القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

حرب مصر على المقاومة الفلسطينية في عيون الصهاينة

حرب مصر على المقاومة الفلسطينية في عيون الصهاينة

بقلم: صالح النعامي

لم تعد النخب الصهيونية قادرة على مواكبة "المفاجآت" التي يصدرها النظام المصري، والتي تتمحور بشكل خاص حول أنماط سلوكه العدائي تجاه المقاومة الفلسطينية وانحيازه الفج للجانب الصهيوني.

ومن يتابع الجدل الصهيوني الداخلي فسيلحظ ببساطة أن مستوى وحجم رهانات تل أبيب على مصر في عهد السيسي أكبر بكثير من الرهانات التي عقدتها على نظام مبارك، الذي وصفه وزير الحرب الصهيوني الأسبق بنيامين بن إليعازر بأنه "كنز إستراتيجي" لإسرائيل.

وقد عبر رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الحرب الصهيونية الجنرال عاموس جلعاد عن طابع الموقف المصري من المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، حيث قال "نحن لا نتحدث فقط عن تطابق مطلق في المصالح بيننا وبين المصريين بشأن الحاجة إلى القضاء على حركة حماس، بل إن الدوافع التي تحث الجانب المصري على تحقيق هذا الهدف أكثر تشعبا وأعمق من الدوافع التي تحركنا" (قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، 25/7/2014).

وتذهب وزيرة القضاء تسيفي ليفني إلى حد القول "هناك تفاهم بيننا وبين المصريين على خنق حماس، ونحن متفقون على أن هذه نتيجة أي مفاوضات على وقف إطلاق نار دائم بيننا وبين غزة" (القناة الثانية، 7/8/2014).

استنزاف حماس

يسترسل المعلقون الصهاينة في توصيف محاولات الجانب المصري ابتزاز المقاومة الفلسطينية ودفعها لتقديم تنازلات للجانب الصهيوني بدون مقابل، حيث إن هناك إجماعا بين النخب الصهيونية على أن النظام المصري غير معني تماما بأن تحصل المقاومة على أي إنجاز في أعقاب صمودها الأسطوري خلال الحرب.

ويقول الجنرال يسرائيل حسون -الذي شغل منصب نائب رئيس جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك)، والمعروف بعلاقاته الوثيقة بالمؤسسة الأمنية المصرية- إن "إسرائيل تدرك أن هناك حاجة للتخفيف عن الفلسطينيين في قطاع غزة وتحسين أوضاعهم الاقتصادية، على اعتبار أن الأمر قد يقلص من دافعية الشباب الفلسطينيين للانضواء تحت لواء المنظمات الإرهابية، لكن المصريين غير متحمسين لهذا التوجه ويبدون تشددا أكثر" (الإذاعة العبرية، 28/7/2014).

ويشبه المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الغرفة التي تُجرى فيها المفاوضات على وقف إطلاق النار في القاهرة بأنها "صالة سيرك" تستخدم فيها مصر كل الوسائل من أجل "ترويض" حماس.

وفي مقال نشرته الصحيفة بتاريخ 9/8/2014 كتب فيشمان "المصريون هم الذين ينكلون بحماس في القاهرة ويرفضون كل مطالبها على نحو فظ، لكن حماس لن تتجرأ على إهانة صاحب السيرك (السيسي) ولهذا تطلق النار على إسرائيل كي تضغط هذه على المصريين".

ولا خلاف بين المعلقين الصهاينة على أن دور المفاوضات -كما يراه المصريون- يتمثل في استنزاف حركة حماس ودفعها للقبول بوقف إطلاق النار بأقل قدر من الإنجازات. ويقول كبير المعلقين في قناة التلفزة الثانية أمنون أبراموفيتش "مصر رفضت في بداية الحرب التدخل، حيث اعتقد صناع القرار في القاهرة أن الجيش الإسرائيلي سيكفيهم مهمة القضاء على حركة حماس، ولكن بعدما تهاوت آمالهم وآمالنا في تحقيق هذا الهدف تدخل المصريون لحرمان حماس من إنجازات يمكن أن تقدمها للشعب الفلسطيني" (6/7/2014).

إطالة أمد الحرب

وعلى الرغم من الاحتفاء بالدور المصري المساند لتل أبيب فإن عددا من المعلقين الصهاينة باتوا يضيقون ذرعا بهذا الدور، على اعتبار أنه لا يسهم في تحقيق الهدف الذي أعلنه رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو للحرب، وهو استعادة الهدوء والأمن لعموم المستوطنين.

وقد انتبه عدد من المعلقين الصهاينة إلى حقيقة أن الضغوط التي تمارسها مصر على حماس لم تفضِ حتى الآن إلا إلى مزيد من المعاناة للمستوطنين، تحديدا في جنوب الكيان الصهيوني. وقد تساءلت الصحفية كيرين نويبخ بعفوية "نحن نريد إنهاء الحرب، والسيسي يريد إطالة أمدها، فماذا نستفيد نحن من ذلك؟".

وخلال تقديمها برنامج "سيدر يوم" -الذي بثته شبكة الإذاعة العبرية الثانية بتاريخ 5/8/2014- واصلت نويبخ التعبير عن تبرمها من السلوك المصري، قائلة إن مصلحة إسرائيل تتمثل في وقف إطلاق النار حتى يتمكن سكان المستوطنات في الجنوب من العودة لبيوتهم.

ولكي يصور حقيقة أن الموقف المصري هو الذي يمنع وقف إطلاق النار، فإن معلق الشؤون الخارجية في قناة التلفزة العاشرة نداف إيال يقول إن كل طرف معني بأن يتم التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحركة حماس يتوجب عليه الضغط على مصر من أجل تحقيق هذا الهدف.

