القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

حكومة الوحدة الفلسطينية تفضح إخفاقات نتنياهو السياسية

حكومة الوحدة الفلسطينية تفضح إخفاقات نتنياهو السياسية

حلمي موسى

بدت "إسرائيل" في موقع المعزول عن الموقف الدولي تجاه الحكومة الفلسطينية الجديدة عندما أعلنت ليس فقط رفض التعامل معها وإنما مطالبتها العالم بعدم التعامل معها أو الاعتراف بشرعيتها. وتراءى للمراقب أن سرعة اعتراف العالم بالحكومة الفلسطينية الجديدة ينم عن رغبة في توجيه صفعة لإسرائيل حتى أكثر من التعاطف مع الإرادة الفلسطينية. وهذا يسري أساسا على الإدارة الأميركية التي غالبا ما وقفت إلى جانب "إسرائيل" ولو منفردة وضغطت على العالم لمنع الوقوف ضد إسرائيل.

ويعتبر كثير من المعلقين الإسرائيليين أن هذا الوضع لا يعبر فقط عن أزمة عابرة أو عادية في العلاقات مع أميركا والعالم وإنما عن شرخ حقيقي. وبينما يختلف البعض عن آخرين في تحديد أسبابه، حيث يعزوه عدد منهم إلى الفشل في فهم التغييرات التي طرأت على أساليب التعاطي الإعلامي، يرى آخرون أنه الفشل في فهم المتغيرات السياسية الإقليمية والعالمية. لكن مهما كانت الأسباب فإن هناك إقرارا بفشل "إسرائيل" في التعاطي مع أوضاع متغيرة.

ومن الجائز أن مسارعة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إلى إدانة إقدام "إسرائيل" للرد على تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة بإعلان عطاءات استيطان واسعة يشكل نوعا أوليا من التغيير. فقد هدد الاتحاد الأوروبي هذه المرة، مثلا، باتخاذ عقوبات ضد "إسرائيل" وطالبها بالتراجع عن قرار نشر العطاءات لتوسيع المستوطنات. واضطر عدد من كتاب اليمين في "إسرائيل" للتحذير من مغبة التهور في الخطوات خشية زيادة نهج نزع الشرعية عن الدولة العبرية في العالم.

ومن المؤكد أن هذه التحذيرات، حتى في صحيفة «إسرائيل اليوم» اليمينية، موجهة أساسا إلى اليمين المتطرف في الحكومة، أمثال نفتالي بينت، الذي يطالب بخطوات من قبيل ضم المستوطنات أو فرض وقائع أكثر على الأرض في تحد سافر للإرادة الدولية. ومعروف أن في "إسرائيل" مدرسة تاريخية ترى في توسيع الاستيطان «الرد الصهيوني المناسب» على كل فعل أو انجاز فلسطيني إقليمي أو عالمي.

وليس صدفة أن صحيفة «هآرتس» عمدت في افتتاحيتها يوم الجمعة الفائت إلى منح نتنياهو علامة «صفر في إدارة السياسة» بعد قرارات توسيع الاستيطان ردا على تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة. واعتبرت أن هذه القرارات تجسد «مقدار الخطر الذي يكمن في سياسة دولة "إسرائيل" على مستقبلها. فعلاوة على سوء الفهم الاساسي لموازين القوى الدولية تعكس عطاءات البناء رؤية حكومة "إسرائيل" الحالية: تنمية المستوطنات وتوسيعها، حتى مقابل عزلة عالمية وعقوبات، أو على الاقل صدام جبهوي مع أفضل وأهم اصدقائها، الولايات المتحدة».

وطالبت الصحيفة نتنياهو بأن «يصحو ويفهم حجم مسؤوليته تجاه مواطني "إسرائيل" ويبدأ بالتصرف كسياسي وليس كأسير في ايدي مجموعة ضغط البيت اليهودي وأوصيائهم. على نتنياهو أن يرد فورا خطط البناء، يعترف بحكومة المصالحة الفلسطينية ويحاول الوصول معها الى طاولة المفاوضات في أقرب وقت ممكن».

ونقلت «يديعوت أحرنوت» عن زعيم حزب العمل، اسحق هرتسوغ قوله بعد عطاءات البناء: «نحن نتجه الى كارثة. فالشعب يعيش في حال طمس الحقيقة، وهو لا يفهم حجم سوء الوضع السياسي. والعالم كله يقبل الحكومة التي انشأها أبو مازن. ونحن نقترب من مواجهة قاسية مع الادارة الاميركية في مواضيع كثيرة منها هذا الموضوع.

وقد أشار ناحوم بارنيع في «يديعوت» إلى العزلة التي تجد "إسرائيل" نفسها فيها من خلال قوله ان «رؤساء الدول الذين هاتفهم نتنياهو هذا الاسبوع سمعوا صابرين كلامه التوبيخي واستخفوا به، فقد اختار الجميع التعاون مع الحكومة الفلسطينية الجديدة. وهم يعلمون بأن "إسرائيل" تطلب منهم ما لا تطلبه من نفسها». وهو يقصد هنا أساسا استمرار التنسيق الأمني ومصلحة "إسرائيل" في عدم انهيار السلطة في الضفة الغربية.

وفي كل حال ما يزيد الإسرائيليين توترا هو إدراكهم المتزايد أن ما تدعيه حكومتهم من «مفاجأة» بسبب الموقف الأميركي من الحكومة الفلسطينية الجديدة ليس سوى تغطية عجز. فهذا الموقف كان معروفا من ناحية والأنكى أن الحكومة الفلسطينية أنشئت، على الأغلب، بتنسيق مع الإدارة الأميركية وضمن اشتراطاتها واشتراطات الرباعية الدولية. ويزداد من يرون في الموقف الأميركي نوعا من العقاب المتأخر على تفجير "إسرائيل" للمفاوضات مع الفلسطينيين وتخريب المبادرة الأميركية. ويخشى هؤلاء من أن هذا ليس سوى مقدمة لما يمكن أن يطرأ لاحقا من أزمات وإشكالات في العلاقات.

وربما أن الإسرائيليين سيزدادون قلقا جراء هذه الأزمة عندما يقرأون أن قسما من المفكرين الاستراتيجيين في الدولة العبرية يطالبون بإعادة صوغ نظرية الأمن القومي لتستند بشكل أكبر إلى العلاقة مع أميركا وإلى تحالفات إقليمية يمكن أن تنشأ مع دول عربية. ومن المؤكد أن سياسة، كالتي يتبعها نتنياهو وبينت، لا تعزز العلاقات مع الولايات المتحدة وبالتأكيد لا تسهل بناء تحالفات سياسية وعسكرية مع دول عربية في ظل ابتعاد مشهد التسوية السياسية.

ومن الواضح أن لقاء الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الفاتيكان يوفر برهانا على فشل سياسة نتنياهو الذي حاول من خلال الموقف من حكومة الوفاق إعلان أن أبا مازن ليس شريكا وأن المشكلة تكمن في الفلسطينيين. لقاء بيريز أبو مازن يثبت أن جزءا من الإسرائيليين، على الأقل، لا يصدق كلام وموقف نتنياهو.

تقديم وترجمة: حلمي موسى

المصدر: السفير