جيل ما بعد «أوسلو» يستعيد الوعي
ويتصدى لمسؤولية تنميته
بقلم: د. غانية ملحيس
لعلّ أهمّ ما يُمَيِّز الحراك
الفلسطينيّ المُسْتَجِدّ المُتواصل للأسبوع السّابع على التَّوالي، طابعه الشّعبيّ
وطبيعته العفويّة الجامعة للمُعتقدات والطّبقات والأعمار والنّوْع الاجتماعي
والمُستويات العِلميّة والثقافيّة ، وامتداده المَناطقي واستِقلاليّته وطغيان
المُبادرات الفرديّة .
وعلى الرّغم من غلبة الشّباب على
الحراك ، حتى الآن وجلّهم من جيل ما بعد أوسلو ، إلا أنّه كان لافتاً أيضاً مشاركة
أسَرٍ بأكْمَلِها وخُصوصا في القدس والخليل .
وكان مُلفتا ، كذلك المُشاركة
الجسورة للنِّساء في مُقاومة عنف المُستوطنين وجيش الاحتلال . ورغم أن مشاركة
النِّساء في النِّضال الوطنيّ الفلسطينيّ ليست أمراً مُسْتَجِدّاً ، وإنما تعود
إلى بِدايات الصِّراع مع المشروع الاستيطاني الاسرائيلي في مطلع القرن العشرين ،
كما كشف عن ذلك بوضوح العمل التوثيقيّ الأهم ، الذي قادته الباحثة الدكتورة فيحاء
عبد الهادي، وأرّخ للدّور الفاعل للنساء الفلسطينيّات في الحركة الوطنيّة
الفلسطينيّة منذ بداياتها .
إلا أنّ المُشاركة النِّسائيّة في
الحراك الشّعبيّ الفلسطينيّ الرّاهن تتميّز عن سابِقاتها التي طغى عليها الطابع
النّخْبويّ ، بالانخراط الكثيف لِرَبّات البيوت ، وبالاشتراك الفاعل لأجيال ثلاثة
من النِّساء الفلسطينيّات من مناطق تتّسم عادة بالمحافظة ، وتسابقهن للتّصدَي
لاعتداءات المُستوطنين وجيش الاحتلال ولتخليص الفتية وحماية الإخوة والأبناء
والأحفاد من خطر الاعتقال .
والأكْثَر لفتاً للأنظار شُموليّة
الحراك لكافّة أنحاء الوطن الفلسطينيّ المُحتلّ ، وإسهامه ، بذلك في استعادة
الوحدة الدّيموغرافيّة للشّعب الفلسطيني التي سبق تجزئتها وتفتيت مُكَوِّناتها
وفقا للجغرافيا السِّياسِيّة إلى " عرب الداخل " و "سكّان الضّفّة
الغربيّة لنهر الأردن" ، ثمّ اقتطاع "سكّان القُدْس الشّرقية بحُدودها
المُوَسّعة و"سكّان قطاع غزّة " ناهيك عن فلسطينيّي الشّتات .
إذ أسهمت الحرب المُتواصلة ، التي
يُحاول الاحْتِلال تسريع وتائرها في زمن التّشظي الفلسطيني و"الفوضى الخلاقة
" في المحيط العربي ، من أجل اسْتِكمال المشروع الاسرائيلي، وأدَّت إلى إيقاظ
الوعي الجَمْعي الفلسطيني، ولعبت دوراً مهمّاً في تبصير مختلف تَجمّعات الشّعب
الفلسطيني ، وخصوصا داخل الوطن المُحتلّ ، بحقيقة الأخطار المتربّصة بهم سواء منهم
مُواطني دولة "إسرائيل" الفلسطينيّين ، الذين باتوا يُواجهون تصعيداً
خطيراً في قوانين الفصل العُنصريّ لتكريس " يهوديّة الدولة " أم مواطني
قطاع غزّة ، الذين يُواجهون الحروب المتتالية التي يشنّها الجانب الاسرائيلي
تباعاً ضد سُكّان القطاع المُحاصر والمُكتظّ بسكانه الأصليّين ( 30% ) ،
وباللاجئين من الجزء الفلسطيني الذي سبق احتلاله عام 1948(70%)، بُغْيَة كَسْرِ
استِعْصائِهِم ، ولإخضاعِهم لمُخَطّط اسْتِئْصالهم جُغرافيّاً وديموغرافيّاً
بفصْلِهِم نهائيّاً عن بقيّة أجزاء وطنهِم الفلسطيني وأبناء شعبهم ، والقبول
بكيانيّةِ سياسيّةٍ خاصّة بهم يُمكن تسميتها بدولة فلسطينيّة .