وفي محاولته تصوير مدى تجند الجانب المصري للضغط على "حماس"، وسعي المسؤولين المصريين لحرمان الحركة من أي إنجاز، قال مراسل الشؤون الفلسطينية في الإذاعة العبرية يغآل بيرغير "لا يحمل المصريون عصا في غرفة المباحثات مع حماس، بل مدفعا، ويمارسون كل الضغوط عليهم من أجل إجبارهم على القبول بوقف إطلاق نار بدون أي مقابل".

وخلال تحليل قدمه صباح 6/8/2014 أشار بيرغير إلى أن إصرار الجانب المصري على عدم مناقشة مسألة معبر "رفح" من جانب، ورفضه مجرد مناقشة طلب حركة حماس تدشين ميناء أو مطار في قطاع غزة يهدف بشكل أساس لتقليص هامش المناورة المتاح للحركة، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل توجيه الضربات لقطاع غزة.

ويوضح المعلق السياسي في قناة التلفزة الصهيونية الثانية أودي سيغل أن "ماكينزمات" (آليات) التفاوض المصري مع حركة حماس تقوم على التحايل على الحركة، مشيرا إلى أن الجانب المصري يعرض "صيغا فضفاضة" تسمح لإسرائيل بعدم احترامها في المستقبل.

وخلال مشاركته في برنامج "أستوديو الجمعة" بتاريخ 7/8/2014 يشير سيغل إلى أن ممثلي جهاز المخابرات المصرية حرصوا على "توبيخ" ممثلي حركة "حماس" لأنهم "تجرؤوا" على رفض المبادرة المصرية، ويتهمونهم بالمسؤولية عن الدماء الفلسطينية التي سالت خلال العدوان الصهيوني على القطاع.

إن أكثر ما يجسد عمق الرهانات الصهيونية على ما يعرف بـ"محور الاعتدال العربي" هو العبارة التي باتت الوزيرة الصهيونية تسيفي ليفني تكررها دائما خلال الحرب، حيث تقول "عندما أقول "نحن" فأنا أقصد إسرائيل ومصر والأردن والسعودية والسلطة الفلسطينية". ويتضح من خلال خطة ليفني بشأن تغيير الواقع السياسي في قطاع غزة -التي أعلن عنها الأسبوع الماضي- أنها تراهن على دور كبير لمحور "الاعتدال" العربي ليس فقط في التخلص من حكم حماس في غزة، بل وفي تمهيد الظروف أمام عودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة.

ويذهب الجنرال عاموس يادلين -الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية (أمان)- إلى حد القول إن بإمكان إسرائيل أن تعتمد على الدعم العربي الرسمي، وأن تواصل الحرب حتى إسقاط حكم حركة حماس في القطاع.

وخلال مشاركته في برنامج حواري بثته قناة التلفزة الصهيونية العاشرة بتاريخ 7/8/2014 رفض يادلين التقديرات الصادرة عن هيئة أركان الجيش الصهيوني والتي على أساسها تجنبت حكومة نتنياهو اتخاذ قرار بإعادة احتلال قطاع غزة وإسقاط حكم حركة حماس. واعتبر يادلين أن التحولات في البيئة الإقليمية تمنح إسرائيل هامش مرونة كبير لاستنفاد كل الخيارات العسكرية في مواجهة المقاومة في قطاع غزة.

وحتى وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان -الذي صرح مؤخرا بأنه مل من الاجتماعات السرية التي يعقدها مع كبار المسؤولين في الدول التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل- اعتبر أن "القواسم المشتركة" بين إسرائيل ودول "الاعتدال" العربية تسمح بتوفير أرضية صلبة للقضاء على حركة حماس.

وحسب منطق ليبرمان، فإن الدول العربية السنية ترى في جماعة "الإخوان المسلمين" تهديدا لأنظمة الحكم فيها، وبالتالي اعتبرتها تنظيما "إرهابيا" وحظرت أنشطتها.

ويرى ليبرمان أن هذا السبب هو الذي يفسر تشجيع الدول العربية الصامت لإسرائيل للقضاء على حماس التي تمثل فرعا من فروع "الإخوان المسلمين".

أما وزير الحرب الصهيوني الأسبق شاؤول موفاز فيواصل الترويج لخطته الهادفة إلى نزع سلاح المقاومة في قطاع غزة بالتعاون مع الأنظمة العربية، وعلى وجه الخصوص مصر.

وخلال مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الصهيوني بتاريخ 3/8/2014 قال موفاز "ما فشلت الحرب في تحقيقه يجب السعي لبلوغه عبر تحرك دبلوماسي كبير، نحن محظوظون بسبب التحولات التي يشهدها العالم العربي لأنها تكرس حلف المعتدلين الذي يضم مصر والأردن ودول الخليج، ولنا مصلحة مشتركة تتمثل في القضاء على الإسلام السني المتطرف".

قصارى القول، إسرائيل شنت حربها على قطاع غزة في ظل ظروف إقليمية مثالية، وهذا يبرز دور صمود المقاومة الفلسطينية واستبسالها في إجهاض التحالف المشين بين الصهاينة وبعض أنظمة الحكم العربي الذي سمحت به النجاحات التي حققتها الثورة المضادة في العالم العربي.

إن نجاح المقاومة الفلسطينية في إفشال أهداف الحرب قد يمثل نقطة تحول فارقة نحو تراجع الثورة المضادة وصولا إلى هزيمتها المطلقة.

المصدر: الجزيرة نت