القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

حركة فتح والعودة للمفاوضات، هل من جديد؟

حركة فتح والعودة للمفاوضات، هل من جديد؟

بقلم: رشيد شاهين

في البداية لا بد من التوضيح أن العنوان أعلاه جاء بشكل مقصود، ذلك أنه لا بد للجميع أن يدرك، أن ما يجري الآن بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال ليس مفاوضات بين هذين الطرفين، كما درجت العادة، بل هي مفاوضات بين أحد الفصائل الرئيسية في الساحة الفلسطينية، فصيل قرر استثمار وضعه وسطوته ونفوذه وسيطرته على المال والسلطة، وقرر الانفراد بالوضع وبالقرار الفلسطيني، دون التفات إلى بقية الأطراف في الساحة، تلك الأطراف التي من المفروض أنها تعتبر حليفا استراتيجيا، و تشكل أيضا غطاء لحركة فتح من خلال وجودها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

حركة فتح ممثلة بشخص السيد أبو مازن تقرر بعد ثلاثة أعوام من توقفها، العودة إلى طاولة المفاوضات، وإدارة الظهر لكل المعارضين "بما في ذلك العديد من أبناء حركة فتح قيادات وكوادر وأنصار" لهذه العودة غير المبررة وغير المفهومة، على الرغم أنه لم يحدث أي تغيير في المواقف والممارسات التي كانت تمارسها دولة الاحتلال وما زالت، حيث الاستمرار في بناء المستوطنات ما زال على أشده، وعطاءات البناء لآلاف الوحدات السكنية الاستيطانية تصدر بشكل أسبوعي حتى لا نقول يومي، والعربدة الاحتلالية ما زالت على ما هي عليه، ولم يلمس المواطن الفلسطيني أي اختلاف بين ما كان قبل أعوام ثلاثة، وبين ما يجري اليوم وما سيجري غدا.

العودة إلى المفاوضات غير مفهومة أيضا في ظل عدم استنادها إلى مرجعيات واضحة المعالم، سواء من ناحية الحدود "1967" ولا القانون الدولي، وإجرائها بعيدا عن الأمم المتحدة وتفرد الولايات المتحدة بملفها، وهي الدولة المعروفة بعدائها للفلسطينيين والعرب ومحاباتها ومساندتها لدولة الاحتلال منذ تأسيسها.

كما يأتي قرار العودة إلى المفاوضات عشية صدور قرار أوروبي غير مسبوق أحدث ما يشبه "الزلزال أو الهزة الأرضية" بحسب وصف وسائل الإعلام في دولة الاحتلال، قرار ينص على ان أراضي عام 1967 هي أراض محتلة، وانها لا تعترف بالمستوطنات، وسوف تقاطع كل ما يمكن أن تنتجه المستعمرات القائمة في هذه المناطق، وهو القرار الذي كان يجب أن يكون السند والأساس الذي تستند إليه حركة فتح قبل أن تقرر العودة إلى المفاوضات هكذا بشكل مجاني وبدون مقابل.

العودة إلى المفاوضات تأتي أيضا في ظل شعور صهيوني بالعزلة، عزلة نتجت عن المواقف المتطرفة التي تتخذها حكومة الاحتلال بقيادة الصهيوني نتانياهو، ومثل هذه العودة إنما تشكل "رافعة" لدولة الاحتلال هي في أمس الحاجة إليها من أجل الخروج من هذه العزلة، ولم يكن هنالك أي مبرر لتقديم مثل هذا العون لحكومة الاحتلال.

كما أن هذه العودة أتت في ظل تخبط للسياسة الأمريكية في المنطقة، وفي ظل مواقف غير محددة ولا محسومة في العديد من القضايا الهامة، ومنها في المقدمة، الأوضاع في سوريا وكذلك في مصر، عدا عن اختلاف وجهات النظر مع الحلفاء في القارة الأوروبية، الذين يحاولن النأي في مواقفهم عن مواقف أمريكا، التي أثبتت عدم قدرتها على التعامل بشكل واضح وقاطع مع الأزمات المختلفة في المنطقة.

