حرب غزة في الصحف الإسرائيلية: لا
انتصار ولا هزيمة
حلمي موسى
ثمة إجماع في "إسرائيل" حول
أن الحرب في غزة انتهت لكنها بدأت «بين اليهود» في تل أبيب. فقد بات واضحاً أنه
تعذر على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إقرار اتفاق وقف النار في
حكومته فتجنب التصويت عليه في الكابينت وفي الحكومة. ولكن ليس أقل أهمية من ذلك هو
عجز نتنياهو عن تسويق وقف النار على أنه انتصار لإسرائيل في حربها ضد المقاومة
عموماً وحماس على وجه الخصوص.
وتشهد المقالات التي تنشر في الصحف
الإسرائيلية على أن قلة قليلة جداً في "إسرائيل" ترى في الاتفاق
إنجازاً. بعض الوزراء من الميالين إلى عدم المكابرة يأملون أن تتضح في وقت قريب
معالم نتائج الحرب وهل أنها حققت أي ردع للمقاومة في غزة. معلقون كثر تحدثوا عن
تعادل. آخرون قالوا إن الطرفين «انتزعا» التعادل بصعوبة. وكان قد ترسخ اعتقاد بأنه
في الحروب غير المتماثلة (أي بين دولة وتنظيم أو بين جيش ومنظمات مسلحة) إذا لم
تنتصر الدولة أو الجيش فهي مهزومة، وإذا لم يهزم التنظيم أو المنظمة فهو منتصر.
وتبرر هذه المعادلة الفرحة في غزة
والغضب في إسرائيل. إذ كيف يتعادل فريقان أحدهما من الدرجة الممتازة والآخر من
الدرجة الثانية، ولا يهم هنا عدد الأهداف التي سجلها كل طرف. صحيح أن الخسائر لدى
الفلسطينيين في الأرواح والأملاك أكبر بكثير جراء امتلاك "إسرائيل" قوة
نارية هائلة لا تقارن بما تملكه فصائل المقاومة في غزة، ولكن خسائر "إسرائيل"
المعنوية والاقتصادية والسياسية أكبر بكثير.
تحت عنوان «نتنياهو انتهز الفرصة
وهرب» كشف المراسل السياسي لـ«هآرتس» باراك رابيد كيف قرر نتنياهو وقف النار من
دون تصويت داخل الحكومة.
وأشار إلى أن «سلوك نتنياهو طوال
أيام الحرب الخمسين أظهر كم هي كبيرة الهوة بين التصريحات والوعود التي أطلقها
وبين الواقع. فرئيس الحكومة الذي تحدث بأقوى لغة ضد حماس، أنهى المواجهة معها
بأضعف شكل. كل ما أراده هو تحقيق وقف للنار تقريباً بأي ثمن. وعندما لاحت الفرصة
لفعل ذلك ببساطة أخذ الاتفاق وهرب».
ولفت رابيد إلى أن «الخطة المصرية
التي قبلتها "إسرائيل" لم تمنحها أية إنجازات. الأمر الوحيد الذي تباهى
به المتحدثون بلسان رئيس الحكومة هو أنهم منعوا حماس من تحقيق إنجاز برفض مطلب
الميناء والمطار ودفع الرواتب. مع ذلك كل هذه المواضيع ستعرض في المفاوضات مع حماس
التي ستستأنف الأسبوع المقبل في القاهرة».
وكتب المراسل العسكري لـ«هآرتس»،
عاموس هارئيل أنه «أمس الأول، مع نشر البيان حول وقف القتال، سمعت في "إسرائيل"
الأصوات المتوقعة من اليمين واليسار. في مقابل كل إسرائيلي يسأل نفسه إن كنا قد
بالغنا في الدمار الذي أوقعناه في غزة، هناك اثنان أو ثلاثة مقتنعون بأنه كان على
الجيش الإسرائيلي أن يعمل بشدة أكبر وتلقين حماس درساً لن تنساه. فشعور الخيبة
مفهوم بحدود معينة، في ضوء الهوة بين القدرات الاقتصادية والعسكرية للطرفين. ومع
ذلك يبدو أن الحرب لم تنته بانتصار أو هزيمة، وإنما بتعادل عصيب».
وفي نظر هارئيل كانت "إسرائيل"
«تفضل إنهاء القتال قبل ثلاثة أسابيع، بعد إتمام معالجة الأنفاق الهجومية. منذ ذلك
الحين تآكل الإحساس بالإنجاز العسكري وتعاظم الغضب المبرر، خصوصاً من جانب سكان
غلاف غزة، على القيادة السياسية والأمنية. ولكن في الأسبوع الأخير تحقق اختراق في
مساعي اغتيال قادة الذراع العسكري لحماس. هذه الاغتيالات، إلى جانب الكارثة
الإنسانية واسعة النطاق في القطاع، حثت على ما يبدو حماس على قبول وقف النار. أما
الجهاد الإسلامي الذي كان تضرر أكثر فكان مستعداً لتسوية مشابهة قبل بضعة أسابيع».
