حقول "الألغام" في ولاية مشعل الجديدة
بقلم: د. عدنان أبو عامر
مع تجديد انتخابه لدورة قيادية تستغرق 4 سنوات، يتم خالد مشعل 17 عاماً في
قيادته لحركة حماس، التي ترأسها عملياً منذ عام 1996، وقد يكون الأكثر علماً
ومعرفة بمدى التغيرات التي طرأت على حركته، حين قادها للمرة الأولى قبل أن يتم 40
عاماً من عمره، وكان حينها شاباً مغموراً لمعظم صناع القرار في المنطقة، وغالبية
كوادر الحركة، فيما هو اليوم يجتاز 55 عاماً، ساعياً لأن يصل لمكانة الشيخ أحمد
ياسين مؤسس الحركة، ويتلقى اتصالات ويجري مقابلات مع صناع القرار المحلي والإقليمي
والدولي.
كان لابد من هذه المقدمة البانورامية لإعطاء أجندة متوقعة لـ"أبو
الوليد"، كما يحب أن ينادى، في ولايته القيادية الجديدة، وأمامه جملة من
التحديات والصعوبات، الداخلية والخارجية.
• البيت الداخلي
يدرك مشعل أكثر من سواه أن تجديد انتخابه لولاية جديدة لم يقع برداً
وسلاماً على جميع وقيادات حماس، لاسيما من يقفون في الصف الأول من القيادة، سواء
من قبل منافسيه خلال الجولة الانتخابية الأخيرة، وتحديداً موسى أبو مرزوق 62
عاماً، المرشح من الخارج، الذي بقي يتطلع طوال السنوات الـ16 ماضية لاستعادة ما
يرى أنه "موقعه الحقيقي"، قائداً وزعيماً للحركة، بعد أن وصل مشعل إلى
مكانه عقب اعتقاله في الولايات المتحدة عام 1996.
كما أن إسماعيل هنية 50 عاماً، منافسه من الداخل، كان إلى فترة قريبة يرى
نفسه الأكثر جدارة للوصول إلى ذلك الموقع إذا ما قرر مشعل فعلاً التنحي نهائياً عن
قيادة الحركة، في ضوء ترؤسه للحكومة في غزة، وقدرته على استقطاب قطاعات واسعة من
كوادر وقيادات حماس في الداخل والخارج، نظراً لما يتمتع به من سعة صدر ودماثة خلق
وبشاشة يحسده عليها الكثيرون.
بجانب الاثنين، وقد حصلا على موقع نائبي مشعل في الدورة التنظيمية الجديدة،
لا نستطيع المرور سريعاً على قيادي بوزن د. محمود الزهار الذي يعتبر الخصم الأكثر
حدة للقائد الجديد، فهو وإن كان خرج من التشكيلة القيادية كما ترجح التقديرات،
لكنه نادى بعدم التجديد لمشعل، سواء لاعتبارات دستورية قانونية تخص مخالفة اللائحة
الداخلية، أو لاعتبار عدم أحقيته بقيادة الحركة مع وجود قيادات ثقيلة العيار، وهو منهم
بالتأكيد!
ولئن سلم الثلاثة بفوز مشعل لقيادة الحركة، سواء بالتزكية الجماعية أو
الفوز بأصوات محدودة، لكنه يعتقد جازماً، كما صرح لكاتب هذه السطور، حين سؤاله عن
أجندته المستقبلية، أن معالجة ردود الفعل غير المرحبة بفوزه، أو رواج شعور لدى
البعض بحدوث "خطأ" ما رافق العملية الانتخابية، سيكون على رأس أولوياته،
معتمداً على قوة الشخصية والإمكانيات الإقناعية التي تؤهله لذلك، مع عدم ضمان
نجاحه مائة في المائة!
