القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

حرب غزة وتخريب العلاقات الأميركية الإسرائيلية

حرب غزة وتخريب العلاقات الأميركية الإسرائيلية

حلمي موسى

ثمة بين الفلسطينيين من يؤمن بأنه إذا كان الإنجاز الوحيد من حرب غزة هو عودة الوحدة إلى صفوف الفلسطينيين بعد طول انقسام فإنه إنجاز كاف. ومع ذلك يشدد البعض على أن الوحدة الفلسطينية التي تجلت في الوفد الواحد والموقف الواحد يمكنها أن تحقق إنجازات أخرى إن لم يكن في مواجهة العدو فعلى الأقل مع المحيط العربي. يشهد على ذلك تغير الموقف المصري والذي تجلى في المبادرة الجديدة التي تبنت تقريبا جوهر المواقف الفلسطينية وصارت في موضع تصادم مع المواقف الإسرائيلية.

ومع ذلك كان هناك من أشار إلى أن الشرخ الذي وقع بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية على خلفية حرب غزة يمكن أن يشكل إنجازا للموقف العربي لو كان هناك من يطمح إلى تجيير ذلك. فالعلاقة الأميركية الإسرائيلية هي أحد أهم أعمدة وركائز الأمن القومي الإسرائيلي لذلك فإن أي تصدع فيها، حتى لو كان طفيفا وموقتا، يشكل مأزقا إسرائيليا كبيرا. وقد ذهب البعض إلى الإشارة تحديدا إلى مظهرين أساسيين في التصدع الجديد أحدهما يتمثل في تنامي الخلافات الشخصية بين قادة الحكم في الدولتين، وثانيهما انتقال هذه الخلافات إلى المستويين السياسي والعسكري.

فالإدانة الأميركية الصريحة لجرائم إسرائيل في رفح «يوم الجمعة الأسود» وفي استهداف مدارس وكالة الغوث التي غدت ملاذا لآلاف النازحين عن بيوتهم في مناطق القتال كانت جديدة على حكومة نتنياهو. وهذه الإدانة عنت بشكل صريح أن الإدارة الأميركية قد لا تتورط في الدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية خصوصا في ظل المسعى العالمي لتشكيل لجنة تحقيق دولية في هذه الجرائم.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل اندفعت الإدارة الأميركية لتشديد إجراءات تسليم إسرائيل أسلحة جديدة أو استخدام الذخائر من مخازن الطوارئ الأميركية في إسرائيل. فالأمر لم يعد قصرا على وزارة الدفاع وموظفيها الذين ينطلقون في إجراءاتهم من واقع التحالف العسكري والاستراتيجي بل صار تحت رقابة البيت الأبيض ووزارة الخارجية الراغبين في استخدام ذلك للتأثير في الموقف الإسرائيلي.

ورغم أن أنصار نتنياهو في إسرائيل وأوساط اليمين لا يزالون يهزأون بالتقارير عن توتر العلاقات مع أميركا ويصرون على أن العلاقات في أفضل حالاتها فإن هناك في إسرائيل وداخل حكومتها من يحذر من هذه النبرة. ويعتقد كثيرون أن الخلافات بين أميركا وإسرائيل شيء وأن التحالف والعلاقة شيء آخر. لكن كل ذلك لا يمنع من أن تسيء الخلافات بشدة للعلاقات حتى رغم وجود مصالح مشتركة. فالغرور الذي تتعامل به إسرائيل مع الإدارة الأميركية ورجالاتها صار يثير القرف حتى في بعض الأوساط المؤيدة تقليديا لإسرائيل في أميركا. ومن المهم ملاحظة أن إسرائيل تخسر باطراد مواقع التأييد التقليدية التي كانت لها في صفوف الديموقراطيين لتكسب تأييدا في صفوف اليمين الجمهوري الذي يعتبره البعض لا ساميا في أساسه.

وربما لهذا السبب ثمة أهمية لافتتاحية «هآرتس» التي حذرت من احتمال خسارة التأييد الأميركي. ولاحظت «هآرتس» أن مسؤولية إدارة العلاقات مع أميركا تقع على كاهل رئيس الحكومة الذي «عليه ضمان الا يتضرر الدعم الحيوي وان تواصل اميركا منح اسرائيل المساعدة العسكرية والمظلة الدبلوماسية». وتعترف «هآرتس» بأن نتنياهو «شد الحبل في علاقاته مع واشنطن برفضه المفاوضات الجوهرية مع الفلسطينيين، بانتقاده محادثات النووي بين القوى العظمى وايران وبنبشه في السياسة الداخلية الامريكية، حيث وقف الى جانب خصوم الرئيس الجمهوريين. وبوقاحته حاول نتنياهو اقناع الرأي العام الاسرائيلي بان اوباما معادٍ وضعيف، سياسته في الشرق الاوسط هزيلة واسرائيل يمكنها أن تعتمد على مؤيديها في الكونغرس كي تتجاوز الادارة».

واعتبرت «هآرتس» أن «غرور نتنياهو بلغ ذروته في حملة «الجرف الصامد»، حين طلب مساعدة اميركية لتحقيق وقف النار وبعدها عرض مسؤولي الادارة كملحاحين يمنعون اسرائيل من ادارة الحرب. نهجه خطير. نتنياهو ملزم بتهدئة المواجهة مع واشنطن وتركيز الجهد على ترميم العلاقات مع اوباما، الذي سيبقى في منصبه نحو فترة سنتين ونصف سنة اخرى. ان الدعم الاميركي حيوي. وإذا ما تضرر فسيفقد نتنياهو أيضا الدعم الجماهيري الذي هتف لزعامته في ايام الحرب».

ويشرح ناحوم بارنيع في «يديعوت» جانبا من الأزمة حيث كتب أنهم في إسرائيل «باتوا يدركون الآن أن الادارة الاميركية لا تنوي استخدام حق النقض ضد كل اقتراح غير مريح لإسرائيل يُثار في مجلس الأمن. وهذه ضربة تعيدنا سنين كثيرة الى الوراء وهي أشد علينا من اللجنة السخيفة للأمم المتحدة».

سوف يخرج كثيرون في إسرائيل والعالم ليقولوا ان لا شيء تغير، لكن الحقيقة الواضحة هي أن أشياء كثيرة تتغير ومن بينها العلاقات الأميركية الإسرائيلية. فالعربدة الإسرائيلية المستندة أساسا إلى استقواء بأميركا وتوريط لها في كل المحافل وعلى كل الصعد لم تعد مفهومة لدى أوساط متزايدة في أميركا. وبديهي أن هذا سيتعمق مع تنامي ادعاءات القوة في إسرائيل التي ترى أن بوسع إسرائيل العيش من دون الدعم الأميركي. دعوا اليمين الإسرائيلي يحقق ذاته وحينها سترون الطريق معبدا إلى عزلة إسرائيل الدولية وخراب الهيكل الثالث.

السفير، بيروت