الرفض العام والشامل للعودة إلى طاولة المفاوضات من قبل الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني، ومن جميع الفصائل الفلسطينية، لم يكن "عبثيا" كما يحاول البعض الترويج، بل لأن للفلسطينيين تجربة عميقة في "عبثية" هذه المفاوضات تراكمت على مدار عقدين من الزمن.

يحاول البعض تبرير العودة إلى المفاوضات بقضية الأسرى وضرورة الإفراج عنهم، وكذلك التلويح بالتهديدات الاقتصادية وخنق الفلسطينيين، علما بأن الموضوعين هما مسؤولية من فاوض ووقع الاتفاقيات السابقة، ابتداء من أوسلو وما بعد أوسلو، وهو فقط يتحمل مسؤولية هذين الملفين، لأنه وضع رقاب الأسرى ولقمة العيش رهينة في يد عدو لا يعرف الرحمة، ولا يحفظ المواثيق ولا العهود.

الحديث الدائر عن تحقيق انفراجة، أو الوصول إلى اتفاق خلال أشهر تسعة، يشير بلا مواربة، أن دولة الاحتلال تمارس مع حليفها الإستراتيجي الخداع من جديد، حيث أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق على مدار عقدين من الزمن، فما الذي استجد؟ وما الذي سيستجد خلال هذه الفترة القصيرة جدا؟

الشارع الفلسطيني برمته يعارض العودة إلى المفاوضات، لأنه بات يدرك ومن خلال تجربته وفطرته ومعرفته بهذا العدو اللئيم، أن لا مجال للصلح أو السلام مع أعداء كانت نواياهم وما زالت هي عدم الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وعدم الاعتراف أصلا بالشعب الفلسطيني، وأن العقلية التي أتت بهؤلاء المستعمرين من أركان الدنيا الأربع، لإقامة دولة لهم على "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" مازالت هي ذات العقلية الاستعمارية الاحلالية الاستيطانية.

إن من غير المتوقع أن يحصل المفاوض الفتحاوي على ما عرض على الراحل عرفات في العام 2000 على سبيل المثال، خاصة في ظل التغيرات التي جرت منذئذ وحتى اللحظة، ومن غير المتوقع في ظل الظروف العربية والإقليمية السائدة أن تستجيب قيادات الكيان للحق الفلسطيني، كما أن ظروف الانقسام أضعفت إلى حد كبير الموقف الفلسطيني، بالإضافة إلى ذلك، فإن الإعلان المستمر من الجانب الفلسطيني بأن لا خيار لديه سوى المفاوضات حددت بشكل واضح وصريح أعلى ما يمكن أن يكون عليه السقف الفلسطيني، ومن هنا فإن من غير المؤمل استجابة الجانب الآخر للمطالب الفلسطينية بانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967.

باختصار، فإن لا مصلحة فلسطينية في العودة إلى المفاوضات، لأنها لن تحقق الحد الأدنى للفلسطينيين، وهي ليس سوى مصلحة خالصة للراعي الأمريكي، والمستفيد الأكبر من هذه العودة هو دولة الاحتلال، التي هي في أمس الحاجة للخروج من عزلتها ولومها من قبل العالم، ولسوف تستمر دولة الاحتلال في ممارساتها على الأرض وكأن شيئا لم يكن، وسوف تعمل على إقامة المزيد من الوقائع والحقائق على الأرض، وسوف تستمر في سرقة المزيد من الأرض الفلسطينية، وإقامة المزيد من المستوطنات، مع ملاحظة أنها سوف تقوم بكل ذلك بينما تكون "متحللة" من اللوم والضغط الدوليين، خاصة إذا ما أقدمت على الإفراج عن الأسرى الذين كان يفترض أن يفرج عنهم قبل عقدين من الزمن.

عرب 48، 3/8/2013