حرب طاحنة تجري خلف الكواليس حول
إعمار غزّة
بقلم: عدنان أبو عامر
يتطلّع الفلسطينيّون في غزّة إلى انعقاد مؤتمر إعادة الإعمار في مدينة
القاهرة، بدعوة من مصر والنرويج، وتحت رعاية الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس، يوم 12
تشرين الأوّل/أكتوبر المقبل، في حضور العديد من دول العالم، ورجال الأعمال
والمنظّمات المحلّية والعالميّة.
وعلم "المونيتور" من أوساط اقتصاديّة في غزّة والضفّة أنّ
"هناك استعدادات على قدم وساق لنيل الحصّة الأكبر من المشاريع الإعماريّة
المتوقّعة بعد المؤتمر، بالتواصل مع الجهّات الدوليّة ذات الاختصاص، لا سيّما
وكالة الغوث "الأونروا"، وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ UNDP،
والتنسيق مع حكومة التوافق المشرفة على كلّ مشاريع الإعمار".
تقاسم الكعكة
لقد ولّد مؤتمر المانحين منافسة بين رجال الأعمال والشركات للحصول على
عقود لإعادة إعمار قطاع غزة
وأبلغ وزير فلسطينيّ مرموق رفض الكشف عن هويّته "المونيتور"،
عن "تطوّرات متسارعة تجري في الخفاء، تحضيراً لمؤتمر إعادة إعمار غزّة،
تتعلّق في رغبة بعض المؤسّسات الاقتصاديّة بالحصول على نصيب الأسد من الأموال
المرصودة لذلك، بتسويق نفسها أمام الدول المانحة، العربيّة والغربيّة، وإبداء
قدرتها على تنفيذ مشاريع الإعمار بالمعايير الدوليّة". وأضاف: "يدور
الحديث تحديداً عن حرب بين المجلس الاقتصاديّ الفلسطينيّ للتنمية والإعمار
"بكدار" ويترأّسه عضو اللجنة المركزيّة لحركة فتح محمّد اشتيه، وبين
صندوق الاستثمار الفلسطينيّ برئاسة نائب رئيس حكومة التوافق ووزير الاقتصاد محمّد
مصطفى، وقد أعدّ الجانبان خططاً إعماريّة لغزّة".
حاول "المونيتور" التواصل مع اشتيه ومصطفى، لمعرفة الخلاف
بينهما، والخطط التي سيقدّمانها إلى مؤتمر الإعمار، لكنّهما لم يردّا على
الاتّصالات.
لكنّ اشتيه كان عقد مؤتمراً صحافيّاً في رام الله في 6 أيلول/سبتمبر، ذكر
فيه أنّ حجم الدمار في غزّة بلغ مليوني طنّ من الركام، وأنّ إعادة الإعمار ستستغرق
5 أعوام في حال رفع الحصار الإسرائيليّ عن غزّة.
فيما قال محمّد مصطفى في 11 أيلول/سبتمبر أنه تم إرسال الدعوات إلى 80
مؤسّسة عربيّة وإقليميّة، إضافة إلى الدول المانحة.
وقد أصدر "بكدار" منتصف أيلول/سبتمبر الحاليّ كتاباً
تفصيليّاً، تضمّن خطّة شاملة لإعادة إعمار غزّة، حصل "المونيتور" على
نسخة منه، وجاء في 200 صفحة من القطع الكبير، واشتمل على خرائط وجداول وإحصاءات،
وصلت خلاصتها أنّ التكلفة الإجماليّة لإعادة الإعمار تصل إلى 7.8 مليار دولار.
وحصل "المونيتور" مسئول رفيع في وزارة الأشغال العامّة في غزّة
على إحصاء شبه نهائيّ ورد فيه أنّ "إجماليّ موادّ البناء وإعادة إعمار غزّة
تبلغ 1.5 مليون طنّ إسمنت، 227 ألف طنّ حديد، و5 ملايين طنّ حصمة".
لكن نفى صندوق الاستثمار الفلسطيني أنهم سيقدمون برنامج إعادة الإعمار
الخاص بهم في مؤتمر القاهرة.
وعلم "المونيتور" من مصدر موثوق في الصندوق الفلسطينيّ
للاستثمار أنّ "التحضيرات جارية لطباعة الخطّة النهائيّة التي سيقدّمها إلى
مؤتمر القاهرة، لتسويق برامجه الإعماريّة الخاصّة بإعمار غزّة".