• المصالحة المؤجلة
في حين أن التجديد لخالد مشعل يعتبر أمراً حمساوياً صرفاً، وشأناً داخلياً
يخص الحركة وحدها، فقد تفاجأ الكثيرون من بطاقات التهاني والتبريكات التي وصلت
الرجل، ولئن كان ذلك مفهوماً من أوساط حماس، وبعض الحركات الإسلامية الشقيقة لها
من فروع الإخوان المسلمين في الدول العربية، لكن وصول رسائل التهنئة من خصوم
الحركة ومنافسيها على الساحة الفلسطينية كان المفاجأة.
فقد سارعت حركة فتح التي يترأسها محمود عباس لتهنئة مشعل، واعتبرت مع باقي
التنظيمات الفلسطينية أن التجديد له سيمنح المصالحة "أنبوب أوكسجين"
بحاجة له أكثر من أي وقت مضى، والكل يذكر كيف أن مشعل وقع مع عباس اتفاقي الدوحة
والقاهرة، وهو ما لاقى معارضة شديدة من حماس الداخل، وخرجت تبادل الاتهامات من
أروقة الحركة إلى وسائل الإعلام في مشهد لم تعتد عليه طوال 25 عاماً من تأسيسها.
هذه المرة يقود مشعل الحركة، وهو يعلم أن كثيراً من التعويل الفلسطيني
والعربي عليه بأن يمضي بحماس نحو المصالحة مع فتح، والرجل لا يخفي رغبته بإنجازها
حتى لو تطلب ذلك تقديم الحركة لتنازلات ميدانية لا يبدو قادة آخرون في الحركة،
لاسيما من العسكر، في عجلة من أمرهم لتقديمها طوعياً لعباس!
مشعل وهو يرى ويسمع من قادة الدول التي يزورها في مصر وتركيا وقطر والأردن
والسعودية مطالباتهم الحثيثة بإنهاء صفحة الانقسام الفلسطيني، يشعر بحرج شديد حين
يقابلهم وهو لم ينجز هذا الملف، في حين أن قيادة الداخل لا تشعر بهذا الحرج
والانزعاج، مما يجعلها تتريث كثيراً، وتعد إلى العشرة قبل اتخاذ ما تراه قرار
المصالحة الذي قد تكون خسائره أكثر من مكاسبه.
يبدو مهماً الإشارة لتقسيمات اتخاذ القرار داخل حماس: الضفة الغربية، قطاع
غزة، إقليم الخارج، السجون الإسرائيلية، ومشعل ذو الأصول الجغرافية من رام الله
يحظى بثقة قيادة الضفة، التي تعاني من ملاحقة مزدوجة: السلطة الفلسطينية وإسرائيل،
وتترقب إنجاز المصالحة لأخذ قسط من الراحة من المعاناة الأمنية.
ولئن أدرك الرجل هذه المعاناة، لكن قيادة غزة التي تعلن تضامنها مع أشقائها
في الضفة لا تبدي قناعة بما يردده مشعل من أن المصالحة قد تعيد الروح إلى
"التنظيم المنهك المستنزف"! ولذلك فقد بات يردد في الآونة الأخيرة
عبارات "المصالحة والشراكة والاعتراف بالآخر" لتشكل عناوين التغيير في
قيادته الجديدة.
• عقلنة حماس
مرور 26 عاماً على تأسيس حركة حماس كفيلة بإحداث نقلة فكرية سياسية في
أجندتها المستقبلية، وهو ما دفع بصناع قرار في المنطقة لبذل مساعي عند مشعل
للتراجع عن توجهه بالتنحي عن قيادة الحركة، ولعل أبرزهم رئيس الوزراء التركي
"طيب أردوغان"، الرئيس المصري "محمد مرسي"، أمير قطر
"الشيخ حمد"، مرشد الإخوان المسلمين "محمد بديع"، الملك
الأردني "عبد الله الثاني"، رئيس السلطة الفلسطينية "محمود
عباس".
