حرب الأيام الثمانية وانتصار فلسطين
أسامة جادو
نستطيع القول إن الأيام الثمانية التى شهدت عدواناً شرساً من الكيان الصهيونى المحتل على قطاع غزة الصامدة هى أيام فارقة فى تاريخ أمتنا العربية والإسلامية، كما أنها أيام فاصلة فى مسيرة الشعب الفلسطينى نحو التحرر ودحر الإحتلال الصهيونى وإعلان تحرير دولة فلسطين.
هى إذاً حرب الأيام الثمانية، بدأت بعدوان الصهاينة على الأبرياء من أهل غزة وانفجرت باغتيال الشهيد أحمد الجعبرى و دامت الحرب لتشهد عنفوان الاعتداء الصهيونى وتدمير المساجد والمنازل على روؤس المدنيين العزل وقتل أسر بأكملها، وتدمير مبنى مجلس الوزراء الفلسطينى فى اليوم التالى لزيارة رئيس الوزراء المصرى لغزة، وفى المقابل برزت المقاومة الفلسطينية موحدة قوية صامدة تذيق العدو الصهيونى ألوان الرعب والفزع، وتقلب الموازين وتعيد وضع قواعد جديدة تحكم المشهد الفلسطينى برمته.
لم يكن وصول صواريخ المقاومة الى خارج دائرة الثمانين كيلومترا هى المفاجأة الوحيدة التى هزت المنطقة - ما يعنى أن كافة المدن داخل الكيان الصهيونى الغاصب قد باتت فى مرمى المقاومة وتحت رحمتها فى القادم من الايام والهوال - بل صاحب ذلك عدة مفاجآت جعلتنى أطلق على هذه الحرب وصف حرب المفاجأت - ولأننا وثقنا من قبل فى قدرة المقاومة ورجالها الأبطال على الصمود والتصدى لعدوان اسرائيل وجيش الاحتلال، ولأننا وثقنــا كذلك فى قدرة أهل غــزة الأشاوس على الصبر وتحدى العدو الغاشم و تشكيلهم درعا لحماية المقاومة ورجالها وسلاحها ومقدراتها، لم نستغرب الظهور القوى الرائع للشعب الفلسطينى فى غزة والضفة والتحامهم بفصائل المقاومة ومواجهة العدوان وسداد أقساط الحرية واستحقاقات الكرامة والعزة، أقول لقد تعودنا من أهل غزة ومقاومتها أنهم صامدون حتى النصر، وتحرير كل فلسطين من النهر حتى البحر، لكن الجديد فى هذه الحرب ما حملته من مفاجأت أخرى هى الأبرز فى مسيرة القضية الفلسطينية منذ تفجرها فى أوائل القرن الماضى.
المفاجأة الأبرز كانت من القاهرة، عاصمة مصر الثورة، حيث كانت القرارات الأربعة للرئيس الدكتور محمد مرسى بُعيد الإعتداء يوم الأربعاء الماضى واغتيال الشهيد الجعبرى،إذ أعلنت مصر عن سحب سفيرها من الكيان الصهيونى، واستدعاء السفير الصهيوني وابلاغه رسالة شديدة اللهجة تعرب فيها مصر عن رفضها لأي اعتداء على غزة وضرورة الوقف الفورى لكل أشكال العدوان، وطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لوقف العدوان على غزة، وطلب عقد جلسة عاجلة لوزراء الخارجية الدول العربية لبحث تطورات العدوان على غزة والعمل على وقفه، ثم كانت الخطوة الأكثر جرأة و تأثيرا فى مجريات الحرب والتى تمثلت فى تكليف الرئيس المصري لرئيس وزرائه بالتوجه فورا الى غزة وتفقد اثار العدوان وتطمين الشعب الفلسطينى ان مصر لن تتخلى عنهم ابدا وأنها تبذل قصارى الجهد لوقف العدوان وإزالة آثار التدمير الذي خلفه.
في تقديري _ وتقدير الكثيرين _ أن الموقف المصرى قلب المعادلة وعجل بالحاق الهزيمة بالكيان الصهيونى الغاصب، البعض رأى أن العدوان كان يستكشف رد فعل النظام المصرى الجديد تجاة القضية الفلسطينية، واختبارا لمواقفها لا سيما اذا كانت سطور الاختبار بحروف الدم والاغتيال للقادة البارزين فى حماس و تدمير واسع النطاق ينال المساجد والمنازل والمؤسسات.