أم مواطني القدس الشرقيّة من
السّكّان الفلسطينييّن الأصليّين الذين تعتبرهم كافّة الحكومات الإسرائيليّة
قانونيّا " جالية أجنبيّة مُقيمة " في "عاصمة "إسرائيل" الأبديّة
" لها حقوق الإقامة المحْكومة بشُروط الإذعان لِمُخططات الأسرلة ، على
الرَّغم من أن القرارات الدّوليّة التي شرّعت لوجود دولة "إسرائيل" في
فلسطين لا تعترف بالسِّيادة الإسرائيليّة على القدس بشطريها الشّرقي والغربي. أم
مُواطني الضّفّة الغربيّة الذين حَصَرتْهم اتِّفاقات أوسلو المفتوحة النِّهايات
والمُتَدرِّجة التَّنفيذ في أقل من 30% من مساحتها ( مناطق أ و ب ) ومكَّنت، بذلك
، حُكومات "إسرائيل" المتعاقبة من توظيفها لِمُحاصرتهِم جُغرافيّاً
وديموغرافيّاً في معازل تَفصل بينها مُسْتوطنات استيطانيّة متنامية مسلّحة ،
مهمتها التّوسّع المُضطّرِد على حِسابهم ومُواصلة الاعْتِداء عليهم والاستيلاءِ
على مواردهم وتهديد أمنهم وتقييد حركتهم لتصعيب فُرَص بقائِهم وإجبارهم على
الرّحيل.
وأيضاً لتقويض أيّ فرص قدْ تُتاح ،
لإنفاذ قرارات الشّرعيّة الدّوليّة لتسوية الصِّراع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ على
أساس حلّ الدولتين ، بإقامة الدَّولة الفلسطينيّة المستقلّة على الأراضي
الفلسطينيّة التي تمّ احتلالها في حزيران عام 1967 .
واللافت أنّه على الرّغْم من تعاظم
الوعي الشّعبي الفلسطيني بالمخاطر الوجوديّة المُحْدِقَة ، والذي شكَّل الدّافع
الأساس للحَراك الفلسطينيّ المُسْتَجِدّ إلا أنّ هذا الوَعْيَ لم يمْتدّ ، بعد إلى
النُّخب السِّياسِيَّة الفلسطينيَّة على اختلاف مواقِعِها فما يزال مُعظمها غير
قادر على الارتقاء إلى مستوى اللحظة التّاريخيّة ، الكفيل التقاطها بإخراج الشّعب
الفلسطيني مِن الوَضع المأزوم ، وتمكينه من استِعادة زمام المُبادرة لِتَصويب
مساره التّحرّريّ .
فعلى الرَّغم من دُخول الحراك أسبوعه
السّابع ، وبالرَّغم من ضخامة التَّضحيات الفلسطينيّة (82 شهيداً ، وأكثر من ألفي
جريح ، وأضعافهم من الأسرى) لم تبلغ النّخب الفلسطينيّة ، بعد ، النُّضج الكافي
لإنهاء الانقسام في النّظام السّياسي الفلسطيني ولوقف التّنافس الفصائلي ، وما
تزال غالبيّتها مأخوذة بمفاجأة الحراك، وعاجزة عن بلورة رؤى سياسيّة وخطط عمليّة
لحمايته ودعمه .
