها حجماً وقوة.

وإذا كان هذا ما استطاعت فعله دولة قطر قبل الثورة المصرية بفعل التغيرات التي حصلت على الساحة السورية ميدانياً ودولياً وبفعل التقارب الروسي - الأمريكي والتوجه إلى جنيف 2 وهي سياسة بالإمكان وصفها بمعادلة خطوتين إلى الوراء وخطوة إلى الأمام، حيث يُعتقد أن هذه الدولة الصغيرة ستتخلى شيئاً فشيئاً عن الدور " الثوري " الذي اطلعت به في مرحلة ما سمي ربيعاً عربياً ؟

وأغلب الظن أنها ستتجه إلى الإنكفاء على نفسها والعودة إلى الإنسجام مع المواقف الخليجية تحت القيادة السعودية هذا إذا صدقت المعلومات الصحفية التي لا يعرف مصدرها بعد والتي تتحدث عن نية الأمير القطري الجديد طرد قيادات حركة الإخوان المسلمين ومنها " حماس " من بلاده...

و بالرغم من أن تلك المعلومات غير مؤكدة حتى الآن، إلا أن المؤكد هو أن حكومة الأمير تميم كانت قد سارعت بالإنضمام للإجماع الخليجي المرحب بعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي وإنهاء حكم الإخوان وتجربتهم في نسختها المصرية، ومن هنا فإن المفاجئة القطرية في الشأن المصري تعطي شيئاً من المصداقية للمعلومات التي تتحدث عن تحول بطيء في السياسة الخارجية القطرية تجاه عدد من الملفات المشتعلة في المنطقة ومنها، بل وأهمها، فك التحالف مع حركة الإخوان المسلمين وقد جائت تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي بتحريض المصريين الى اعادة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الى الحكم لتبرهن على تمايز وإبتعاد السياسة الرسمية القطرية عن تبني مواقف الإخوان تلقائياً مثلما كانت تفعل في عهد "الحمدين "

هذا الموقف القطري من المؤكد أنه قد وقع كالصدمة على حركة المقاومة الإسلامية " حماس" الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين، كونه ينذر بشكل أو بآخر بما بعده، فتخلي أقرب حلفاء حماس الإقليميين وبهذه السرعة عن الرئيس الإخواني المخلوع محمد مرسي يثير تساؤلات كبيرة حول مستقبل تحالفات حركة حماس وخياراتها السياسية في المرحلة المقبلة.

إذ من المعروف أن تخلي حركة المقاومة الإسلامية " حماس" عن حلفائها في محور الممانعة والمقاومة المتمثل في الجمهورية الإسلامية في إيران وسوريا الأسد وحزب الله اللبناني، كان بناءً على طلب صريح من المرجعية العليا للإخوان المسلمين المتحالفة مع دولة قطر والتي شملت أيضاً تركيا أردوغان على أساس ترويض الحركة وتحويلها من حركة مقاومة إلى حركة سياسية بعيدة عن العنف ومن ثم تحويلها وبعد إزالتها من لائحة الأرهاب الأمريكية ـ الأوروبية إلى مُحاور يعتد به في المناقشات التي كانت تجري لتقرير مستقبل المنطقة في ضوء التفاهم الذي حصل بين الإدارة الأمريكية وعدد من حلفائها الأوروبيين مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين برعاية قطرية تركية، والذي تضمن المساهمة بتمكينهم من الحكم في البلدان العربية مقابل حماية المصالح الأمريكية والحفاظ على أمن إسرائيل.