واعتبر هارئيل أن «الهدوء على المدى
البعيد يتعلق بمقدار الضرر الذي أصاب إرادة حماس في خوض مواجهة عسكرية أخرى مع
الجيش الإسرائيلي، وبطبيعة المنفذ الذي ستسمح به "إسرائيل" ومصر لفك
الحصار الذي خنق القطاع. فالوضع في غزة عشية الحرب كان لا يطاق من ناحية
الفلسطينيين. لذلك انهارت التهدئة. وعلى الصعيد السياسي ينبغي لإسرائيل قريباً أن
تقرر ما الذي تريده. لقد عرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس هذا الأسبوع خطة سياسية
طموحة. يمكن الهزء بها، ولكن هل لدى القيادة السياسية الإسرائيلية شيء عدا الحديث
عن المنعة القومية والصمود؟».
لكن المعلق الأمني في «هآرتس» أمير
أورن كتب أن على "إسرائيل" الاستعداد منذ الآن للمواجهة المقبلة مع حماس
في القطاع. وفي نظره فإنه «في حرب الخمسين يوماً ابتلع الطرفان ضفادع، لكن الضفدع
الإسرائيلي أكبر، ويتقلب في البطن. وبنيامين نتنياهو سيبذل من الآن جهدا هائلا
لعرض النتيجة كنجاح. إذا صدق نفسه، سيكون تقريباً الوحيد في عصره. فالهدوء لا يرد
عليه بهدوء، إلا كذباً. وما جلبه نتنياهو ورفاقه على إسرائيل، في مواجهة بين أقوى
جيوش المنطقة مع تنظيم يحوي حوالي 15 ألف مقاتل وأقل من نصف هذا العدد من
الصواريخ، ليس مجرد كبوة، إنها هزيمة. قال يوليوس قيصر: جئت، رأيت، انتصرت. لكن
نتنياهو ويعلون يقولان: جاءوا، رأوا، هزموا، وأطلقوا علينا قذائف الهاون».
بدوره، يبدأ معلق الشؤون الحزبية،
يوسي فيرتر في «هآرتس» مقالته بالحديث عن أن الأجوبة على الأسئلة المهمة
والإستراتيجية لن نراها إلا في المستقبل البعيد: «هل حققت "إسرائيل" الردع
وأفلحت في كي الوعي؟ هل هزمت منظمات الإرهاب؟ هل طحن غزة، والقتل الجماعي
للمدنيين، ومئات آلاف النازحين واغتيال قادة حماس، سيدفع ورثتهم في سلم القيادة
إلى التفكير مرتين أو ثلاث قبل الجولة المقبلة، مثل حزب الله في العام 2006؟».
ويرى فيرتر أن «صورة الوضع التي تملي
الخطاب العام بائسة، مؤلمة وفيها ضياع فرصة: إذ انتهت خمسون يوم قتال لم تبادر
فيها "إسرائيل" ولم تقدها، ولم تفرضها (عدا الاغتيالات). في الغالب كانت
طرفاً مجروراً وترد على أنغام ربابة حماس. كانت نقطة الخروج المثالية بالنسبة إلى "إسرائيل"
هي عند انتهاء مرحلة تدمير الأنفاق. لكن الطرف الثاني لم يتعاون، واكتشفت "إسرائيل"
أنها لا تملك إستراتيجية خروج وهي لا تملك إستراتيجية استمرار. ففر سكان الجنوب من
بيوتهم، وغدا مطار اللد تحت تهديد دائم، وتل أبيب، التي تمثل رمز المنعة والقوة
الإسرائيلية، تعرضت للصواريخ مرة تلو الأخرى، والإجازة الصيفية دمرت، والسياحة
سقطت أرضاً، والاقتصاد يلعق جراحه و71 قتيلاً بينهم عشرات الجنود الشبان وطفل. أما
حماس فبقيت واقفة على قدميها ونظمت احتفالات نصر، فيما تستعد للتفاوض على
مطالبها».
ويمضي فيرتر ليقول إن «هذا ما يراه
ويشعر به معظم الجمهور في إسرائيل. فالصدمة والمعاناة والأضرار في القطاع لا
تعنيهم أبداً. كل واحد يتحدث عن وجعه، كما القول الشائع. لذلك فإن الإسرائيلي
العادي يتعذر عليه شراء رواية (نحن انتصرنا) التي يطلقها المتحدثون بلسان الحكومة
في آذانه من الصبح إلى المساء. وطحن، لا أريد قول الانهيار، نسبة التأييد لرئيس الحكومة
تعبر عن قلة استعداد الإسرائيليين لتبني الرواية التي يجهد نتنياهو في تسويقها
لهم. هذا المزاج شائع أساساً وسط قاعدته الانتخابية، في اليمين، ما يضع أمامه
تحدياً سياسياً كبيراً: طمأنة الخائبين وإعادتهم إلى قاعدته الانتخابية».
ويخلص فيرتر إلى القول إن «ما يحتاج
إلى إعادة إعمار ليست غزة فقط، وإنما كذلك صورة نتنياهو، التي سبق وبنيت بجهد كبير
طوال عشرات السنين بوصفه (سيد مكافحة الإرهاب)، الرجل الذي سيبدد ويدمر حماس
ويركعها ـ فقط إن منحتموه الفرصة. صحيح أن حماس تلقت ضربة شديدة، لكن وأدها
وإبادتها أمران لم يحصلا لأن نتنياهو ووزير الدفاع موشي يعلون استبعدا سلفاً
احتمال اجتياح بري واسع واحتلال القطاع. هذا القرار قوَّض مكانتهما السياسية لكنه
وفر أرواح مئات الجنود».
المصدر: السفير