وهو ما دفع محمد أبو جياب رئيس تحرير جريدة "الاقتصادية" في
غزة للقول في حوار مع "المونيتور"، أن "الحاصل بين بكدار والصندوق
الفلسطيني ليس تنافساً بين شركتين في قطاع خاص، لأنهما يقدمان مشاريعهما وخططهما
مستندين لنفوذهما داخل الجهات التنفيذية الرسمية الفلسطينية". وأضاف:
"احتكار المؤسستين لإعادة إعمار غزة يحرم باقي شركات القطاع الخاص أن تقدم
مساهماتها بهذا المشروع الكبير، لأنهما يعتبرانه فرصة استثمارية لتحقيق مزيد من
الأرباح والمكاسب بعيدا عن المعايير المعتمدة عالمياً".
وألمح في حواره مع "المونيتور" بمكتبه في غزة إلى "ترتيب
بعض الشركات أوراقها وعقودها واتفاقياتها بالسر والخفاء بهدف "مص الدماء
الغزاوية"، ونهب أموال الشعب تحت ذرائع التسهيلات ودعم القطاع الخاص وإعادته
للحياة، وإعادة الإعمار".
غياب حماس
وهو ما تطرّق إليه خبراء اقتصاديّون اتّهموا كبار رؤوس الأموال
الفلسطينيّين بتقاسم كعكة إعمار غزّة بينهم.
وقد دفعت هذه المخاوف من الاستقطاب الحاصل بين كبريات المؤسّسات
الاقتصاديّة لإعادة إعمار غزّة، ممثّلي منظّمات أهليّة ومؤسّسات القطاع الخاصّ إلى
عقد ورشة عمل يوم 21 أيلول/سبتمبر في غزّة، حضرها "المونيتور".
واتّفق المجتمعون في الورشة على تشكيل هيئة وطنيّة لإعادة إعمار القطاع،
تعمل على التخطيط، والإشراف، والرقابة على الإعمار، في إطار من الشفافيّة، مطالبين
بتوحيد خطّة الإعمار، وتوضيح المرجعيّات، وإزالة المعوقات أمام تنفيذ الإعمار،
بإعادة إنشاء المصانع الإنشائيّة كافّة، وتوريد كلّ الآليّات والمعدّات اللازمة من
حيث الكمّ والنوع، وفتح شامل للمعابر لتلبية حاجات السوق من دون شروط.
الغائب الأكبر في الحرب الدائرة خلف الكواليس، للحصول على نصيب الأسد من
أموال إعمار غزّة، هي حماس التي لم تعلن موقفها ممّا يحصل. لكنّ مسؤولاً كبيراً
فيها قال لـ"المونيتور": "وصلتنا معلومات تتناول هذا الموضوع، ونحن
كحركة، لا نتدخّل في طبيعة الحراك الاقتصاديّ الذي من شأنه التعجيل في إعادة إعمار
غزّة، على الرغم من تحفّظنا على غياب آليّات الرقابة والشفافيّة، بسبب غياب المجلس
التشريعيّ عن الواقع السياسيّ الفلسطينيّ، وثقتنا أنّه بعد إعادة تفعيله، سيسنّ
القوانين التي تمنع أيّ تلاعب بالمال العامّ".
يأتي ذلك بالتزامن مع ما أعلنه مبعوث الأمم المتّحدة للشرق الأوسط روبرت
سيري منتصف الشهر الجاري، عن خطّة إدخال موادّ البناء إلى غزّة، واستقدام من 250
إلى 500 مفتّش دوليّ لضمان تنفيذ عمليّة إعادة الإعمار، وفرض رقابة عليها، كي لا
تصل موادّ البناء إلى حماس.
حذر المسؤول في حماس أيضا من الفساد في إعادة إعمار غزة. "حماس لا
تريد التدخّل المباشر في إعادة إعمار غزّة، حتّى لا تتّهم بعرقلة نتائج مؤتمر
الإعمار بأسره، على الرغم من علمنا أنّ هناك تسييساً موجّهاً لهذا المشروع
الإنسانيّ، وعلمنا أنّ مبالغ كبيرة رصدت لإعادة الإعمار، ولا يجوز أن تذهب إلى
جيوب بعض المتنفّذين القريبين من مواقع صنع القرار في السلطة الفلسطينيّة، بل أن
يتاح سوق المنافسة أمام الجميع في أجواء من الحريّة التنافسيّة، وتوحيد قنوات
الصرف والتمويل، بما لا يتنافى مع سرعة إعمار غزّة".
المصدر: المونيتور