وبعض المحللين عاب على الموقف المصرى السريع ان الرئيس مرسي اتخذ عدة اجراءات وقرارات عاجلة دفعة واحدة، كأنها حرق لمراحل ضغط كان يمكن الاستفادة منها على مدى أيام الحرب إن طالت، لكن الجميع اليوم يدرك كم كانت مصر ورئيسها موفقين في القرار وسرعته وحجمه وقوته، وهو الأمر الذي أفزع الكثيرين داخل الإدارة السياسية والعسكرية الصهيونية كما أفاد بذلك السفير المصرى لدى الكيان الصهيونى حيث كشف عن حجم الفزع الذى تملك الاسرائيليين لحظة علمهم بالموقف المصرى وخطورته عليهم وتكلموا معه معربين عن مخاوفهم واندهاشهم،وهذا ما عجل بانهاء الحرب في ثمانية أيام، فقد بات واضحا أن اسرائيل وامريكا لا يرغبان أبدا فى إغضاب مصر واستفزازها، لا سيما وأن كل الرسائل التى خرجت من القاهرة الشعبية والرسمية، كانت في اتجاة واحد واضح أن مصر تغيرت، وما كان متاحا لإسرائيل فعله من قبل لم يعد الآن متاحا لها أو مسموحاً به، هنا أدركت إسرائيل معنى يتمها وفقدها للكنوز الإستراتيجية، وهذا ما صرح به الرئيس الامريكي أوباما من قبل أن مصر لم تعد حليفا أو عدوا،والأن يتأكد للجميع أن القرار المصري وطني أصيل، ينبع من إرادة الشعب المصرى ويعبر عن هويته ويحافظ على كرامته وتاريخه وريادته.
ومثل الموقف العربى والإسلامى - سواء على المستوى الشعبية الذى بدا واضحا فى مسيرات الغضب ودعم الشعب الفلسطيني في غزة ومساندة المقاومة الفلسطينية وتسيير قوافل الإغاثة والدعم العاجلة الى غزة، وكذلك الموقف الرسمي القوي من البعض، الخجول من البعض الأخر،ولأول مرة تتشجع المواقف العربية الرسمية وتتخذ اجراءات تتسم بالجرأة والشجاعة ويقوم وفد الجامعة العربية، ومعهم وزير خارجية تركيا، بزيارة عاجلة الى غزة وهي تقصف - ليكون الموقف العربي والإسلامي رسالة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في مواجهة الكيان الصهيونى، وهذا من مفاجأت حرب الأيام الثمانية.
كنت أتابع المؤتمر الصحفى لقادة الكيان الصهيوني ( رئيس الوزراء نتنياهو - وزير الدفاع باراك - وزير الخارجية ليبرلمان ) وكان باديا عليهم جميعا آثار الحزن والغم كأنهم في مأتم عزيز عليهم، حديثهم وكلامهم ونبرات أصواتهم الخافتة تكشف لك عمق الجرح الذى تركته هذه الحرب الخاطفة فهم يُدركون جيدا تلك القاعدة المنطقية " أن القوي اذا خاض حرباً ضد ضعيف ولم ينتصر عليه ويسحقه فهو مهزوم، وأن الضعيف إذا واجه عدوه القوي ولم ينهزم أمامه فهو المنتصر " كانت قسمات وجوههم تزفُّ الى جماهير أمتنا وشعوب العالم الحر أن غزة قد انتصرت للمرة الثانية خلال أربعة أعوام.
وعلى النقيض - وبعد ساعة - كان مؤتمر قادة المقاومة الفلسطينية ( خالد مشعل ورمضان عبد الله ) وهما يكشفان عن تفاصيل وبنود اتفاق الهدنة الذي تم برعاية مصرية، وكان اللافت فى حديثهما ثقتهما وإيمانهما بعدالة قضية شعبهما الفلسطينى وقدرة فصائل المقاومة على الصد والرد على عدوان الصهاينة وهذا ما عبر عنه السيد خالد مشعل بقوله " وإن عدتم عدنا "، فعاليات المؤتمر رسمت صورة واضحة ان المقاومة وارادة الشعب الفلسطينى قد انتصرت وان اسرائيل قد قبلت الهدنة بشروط وطلبات المقاومة، وهذا ما يفسر لنا مظاهر الغم والحزن والشعور بالخيبة ومرارة الهزيمة التى غطت مؤتمر تل أبيب، فى الوقت الذي اكتست قاعة مؤتمر الفصائل الفلسطينية بمظاهر الفرحة والنصر.
ستدور الحوارات التحليلية والمناقشات المتخصصة وستشكل اللجان فى تل أبيب وغيرها من المدن المنشغلة بقضية حرب الأيام الثمانية للبحث والتحليل فى أسباب الإخفاق العام للكيان الصهيونى وشعور المقيمين فيه بالألم والفزع وهم يرون صواريخ المقاومة فجر5 وجراد تحمل اليهم رسالة هيا ارحلوا عن هذه الأرض، فهى ليست لكم، ولن تدوم تحت سيطرتكم.
أحمد الله تعالى أن أرانا هذا اليوم ومنحنا هذه العطايا، و نتطلع للمزيد وعسى أن يكون قريبا.