جديد "صبرا وشاتيلا"
بقلم: أمجد عرار
طوال ثلاثين عاماً هي عمر مذبحة صبرا وشاتيلا، ونحن ننتقد الولايات المتحدة لأن سلوكها السلبي اقتصر، كما كنا نظن خطأ، على كونها لم تلتزم بتعهداتها لمنظمة التحرير الفلسطينية بحماية المخيمات الفلسطينية بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، إثر اتفاق رعاه المبعوث الأمريكي آنذاك فيليب حبيب. كانت تعلم علم اليقين أن هناك من يضمر للفلسطينيين شراً، وكانت المقاومة الضمانة الوحيدة لحمايتهم، وأن مغادرتها ستعني تجريدهم من تلك الضمانة، لأن العملاء الجبناء سيجدون فرصة سانحة في الانقضاض على عزل من السلاح. لذلك كنا نعتب على دولة عظمى لم تحترم تعهّداتها بحماية آلاف من الفلسطينيين الذين شردتهم العصابات الصهيونية التي اقتلعتهم من ديارهم سنة،1948 في واحدة من أكبر النكبات في التاريخ. من العار على المجتمع الدولي وبخاصة دوله الأكثر نفوذاً وفعالية أن تترك نساء وأطفالاً ومسنّين فريسة لقوّة احتلال قاتلة ومجرمة وميليشيات عميلة تأتمر بأمرها.
ظللنا نظن أن حدود السلوك الأمريكي تقف عند حد التقصير وعدم الالتزام بالتفاهم الشفهي بشأن حماية المخيمات، إلى أن نشرت صحيفة "نيويورك تايمز” الأمريكية وثائق تاريخية جديدة تؤكد ما هو أخطر من التقصير وعدم الالتزام، إذ إنها تكشف عن حقائق لم تكن معروفة حتى اليوم مفادها أن الولايات المتحدة كانت على علم مسبق بأن مجزرة سترتكب، وأن نقاشاً واضحاً وصريحاً جرى حولها مع قادة "إسرائيليين” على قمة الهرم السياسي والعسكري والاستخباري. الوثيقة التي أخذتها الصحيفة عن باحث أمريكي، تشير إلى جلسة عقدت بين وزير الحرب "الإسرائيلي” آنذاك أرئيل شارون ومبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط موريس درابر، وفيها قال شارون لدرابر "إذا كنت متخوّفاً من أن تتورط معنا، فلا مشكلة، يمكن لأمريكا بكل بساطة أن تنكر الأمر أو علمها به، ونحن بدورنا سننكر ذلك أيضاً”. وثيقة أخرى تنقل عن شارون قوله خلال لقاء مع الموفد الأمريكي والسفير سام لويس، وآخرين، رداً على مطالبة واشنطن بانسحاب قوات الاحتلال من بيروت: إن "الإرهابيين لا يزالون في العاصمة”. هكذا يصف إرهابي مناضلين يناضلون لاستعادة وطنهم. لم يترك شارون طاولة الاجتماع إلا بعد اتفاق مع محادثيه الأمريكيين على دخول المخيمات لتصفية المقاومين، وتم تحديد مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة والفاكهاني. ملاحظة درابر آنذاك بأن البعض سيزعم أن الجيش "الإسرائيلي” باق في بيروت لكي يسمح للبنانيين بقتل الفلسطينيين، تشي بأن حواراً صريحاً قد جرى حول "مجزرة مبيّتة”، وهذا ما اتضح في ما نقلته الوثيقة الأمريكية عن شارون الذي عقّب على الملاحظة بالقول "سنقتلهم نحن إذاً، لن نبقي أحداً منهم”، ليرد درابر "لسنا مهتمين بإنقاذ أحد من هؤلاء”. كان ذلك ضوءاً أخضر لم تمض عليه سوى ثلاثة أيام ثم كانت المذبحة في السابع عشر من سبتمبر/أيلول،1982 واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ حيث فتح العالم عينيه على آلاف الجثث لأطفال ونساء وشيوخ وشباب ملقاة في الشوارع تنهشها الكلاب والقطط. كان للعالم أعين تفتّحت وآذان سمعت وعدسات صوّرت وأقلام كتبت. وكان له أيضاً ضمير لم يستيقظ وما زال مستتراً. حتى قبل الوثائق الجديدة ومضامينها، فإن السلوك الأمريكي بمنسوبه المسقوف، حسب علمنا، بعدم تنفيذ التعهد بحماية المخيمات، كان درساً قاسياً مكتوباً بالدم عن نتيجة المراهنة على الولايات المتحدة ودورها الذي يدعي الوساطة وهو لا يغادر الحظيرة "الإسرائيلية” إلا ليعود إليها محمّلاً بالأسلحة والذخائر، وهي إما أسلحة بأيدي أعدائنا لقتلنا، أو أسلحة بأيدينا لقتلنا أيضاً.
المصدر: جريدة الخليج الإماراتية