القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

حرب غزة ترسم طريق كسر حصار القطاع

حرب غزة ترسم طريق كسر حصار القطاع

بقلم: حلمي موسى

يزداد الوضع تعقيدا في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتي تحولت من جولة قتال تتكرر بين وقت وآخر إلى ما يشبه «حربا عالمية» لتعدد الأطراف الضالعة فيها. ومن المنطقي الافتراض أن تعدد الأطراف وفر لإسرائيل فرصة كان يصعب تخيلها عندما يتعلق الأمر بحكومة إسرائيلية على هذا القدر من التطرف. غير أن معطيات الوضع الإقليمي والدولي جعلت رئيس الحكومة الإسرائيلية شريكا ومهمته الحربية مطلوبة بشكل يذكر الكثيرين بحرب تموز في لبنان عام 2006.

والواقع أن حرب غزة تختلف، رغم أوجه الشبه المتعددة مع حرب تموز، عن نظيرتها في كونها لم تكن مفاجئة. ورغم أن البعض يستطيع أن يتصور أسبابا وظروفا ويتهم "إسرائيل" بالتآمر والتخطيط لشن الحرب أو يتهم حماس والمقاومة باستفزاز "إسرائيل" لكن الأمر أشد تعقيدا من هذا التبسيط. فإسرائيل، رغم خروجها من غزة ظلت تمارس سياسة حصار شديد على القطاع أحال مجتمعا بكامله إلى شبه عاجز ومعدوم القدرة على إعالة نفسه. كما أن الحلول التي اقترحت، غير المقاومة، خصوصا اتفاقيات أوسلو، لم تجلب الخير لسكان القطاع وأغلبهم من اللاجئين من مناطق هي نفسها التي تصلها صواريخ المقاومة.

ويشهد كثيرون في القطاع على أن الحياة فيه قبل الحرب كانت كارثية بحيث ان الحرب وكل مظاهر التدمير لم تجعلها أشد سوءا. كان الوضع قبل الحرب سيئا ويدور في نطاق سيرورة «الموت البطيء» من دون أمل وجاءت الحرب لتسرع عجلة الموت ولكن أيضا لتخلق أملا بإمكان الخروج من الوضع القائم. ولن يخطئ من يقول ان دور المقاومة في غزة كان أقرب إلى «قرع جدران الخزان»، بحسب تعبير الراحل غسان كنفاني.

وبديهي أن هذا التفسير يقفز عن أسباب كثيرة أخرى لكنه في الجوهر يفسر الموقف الشعبي العام من المقاومة. ومثل كل الشعوب والمجتمعات يصعب في حالات الخوف والقلاقل العثور على إجماع إلا أن السمة الغالبة في هذه الحرب هي اقتراب الناس من موقف المقاومة. فلا حياة في ظل الحصار ولا مستقبل من دون فك الحصار حتى لو وصل الأمر بإسرائيل إلى «إعادة احتلال القطاع»، كما عبر قيادي بارز في حماس. وتشهد هذه العبارة على أن كل الخيارات محتملة إلا خيار بقاء الوضع على حاله.

والحقيقة أن بقاء الوضع على حاله يعني جوهريا ومن دون مبالغة استمرار تجاهل العالم لحصار غزة أو على الأقل عدم فعل ما يلزم لإزالة هذا الحصار. ومن الجائز أن أشد من استشعر هذا الجانب هم الإسرائيليون أنفسهم الذين هالهم أن تفلح المقاومة في القطاع، ورغم الحصار والسيطرة الأمنية الهائلة في بناء قوة لا يستهان بها. صحيح أن كل قوة يمكن أن تبنى في غزة لا يمكنها أن تضاهي القوة الإسرائيلية في العدة والعدد إلا انها مثلت تطورا نوعيا أشعر الإسرائيليين بمخاطر جمة ودفعهم إلى محاولة البحث الجدي عن حلول. تكفي هنا الإشارة إلى حقيقة أن 28 % من الإسرائيليين تغيبوا عن أماكن عملهم في فترة الحرب حتى الآن.

وهنا ينبغي الإشارة إلى بعض الملاحظات الهامة التي تغير وجهة بعض النقاشات عندنا: تقريبا إسرائيل، خصوصا الجهات الأشد تطرفا هي من يحاول من الآن تقديم عروض للحل. وليس المقصود أبدا قرار وقف إطلاق النار وإنما ما بعده. فـ«الصواريخ العبثية» و«الأنفاق الهجومية» التي خلقت اضطرابا واسعا في الحياة العامة للإسرائيليين ونقلت معاناة غزة إلى كل بيت في إسرائيل، صارت خطرا استراتيجيا يستحق محاولة كبحه. وليس صدفة أن يدور الحديث عن تجريد قطاع غزة من «السلاح الصاروخي» و«الأنفاق» مقابل مشاريع تطوير تذكرنا بـ«مشروع مارشال».

فوزير الدفاع الأسبق، شاؤول موفاز، قدم خطة متكاملة لتجريد غزة من الصواريخ مقابل إعادة إعمار وتطوير القطاع بمبلغ يصل إلى 50 مليار دولار على مدى خمس سنوات. ومن يعرف معنى الأرقام يدرك أن قيمة الصواريخ العبثية لم تكن رخيصة على الأقل في نظر الإسرائيليين. والأدهى أن وزير المواصلات، "إسرائيل" كاتس، وهو بين الأشد تطرفا في حكومة نتنياهو، يقر بأنه يستحيل العيش في غزة من دون منفذ على العالم لذلك يعرض إنشاء جزيرة كبيرة في البحر قبالة غزة تحوي ميناء ومطارا دوليين ومنطقة صناعية. فلا حلول لغزة إذا لم تستند إلى رؤية تعيد فتح الباب أمام استقرار الأوضاع وتطوير الحياة فيها من دون قيود لتعيد توفير الأمل لسكانها. وبديهي أن هذا كله لا يحل المشكلة الجوهرية والمتمثلة في السلام أو الحرب مع "إسرائيل" عموما حيث تغدو غزة بعدها جزءا من المشكلة الكبيرة وليست حالة فريدة.

عموما، الإسرائيلي لمصلحته، يحاول التفكير في حلول، ولكن عندنا لا يزال يتحكم في السياسة منطق بعيد عن المصلحة العامة، فلسطينيا وعربيا. وفي كل الأحوال، وكإحساس لا أريد أن اعتبره مطلقا لكنه واسع الشيوع في غزة، المقاومة فتحت الباب أمام إعادة النظر في واقع غزة ودفعت العدو إلى البحث في سبل الخروج من هذا الواقع الذي يتكرر في نوبات متسارعة.

واضح أن الحديث عن العدو مثير، لكن الحديث عن الصديق أقل إثارة.

المصدر: السفير