وما يزال معظمها يخْتَزِل أسباب
الحَراك بالهجمة المحمومة على المسجد الأقصى والحرم الإبراهيميّ ويتناسون أنّ موجة
مماثلة قد سَبَقَتْها قبل وقتٍ قصيرٍ ضدّ الكنائس والمُقَدّسات المسيحيّة ، وأنّ
الاسْتِهداف الاسرائيلي لم يستثنِ الطّوائف اليَهوديّة المُعادِيَة للصَّهيونيّة
كحركة ناطوري كارتا ، بل وبات في الآونة الأخيرة يطال حتّى التيّارات الصّهيونيّة
التي تُطالب بترجيح أولويّة النَّقاء اليهودي لإسرائيل على تَمَدُّدِها الجغرافي .
وتُغفل النّخب أنّ ما يجري هذه
الأيّام ضدّ الشّعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنّقب والقدس والخليل وسائر مدن
الضّفّة إنّما يُمَثِّل استمراراً لذات النَّهج الاستيطاني الإحلالي الذي بدأ في
فلسطين منذ مطلع القرن الماضي واستهدف تصفية حضارة فلسطين وتزوير تاريخها بتغيير
شاملٍ للجُغرافيا والدّيموغرافيا إذ ما يزال أصحاب المشروع الاسرائيلي يعتقدون
بأنه لا بقاء ولا استقرار ولا مستقبل له في فلسطين ، ما لم ينجحوا في نفي وتّغييب
ِنَقيضِه الفلسطيني كُلِّيّاً داخلها.
وإذا كان التّاريخ اليوم يُكَرِّر
نفسه في فلسطين ، بِتَستّر المشروع الاستيطاني الغربي هذه المرّة بالدّين اليهودي
، كما سبق للغزاة الأوروبيّين قبل نحو عشرة قرون التّستّر بالدين المسيحي لإقامة
مشروعهم الاستيطاني الإفرنجي " الصليبي" فإنَّ على النُّخب الفلسطينيّة
أن تكون على الأقلّ ، بمستوى النّضج والوعي الذي بلغه أسلافها الأوائل قبل عشرة
قرون وتمكّنوا بفضله ، آنذاك ، من هزيمة الغزاة المستعمرين الإفرنج وعليها عدم
الوقوع في فخِّ " تَدْيين الصِّراع " على غرار " تسييس الدّين
" بغية خلط الأوراق وإخفاء جوهر الصِراع بين أصحاب البلاد الأصليّين من كافّة
الأديان والمعتقدات ، وبين المُستعمرين الأجانب .
لأنهم إن فعلوا وتم استِدْراجهم ،
فإنهم ، بذلك ، إنما يسدون الخدمة الأكبر للمشروع الاستعماري الغربي الجاري تنفيذه
، والهادف عبر استدعاء وتأجيج الصِّراعات الإثنيّة والعرقيّة والدينيّة لاستحداث
تقسيمات جديدة لدول وشعوب المنطقة وفق أسس طائفيّة ومذهبيّة ، بُغْيَة تكريس
يهوديّة "إسرائيل" وتشريعها رسميّاً ، للحفاظ على جوهرها الاستيطاني
الأجنبي ، ولتعزيز دورها الوظيفيّ كقاعدة استيطانيّة غربيّة متقدّمة .
ويَتوجّب على النُّخب الفلسطينيّة ،
كذلك ، الكفّ عن اختزال أسباب الحراك الرّاهن في الظروف المعيشيّة القاسية ،
وارتفاع البطالة ، وانتشار الفقر إلخ ... وعليها ، أيضا، الكفّ عن وسمه كَرَدِّ
فعل على الإحْباط واليَأس لأن الحراك الرّاهن توافق إراديّ جسور لأفراد سئموا
انتظار تحقّق الوعود ومبادرات شبابيّة للتَّغيير بعد عجز النخب التّقليديّة
الرّسميّة والأهليّة، ودعوة لتصويب المسار التّحرّريّ بعد عقودٍ من التّيه
والهرولة وراء فُرص وهميّةٍ لسلام يتزايد ابتعاده ورسالة تنبيه للجميع بأنّ
التَّغْيير بات استحقاقاً مُلِحّاً لا يَحتمل مزيداً من التسويف أو المماطلة . مثل
هذا الفعل الإراديّ الواعي الشّجاع لجيل فتيٍّ أبيٍّ إنّما يبادر إليه صُنّاع
التاريخ ، الذين يؤمنون بأن الواقع ليس قدراً محتوما ، وبأن تغييره رهن بقرار
ذاتيّ ، وحلمٍ إنسانيّ مشروع بحياة حُرَّةٍ كريمة ، وباستعداد للتّضحية بالنّفس في
سبيل بلوغها.