يلاحظ منذ عام تقريباً أن حركة المقاومة الإسلامية حماس تعاني من أزمة هوية فهي تنتمي أيديولوجياً لحركة الإخوان المسلمين ولكنها في نفس الوقت حركة مقاومة وطنية فلسطينية جعلت من التحرر الوطني ومقاومة الإحتلال هدفاً أساسياً لها، وعلى هذا الأساس إنطلقت هذه الحركة الإسلامية الفلسطينية بقيادة طليعة متمردة من أبناء الإخوان، كان على رأسهم الشيخ أحمد ياسين وعدداً أخر من رفاقه كحركة ثورية ومتمردة على الفكر الإخواني المحافظ وغير الثوري المعتمد على الدعوة لإصلاح المجتمع المسلم والسعي لإقامة دولة الخلافة، وقد تبنت الحركة وبشكل أساسي الكفاح المسلح "الجهاد" كطريق حتمي ووحيد لتحرير فلسطين كل فلسطين وكان هذا التحول عملاً جذريأً أدى فيما أدى إلى تغيير نظرة المجتمع العربي والفلسطيني إلى الإخوان المسلمين من حركة رجعية متخلفة وعميلة للإستعمار ومتوافقة مع أهدافه بحسب الترويج القومي واليساري إلى حركة مناضلة تستحق الإحترام.

ولكن على ما يبدو كان هذا خطأً في التقييم فما كان ينطبق على حماس أي الجزء الفلسطيني المتمرد على الفكر الإخواني لم يكن ينطبق على الإخوان كل الإخوان أي التنظيم الدولي وفروعه فقد ظل الآخرون أوفياء لمبادئهم وأدواتهم وأساليبهم ولكنهم إستغلوا نضالات حماس للترويج لصورة مخادعة لأنفسهم هي بالمطلق لم تكن كذلك فقد حافظ التنظيم الدولي على رجعيته وتحالفاته المريبة عربياً ودولياً...

مثلت حماس بالنسبة لحركة الإخوان المسلمين جوهرة التاج فبها أشرقت الحركة وأعادت من خلالها البريق الذي إفتقدته منذ حادثة المنشية ومحاولة إغتيال الزعيم الراحل الخالد جمال عبد الناصر.

ولكن كون الحركة الأم هي حركة رجعية محافظة إصلاحية وغير ثورية فإنها حاولت أن تبقى مهيمنة على القرار السياسي لحركة حماس وتوجهاتها بفعل تمويلها للحركة، ولكنها كانت تواجه بالصد والرفض من قبل قيادة الحركة التاريخية ممثلة بالشيخ أحمد ياسين والقائد عبد العزيز الرنتيسي وغيره من القيادات التي كانت تتبنى الفكر الجهادي.

لكن ومع إغتيال القائد المؤسس ومعظم رفاقه من أصحاب الفكر الجهادي الذي يمكن وصفه بالوطني الفلسطيني، كما يشير العديد من الكتاب المطلعين على الشأن الحمساوي الداخلي صعدت إلى السطح قيادات غير مخضرمة من قيادات الداخل والخارج بحسب ما تشير إليه تلك المصادر أعادت بحكم ضعفها وقلت خبرتها إلى قيادة التنطيم الدولي الأم وضع المقرر في السياسات، واتسقت معه شيئاً فشيئاً، وبإمكاننا تلمس ذلك من خلال تطورين هامين:

أولهما: دخول حماس الانتخابات البلدية والتشريعية الفلسطينية وسعيها إلى السلطة ضاربة بعرض الحائط نصائح حلفائها في سوريا وايران ولبنان والفصائل الفلسطينية المتحالفة معها في دمشق بأن ذلك يعتبر مصيدة لها وإنحراف عن خط التحرير والعودة التي على أساسها انطلقت الحركة واكتسبت شرعيتها وشعبيتها في الساحة الفلسطينية والعربية ولكن دون جدوى.

وبالفعل أصبحت السيطرة على غزة وتقوية حكم حماس فيها ليس هدفاً حمساوياً فقط، بل هدفاً إخوانياً عالمياً يلتقي فيه كافة أطياف حركات الإسلام السياسي عبر العالم بدءأً من أردوغان تركيا وإنتهاءً بأصغر تنظيم إسلامي في المنطقة، حيث أصبحت غزة وفك حصارها هي الأولوية بدل إستعادة القدس ومسجدها، نعم بات هذا هو الهم والهدف الأول لجميع هذه القوى الإسلامية للتحرك عربياً و دولياً.

