القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

جوازات سفر

جوازات سفر

بقلم: عدلي صادق

يتفهم واحدنا حرص بعض المواطنين الفلسطينيين في الضفة على الاحتفاظ بجنسيتهم الأردنية، على الرغم من عدم إقامتهم في الأردن بشكل دائم. فالجنسية الأردنية وجواز سفر هذا البلد يسهلان على المواطن التواصل مع المصالح المتبقية له في الأردن، وأكثرها مصالح اجتماعية، تتعلق بوجود عائلات توزعت بين الضفتين، فضلاً عن أملاك ومصالح اقتصادية، فجواز السفر الأردني يوفر فرصاً أفضل في البحث عن عمل أو عن إقامة، أو عن مجرد دخول لأقطار عربية، تعامل العنصر الفلسطيني باستثناءات سلبية، تزول بتخبئة جواز السفر الفلسطيني وبإظهار الأردني. بل إن شرائح اجتماعية معوزة تضع في الحسبان، عند الدخول إلى المملكة الأردنية الهاشمية عبر جسر الملك حسين، أن المسرب الأيسر، للدخول إلى صالة الحقائب، وهو يحاذي الأيمن، يمر منه المعفيون من الدنانير العشرة التي يجري تحصيلها من غير الأردنيين المارّين من المسرب الأيمن، وهي ترهق الفقير المضطر للتردد دائماً على الأردن! لكن، ما لا يستطيع واحدنا أن يتفهمه حرص كثيرين من الشريحة السياسية الفلسطينية على السفر إلى عمان، بجوازات سفرهم الأردنية. وقد لوحظ أن غمامة قلق عكّرت أجواء هؤلاء، عندما قيل، صدقاً أو تخميناً، إن ثمة نيّة أردنية أو خطوة متوقعة، لسحب جوازات سفر بعض رموز الشريحة السياسة، وإخضاعهم لقانون الجنسية الأردني الذي يُجيز السحب.

في حال المواطنين البسطاء، لا معنى سياسياً للتمسك بجواز السفر الأردني، فهؤلاء راسخون في وطنهم، ممتلئون بمشاعر وطنيتهم الفلسطينية، ويكابدون احتلالاً خانقاً، ولا بأس إنْ تمسكوا بوثائق اكتسبتها عائلاتهم على مدى ما يزيد عن نصف قرن، تسهّل عليهم حركتهم، وتؤمن مصالحهم الاجتماعية. ثم إن العلاقة الأردنية الفلسطينية الجيدة لا تفتح مجالاً للحساسية، تماماً مثلما يجد فلسطينيون من قطاع غزة، لا يقل عددهم عن خمسين ألفاً، فائدة تأسست على واقع استثناءات سلبية، عندما يحصلون على الجنسية المصرية. كما أن حُلم الدولة الفلسطينية السيّدة التي تعامل الآخرين الأبعدين والأقربين بالمثل، دفاعاً عن حق شعبها في العبور وارتياد الآفاق؛ ما زال ضبابياً أو بعيداً في حسابات الواقع اليومي. لذا، لا عتب على المواطن البسيط، إن تمسك بعصفور في اليد، دون عشرة على الشجرة.

تروي حكاية جوازات السفر التي يحملها الفلسطينيون ملحمة العذاب والنجاة. عشرات الألوف من فلسطينيي قطاع غزة وصلوا إلى القارة الأوروبية، واكتسبوا جنسيات أقطارها وجوازات سفرها. أصبح الواحد من هؤلاء آمناً ومرحباً به، في عيون الأمن العربي قاطبةً. الإنسان هو نفسه، لكن منطق التعامل معه يتبدل مع جواز السفر الأجنبي. هنا تنتفي الحيثية الأمنية، وتطل الحيثية السياسية برأسها.

أما المحسوبون على الشريحة السياسية الفلسطينية، فلا سبب لهم، عندما يخبئون جوازات سفرهم الديبلوماسية، ويسافرون بجوازت مواطنين أردنيين. وينم حرصهم على الاحتفاظ بأرقامهم الوطنية الأردنية عن ضعف ثقة بمشروعهم، علماً أن مشروع الاستقلال والحرية في فلسطين مشروع حياة ومستقبل، يفرض على المشتغلين في الحقل السياسي الفلسطيني أن يكونوا قدوة، ومعنيين بإنعاش الأمل والثقة في تحقيق الأهداف. وليس أبلغ في هذا المنحى من التمسك بالهوية الفلسطينية وبجواز السفر الفلسطيني الذي أتيح لهم. الأجدر أن يحمل الواحد من هؤلاء جواز سفره وهويته، ومن ورائه الجدار وأمامه العالم، كأنما يعلن أن لا بديل لهويته.

كنا، في الخمسينيات، نسمع أن هدف استنكاف الدول العربية عن منح جنسياتها للاجئين الفلسطينيين هو الحفاظ على قضيتهم، بل إن مخيمات شعبنا، نفسها، ظلت عقدين على حالها المزري، لأن قيام الجدران والأسقف الخرسانية سيوحي بالاستقرار وبتضييع صفة اللجوء. كانت ثمة خشية من الإسمنت والحجر أن يبددا صفة الإنسان اللاجئ المظلوم المستلبة أرضه. لكننا، اليوم، نرى مشتغلين في السياسة نفسها، وفي موضوع القضية، لا يكتفون بما توافر لهم من حرية الحركة، ويستبدلون عند سفرهم رمزيات الهوية والقضية، بأخرى مغايرة.

المصدر: العربي الجديد