ومثل هذا الجيل لا يمكن إرضاؤه
بحلولٍ مجحفة خطوطه الحمر بالغة الوضوح لا يقبل اختزال حقوقه الإنسانيّة الأساسيّة
في العيش الحرّ الكريم كسيِّدٍ على أرض وطنه .
والحراك الرّاهن ، كما سائر الحراكات
والانتفاضات والهبّات الفلسطينيّة، يندرج في السِّياق العام للنِّضال التَّحرّري
الفلسطيني المتواصل للقرن الثاني على التّوالي ضد الاحتلال.
وحيْث التَّفسير الوحيد لِكُلِّ الانتفاضات
والثّورات والهَبّات والحَراكات الفلسطينيّة - منذ هبة العام 1920 ، وثورة يافا
عام 1921 ، وهبّة البراق عام 1929 ، وثورة القسّام 1930- 1935 ، والإضراب الأطول
في التاريخ عام 1936 ، والثّورة 1937-1939، والمقاومة في أربعينيّات القرن الماضي
وإرهاصات العمل الفدائيّ في الخمسينيّات ، وتجدد الانطلاقة الثّوريّة عام 1965 ،
ومعركة الكرامة عام 1968 ، وهبّة يوم الأرض عام 1976 ، والمواجهات في جنوب لبنان
في النصف الثاّني من عقد السبعينيّات ، والصّمود الأسطوريّ في حرب لبنان عام 1982
، وانتفاضة الحجارة 1987 – 1993 ، وانتفاضة النفق عام 1996 ، وانتفاضة الأقصى 2000
-2005 ، والصّمود الأسطوريّ لسكّان قطاع غزة في مواجهة الحروب في الأعوام 2006 ،
2008-2009 ، 2012 و2014 ، وحتى الحراك الرّاهن الذي بدأت موجاته تتوالى منذ العام
2011 وصولا إلى الموجة الأخيرة المتواصلة منذ مطلع تشرين الأول 2015 .فجميعها
يَنْدَرِج في إطار مواجهة الهجمة الإحلاليّة المُتواصلة للقرن الثاني على التوالي
في فلسطين ، والتي تُشكِّل بسُلوكيّاتِها المتواصلة المصدر الأساس لِتَكْوين وعْي
الأجيال الفلسطينيّة المُتعاقبة بالمخاطر الوجوديّة المُتربِّصة بهم فتحفز ، بذلك،
غريزة البقاء لديهم ، كما هو حال سائر البشر ، ويؤسِّس استمرارها وتَصاعُد
وتائِرِها الحافز لانطلاقاتٍ جديدة أكثر نُضْجاً وإبداعاً ، وأكثر وعياً
بمُسْتلزمات المواجهة ، وأكثر خبرة بمتطلّبات تحقيق الانتصار .
واليوم ، يؤكِّد جيل ما بعد أوسلو
مُجدّداً فشل رهان روّاد المشروع الاسرائيلي ومؤسّسيه على سطوة القوّة ، ويشكِّك
بمقدرتها وعجزها عن ردع الأجيال الفلسطينيّة الفتِيّة وكيِّ وعيها كما يأمل القادة
الاسرائيليون ويسعون لتحقيقه، عبر حملات الاستهداف الميدانيّ لأبناء وبنات الشعب
الفلسطيني في الشّوارع والمساكن والمستشفيات ، والتي باتت ، بفضل الثورة
التكنولوجيّة التي أتقن هذا الجيل توظيفها ، تُنقل بالبث الحي على الفضائيّات
وقنوات التّواصل الاجتماعي ، وتُشهِد شعوب العالم بالصّوت والصورة على عنف
المستوطنين وجيش الاحتلال الإسرائيلي واستهدافهم للأطفال والنساء والشيوخ ودور
العبادة والمدارس والمستشفيات .
