القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

جدار العـار الحقيقي ليس حول مخيم عين الحلوة

جدار العـار الحقيقي ليس حول مخيم عين الحلوة

بقلم: ياسر علي

ضجّ لبنان ومواقع التواصل الاجتماعي، الشهر الماضي، بقضية بناء جدار يحيط بمخيم عين الحلوة، اتفق الفلسطينيون والقوى اللبنانية الرافضة له على تسميته جدار العار. نظرا لأنه يحبس 100 ألف فلسطيني في سجن كبير اسمه مخيم عين الحلوة، فلا يخرجون من المخيم إلا عبر نقاط تفتيش ومعابر ضيقة للمشاة.

وقد توقف العمل بالجدار بعد إنجاز أكثر من 60 % منه، بسبب الاحتجاجات، وقالت الجهات اللبنانية إنه أصبح من التاريخ، لكنه لم يُهدم ولم يُزَل من مكانه. ليس صعبا هدم هذا الجدار الأسمنتي بقوانين الفيزياء والهندسة، ولكن الأصعب هو هدم كثير من الجدران المعنوية وغير المرئية التي تمّ بناؤها مسبقا، والتي ظهرت للعيان وأخذت حيزا ومساحة حين تجسدت في هذا الأسمنت الجاثم حول مخيم عين الحلوة.

وكما يقول الأطباء، تشخيص المرض نصف العلاج، فإن تشخيص الجدار الحقيقي هو الطريق إلى الهدم الحقيقي له. جدار العار الحقيقي هو ذلك الذي بناه تراكُم سوء الفهم والتحريض الإعلامي ذي الخلفيات الأمنية، بين الشعبين اللبناني والفلسطيني. جدار العار الحقيقي هو الذي بَنَتْهُ السلطة اللبنانية منذ خمسينيات القرن الماضي في وجه اللاجئين الفلسطينيين، وجدّدتهُ عند كل استحقاق.

جدار العار الحقيقي هو الظلم اللاحق بالفلسطينيين في الخمسينيات والستينيات، منذ رفض لبنان توقيع اتفاقية اللاجئين عام 1951، ومعاملتهم للاجئين الفقراء كمجرمين في مخيمات الصفيح (نال الجنسية اللبنانية معظم الأغنياء والمسيحيين). حيث كان المكتب الثاني يعتقل الفلسطيني على أدنى شبهة (تابعوا جوني عبده في برنامج شاهد على العصر). وكان الدرك (الشرطة) يحررون ضبط مخالفة لمن يبيت خارج المخيم بدون إذن ويوقفونه في المخفر، ولمن يسهر في الليل ويضيء خيمته، ولمن ترمي الماء أمام خيمتها ولو للتنظيف، ولمن يبني مدماكا من الأحجار كي يحمي خيمته من السيول والشتاء واقتلاع الرياح لها، ولمن ينتقل من محافظة لبنانية إلى أخرى بدون تصريح.

وجدار العار الحقيقي هو حصار المخيمات الذي اتخذ أشكالا عديدة، بدءاً من إقفال بعض المخيمات ببوابة حديدية في الليل (ما زالت بوابة مخيم الجليل في بعلبك شاهدة على ذلك حتى اليوم)، ونقاط الشرطة (المخفر) والمخابرات في كل مخيم. مرورا إلى تدمير مخيمات (النبطية وتل الزعتر وجسر الباشا ونهر البارد) وإنهاء مخيمات (ثكنة غورو وعنجر والقرعون)، ثم حرب المخيمات التي استنزفت شباب اللاجئين وهجّرتهم إلى السويد والدنمارك، وصولا إلى الحصار المستمر منذ 1/ 1/ 1997 على مخيمات جنوب لبنان، حيث يُمنع دخول أي مواد بناء وأثاث بدون تصريح منذ ذلك التاريخ.

وجدار العار الحقيقي هو القوانين التي تحرم اللاجئين الفلسطينيين من أدنى الحقوق الإنسانية والاجتماعية، فتمنع عنه حق التملك أو شراء أي عقار، وإذا كان يملك عقاراً تحرمه من توريثه (لأن التوريث إعادة تمليك للورثة!). وتحرمه من حق العمل ومن الانتساب إلى النقابات المهنية والاستفادة من الحقوق التي يتمتع بها العامل، فيعمل من دون ترخيص وبالتهريب، فيتحكّم فيه رب العمل بحرمانه من البدلات والتعويضات والتأمينات. وتحرمه من التعليم المجاني والاستشفاء المجاني، وغير ذلك من الحقوق. فيعيش الفلسطيني في لبنان كمواطن درجة ثانية.

وجدار العار الحقيقي هو الطائفية التي استُخدمت ضد الفلسطيني، حيث تم تجنيس معظم الفلسطينيين المسيحيين في الخمسينيات. والطائفية التي جعلت الخلاف السياسي في لبنان المتمثل في 8 و 14 آذار؛ ينقلب يوم تقديم اقتراح قانون يمنح بعض حقوق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ينقلب إلى خلاف طائفي، فاصطفّت القوى المسيحية ضد القرار، واصطفّت القوى الإسلامية مع القرار.

وجدار العار الحقيقي تبنيه العنصرية المعتمدة عند عدد من الشرائح اللبنانية (جبران باسيل وشربل خليل مثالاً)، والتحريض الإعلامي الذي تمارسه بعض القنوات التلفزيونية اللبنانية مثل قناة الجديد التي لم تتردد يوماً في إلصاق التهمة بالمخيمات عند كل انفجار، حتى صارت مادة للتهكم والمبالغات الكوميدية. فحين سقطت بضعة قذائف في الضاحية الجنوبية، أكّدت المراسلة بعد أقل من نصف ساعة أن مصدر القذائف هو مخيم برج البراجنة، ثم تبين خلال 24 ساعة أن مصدرها جبل لبنان، حتى أصبحت المحطة مصدراً لتثبيت الإرهاب كصورة نمطية للمخيمات الفلسطينية. هذا في الوقت الذي تدعم المحطة الانتفاضة الفلسطينية وتقدم برنامج اعرف عدوّك، وترفض أن تسمي دولة الاحتلال إلا الكيان الصهيوني. فصدق فيها المثل الذي كان يقوله دائماً المناضل الفلسطيني المرحوم شفيق الحوت: "يحبون فلسطين ويكرهون الفلسطينيين".

وجدار العار الحقيقي هو المجازر التي ارتُكبت في حق الفلسطينيين طوال تاريخ وجودهم في لبنان، في عين الرمانة وتل الزعتر وجسر الباشا والسبت الأسود في المسلخ والكرنتينا، وصبرا وشاتيلا وحروب المخيمات، هذه المجازر التي يلوموننا على إثارتها والحديث عنها، ويرفضون الاعتذار عن فعلتهم الشنيعة.

هذا هو تشخيص جدار العار الحقيقي وتوصيفه، وقد تكثف وتجسد في جدار أسمنتي في عين الحلوة، الذي هو نتيجة لكل هذه التراكمات، وليس السبب الحقيقي الوحيد لوصمه بجدار العار.

لن يهدم هذا الجدار معاول ومَهَدّات، ولا عبوات ناسفة وتفجيرات، مع أن هَدْمُه ممكن وبسيط، وهو بيد بعض الجهات اللبنانية وليس الفلسطينية، ويحتاج أمراً بسيطاً وواضحاً، هو تخفيض مستوى الكراهية والطائفية والعنصرية تجاه الشعب الفلسطيني.

المصدر: مدونات الجزيرة