وعليه وبتشجيع من التنظيم الدولي للإخوان بدأت حماس تخطو خطوة، خطوة نحو السعي الدؤوب لنيل الإعتراف العربي والدولي بها، وبكل ما يترتب عليه من قبولها بأوراق اللعبة السياسية في المنطقة ألا وهي لعبة التسوية السلمية ونبذ العنف.

وثاني الدلائل بأن حماس لاتملك قرارها المستقل هو ما بينته أحداث الأزمة السورية من إنحيازها لتحالفاتها الايديولوجية وانتمائها الإخواني على حساب تحالفها الكفاحي ضد إسرائيل مضحية بذلك بكل الامتيازات التي كانت تحصل عليها من محور الممانعة والمقاومة المتمثل بإيران وسوريا وحزب الله من مأوى ومال وسلاح وتدريب ودعم سياسي وإعلامي... وغيره

وبالطبع ولأن حماس ودويلتها في غزة أصبحت بعد أحداث " الربيع العربي" جزءً من الصفقة الكبرى خصوصاً بعد حرب الثمانية أيام والهدنة التي أعقبتها برعاية أمريكية ـ مصرية قطرية تركية والتي أسميتها في إحدى مقالاتي السابقة،، (حرب تثبيت كامب ديقبد)، فإن سقوط حكم الإخوان في مصر الذي يمثل حجر الزاوية في الصفقة الكبرى قد يُنذر بنهاية هذه الصفقة بالكامل وهذا يعني إعادة رسم للسياسة الخارجية الأمريكية من جديد وخلط كامل للأوراق والتحالفات في المنطقة، في وضع يحتمل التقلبات والتغيير في كل وقت، إذ بسقوط الضلعين المصري والقطري من هذا المحور يبقى المحور التركي غير المهم وغير المقرر باعتقادي في مجرى الأحداث خصوصاً أنه الآخر مأزوم بالاحتجاجات الداخلية وبداية ظهور رأي عام تركي رافض لحكم الإسلاميين وسياساتهم الداخلية والخارجية هناك أيضاً، هذا بالإضافة إلى أن الدور التركي محكوم بالسياسة العامة لدول حلف الناتو وليس لاعباً مستقلاً تماماً كما يُعتقد.

من القراءة السابقة يتضح معنا أن حماس قبل غيرها من اللاعبين ستواجه مستقبلاً قد يكون صعباً ليس لكونها حركة سياسية بل لكونها جزءً من حركة تتجه نحو العد التنازلي في مستقبلها، ولكونها أيضاً حركة تحكم جزءً من شعب وجغرافيا ملاصقة لعدو لها هو إسرائيل وهي العدو التاريخي الذي منحها هدنة ضمنتها مصر الإخوانية وقد سقطت هذه الأخيرة وأصبحت الهدنة بلا ضامن، وقد يؤدي ذلك إلى أنهيارها في أي وقت وإن حصل ذلك سيمثل ضربة قاسية لحكومة حركة حماس من الناحية العسكرية فهي تقاتل اليوم بلا غطاء سياسي وبلا غطاء عربي أو إسلامي بعدما تم شيطنتها عربياً خصوصا ً في سوريا وفي مصر، وأي حرب قادمة سيكون نتيجتها إحكام الحصار الإقتصادي عليها وخنق قطاع غزة وهذا بدوره سيثير عليها الرأي العام الداخلي في غزة ولا يستبعد أن يشهد قطاع غزة حالة تمرد وعصيان مدني يؤدي في النهاية إسقاط سلطتها.