ولئن كانت الأسماء السابقة ليست مرتبطة بـ"قصة حب" مع مشعل، لكنهم
لا يخفون حالة "الأريحية" التي يشعرون بها في لقائه أكثر من سواه من
قادة الحركة، ويعتقدون أنه الكفيل بنقل حماس من مربع العمل العسكري والمقاومة
المسلحة إلى دائرة الفعل السياسي والمقاومة الشعبية، وربما الاندماج في العملية
السياسية لاحقاً مع إسرائيل، على الأقل بصورة غير مباشرة.
ومع ذلك، فإن مشعل الذي لن يقدم تنازلات مجانية لتلك الأطراف، لكنه يملك
نظرة ثاقبة وبعد نظر ربما لا تتوفر في منافسيه لقيادة الحركة، فهو يجول العالم
شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، سفراً واستقبالاً، وبات يعلم كيف تدار السياسة
الدولية، والصفقات الدبلوماسية، والمساومات البراغماتية، مما يجعله مطمئناً مع
فريقه القيادي الجديد لإمكانية الانتقال بحماس من حركة "إرهابية" بنظر
المجتمع الدولي وقائمة الاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية الأمريكية إلى قوة سياسية
مشروعة.
وإن كان ذلك هدف تتفق فيه غالبية قيادات الحركة في الداخل والخارج، لكن ما
قد يختلفون عليه "الثمن السياسي" المطلوب دفعه قبيل حصول حماس على هذا
الإنجاز التاريخي، مما يضع أمام مشعل عقبة كبيرة في ظل انتقال اثنين من القادة
العسكريين إلى المكتب السياسي الجديد وهما: يحيى السنوار وروحي مشتهى، مؤسسي الجهاز
العسكري الأول للحركة عام 1986، وأطلقت إسرائيل سراحهما بصفقة التبادل الأخيرة في
أكتوبر 2011، ويعتقدان في قرارة أنفسهما، بل ويروجان لذلك في أوساط الحركة أن
السقف الزمني لبقاء إسرائيل لن يتجاوز عقدين من الزمن على أبعد تقدير!
هذه القناعات الخطيرة لا يراها مشعل مقبولة في السياسة الواقعية، مما يتطلب
منه بذل جهود مضاعفة مع رفاقه الجدد في القيادة، للوصول بحماس إلى عهد جديد من
الانفتاح السياسي في أوساط المجتمع الدولي، وهو يأمل نجاحه بذلك، عبر
"تطويع" إرادة رجال الجناح المسلح الذين يرفضون أي صيغة سياسية مع
إسرائيل، صريحة كانت أو مواربة، على اعتبار أن لديهم جولة عسكرية أو اثنتين فقط،
ويشطبونها من خارطة المنطقة!
كما أن الوصول بحماس لمرحلة النضوج الفكري والتأهيل السياسي كما يأمل مشعل،
قد لا يروق لـ"حلفاء الأمس"، وتحديداً إيران، التي بذلت جهوداً مضنية
لإبقاء خيوط التواصل مع الحركة رغم إرادة قائدها الأعلى، الذي أعاد خارطة تحالفاته
في المنطقة، وجعل طهران خلف ظهره، وهو ما لم يعجب تياراً وازناً في حماس الداخل،
يتزعمه الزهار والعسكر، يعتبران الابتعاد عن طهران "وصفة سحرية" لتراجع
الحركة مالياً وعسكرياً، وهو ما يحتم على مشعل البحث عن موارد جديدة في الجانبين.
أخيراً...من تسنح له فرصة الحديث مع مشعل هذه الأيام يشعر يقيناً كم أن
أعباءه ثقيلة، ومهامه التنظيمية والسياسية تفوق قدرات قائد واحد مهما أوتي من
إمكانيات ومواهب، مما يجعلنا نتريث في توقع "معجزة" قد تحل داخل حماس
بفضل رغبات وتطلعات مشعل، لأن المسألة تتجاوز كثيراً "كبسة زر"!
المونيتور، 10/4/2013