فقد تشكّل وعي هذا الجيل في زمن
التَّسوية السّياسيّة ، وخبر أثناءها ويلات الحروب التدميريّة وتسارع الاستيطان
وواجه وعاش الحصار والاعتقال ، واختبر حُدود القوّة ، واكتشف بنفسه محدوديّتها
وأدرك مفهوم الولايات المُتَّحِدة الأمريكيّة وإسرائيل الحقيقي للسّلام عبر
التّسويات السّياسيّة التي تستعجلها موازين قوى مختلّة .
وشهِد هذا الجيل الارتداد عن عمليّة
التّسوية السِّياسيّة الذي قاده نتانياهو للعودة بالمشروع الاسرائيلي إلى أصوله
الأولى وعايش تفاصيل الانقلاب على اتفاقات أوسلو 1996 - 1999 وفاجأه التّجاهل
والتّساهل العربي والدولي.
وهاله الصَّلف الأمريكي – الاسرائيلي
في مُفاوضات كامب ديفيد عام 2000 وما تلاها في طابا عام 2001 . وفتح عينيه على حجم
التّرابط العضويّ بين المشروع الغربي العام للسّيْطرة على عموم المنطقة ، وبين
المشروع الاستيطاني الاسرائيلي الخاص في فلسطين . وأدرك أن هذا التّرابط هو الذي
خوّل رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق أرييل شارون بالرَّدِّ الفوري على مُبادرة
السّلام العربيّة التي أطلقها مؤتمر القمة العربيّة في بيروت عام 2002 ، فسارع ،
في اليوم التالي مباشرة لإعلانها ، بإعادة اجتياح مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني
والإجهاز كُلّيّا على
اتفاقات أوسلو .
وتابع هذا الجيل بمرارة التواطؤ
الدّوليّ على زعيمه التّاريخي ياسر عرفات الذي مدّ يده للسّلام وأبدى استعدادا
إستثنائيّا لدفع الثَّمن الأعظم لتحقيقه. وعايش سنوات حصار رئيسه وقائد كفاحه عرفات
، وتابع المحاولات الأمريكيّة والإسرائيليّة لعزله وإقصائه ، وآلمه الصّمت الدّولي
ما سمح باغتياله عندما اسْتَعْصى على الاستسلام .
واختبر ازدواجيّة المعايير الدّوليّة
، واكتشف خواء الدّيموقراطيّة الغربيّة بمقاطعة حكومة الوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة
المُنتخبة تحت رقابة دّوليّة أقرّت بنزاهتها ، وتابع إجراءات مُحاصرتها فور
تشكّلها لإسقاطِها بدعوى عدم التزام حركة حماس باتفاقات أوسلو ، رغم أنّ "إسرائيل"
قد ألغت تلك الاتفاقات عمليّاً عند إعادة اجتياح مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني في
ربيع عام 2002 .
كما تابع الرّعاية الأمريكيّة –
الإسرائيليّة لتوظيف الانفصال الجغرافي بين الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة في تكريس
انقسام النِّظام السّياسي الفلسطيني ومأسسته .
فتعزّز بذلك وَعْي جيل ما بعد أوسلو
بتعذّر إمكانيّة مُهادنة "إسرائيل" للوصول إلى حُلولٍ وُسطى معها
وتعمّقت لدى هذا الجيل القناعة بأنَّ أيّة تسويات تستند إلى مبدأ القُوَّة
المُنْفصل عن الحُقوق ، إنما يُؤسِّس لشرعنة قانون الغاب ، ويفتح شهيّة المُحْتلّ
ويُؤَجِّج الصِّراع ولا يَحلُّه .
فهذه الحرب لا تخضع لموازين القُوى
الماديَّة ، وإنما تحتَكِمُ إلى موازين الحُقوق الثّابتة للشّعوب في أوْطانها ،
والتي أثبتت وقائع التّاريخ البشريّ تفوُّقَها في حَسْم النَّتائج ، رغم طول
المُعاناة وارتفاع الكُلْفة .