هذا من ناحية من ناحية أخرى صنعت حماس لنفسها عدواً جديداً يتمثل في الحكم المصري الجديد الذي تتنامى لديه الكراهية ضد حماس وكل ما تمثله من سياسة وارتباطات أيديولوجية حيث الإعلام المصري بكليته يقف موقفاً معادياً لحماس ويجرمها في كل الأحداث التي تمر بها مصر خصوصاً إتهامها بموضوع مهاجمة السجون ومراكز الأمن اثناء ثورة 25 يناير وكذلك هي متهمة بخطف وقتل جنود مصريين في سيناء وأخيراً هي متهمة بالمشاركة عسكرياً في الهجوم على المتظاهرين في ثورة 30/6 ورغم نفي حماس لأي علاقة لها بهذا الامر إلا أنها مازالت المتهم رقم واحد في كل هذه الأحداث، وقد بدأت مصر تفرض عليها وبالطبع على سكان قطاع غزة الذي تحكمه حصاراً قاسياً من خلال إغلاق الأنفاق وتدميرها بالكامل وتجريم من يقيمها بدعوى أنها تمثل خطراً على الأمن القومي المصري.

أمام هذا الوضع المأزق تجد حماس نفسها بحاجة إلى مراجعة خياراتها وهي خيارات ليست كثيرة، نوجزها في النقاط التالية:

1- الخيار الأول هو أستقالة أو إقالة أعضاء المكتب السياسي الحالي لحماس والآتيان بوجوه جديدة تتبنى سياسة مد الجسور مع مصر الجديدة والأعتذار للشعب المصري وكذلك التعاون في فتح كل الملفات محل الجدل والتي تتهم حماس بكل ما سبق ذكره بما فيها تسليم كل من تثبت أدانته إلى القضاء المصري العادل وهذا سيعيد لحماس بعض من مصداقيتها لدى الرأي العام المصري والقيادة المصرية مع أن هذا الأمر يبدو ليس سهلاً خصوصاً في المرحلة القريبة القادم.

2- الخيار الثاني هو مد الجسور مع حلفاء الماضي إيران وحزب الله وسوريا فهذه الأطراف الثلاثة وبالرغم من حنقها على حماس لوقوفها في صفوف خصوم هذا المحور إلا أنهم مازالوا بحاجة لها ولو تكتيكياً كي يمسحوا الصورة التي رسمها الإخوان والجماعات التكفيرية حول طبيعة الصراع في الأزمة السورية من أن جوهره طائفي لا سياسي وهذا يبقى أحتمال، وقد تكون حسابات هذا المحور قد أختلفت بعد الثورة المصرية...

3- الخيار الثالث ويبقى هو الخيار الممكن الذي يمكن أن تلجأ إليه حماس ربما دون تغيير في مكتبها السياسي الحالي من خلال قيامها بخطوات عملية نحو اتمام مصالحة فلسطينية حقيقية، تنتهي بانتخابات رئاسية وتشريعية وفق أتفاق الدوحة - القاهرة وبهذا يعود قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس إلى عهدة السلطة الفلسطينية و يلقى على عاتق السلطة الفلسطينية مهمة فك الحصار عن سكان القطاع وتأمين كافة أحتياجاته وبإمكان الرئيس أبو مازن بما يمتلك من حنكة سياسية وعلاقات مميزة مصرياً من أخراج حماس من أزمتها.

4-الخيار الرابع أن تواصل حماس سياساتها الحالية بمكتبها السياسي الحالي واللجوء إلى سياسة الانتظار والترقب والضغط على القيادة المصرية والمجتمع الدولي من خلال تحريك المجتمع الفلسطيني الغزي في احتجاجات متواصلة لرفع الحصار عن غزة وسيكون هذا الحراك موجهاً باتجاه القيادة المصرية الجديدة وقد يثمر بالتخفيف من الحصار الأقتصادي ولأبقاء على الحصار السياسي وهو الأهم بالنسبة لحماس إلى أن تتم المصالحة الفلسطينية.

في الحقيقة كل الخيارات ممكنة ولكن هل حماس مستوعبة لهذا الدرس الذي تمر به و هل هي جاهزة لدفع استحقاقاته أم أنها ستكابر كما كانت تفعل على مدار الأعوام الماضية....

المصدر: وكالة سما الإخبارية