القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

حماس بين الكنز المرصود والكنز المفقود في مصر

حماس بين الكنز المرصود والكنز المفقود في مصر

د. أسامة الأشقر

في الأدبيات الصحفية المنتشرة تجد هذه العبارة المثيرة " مصر كانت الكنز الاستراتيجي لمعسكر السلام في الشرق الأوسط" ، وهي عبارة صحيحة المعنى، ولكنها استُخدمت بإفراط في وصف التداعيات ، ومعظم هؤلاء المحللين من جماعة الظهور الفضائي الذين يمتازون بعشق الاستعراض، وقلة المعلومات الخاصة، وتضخم الأخبار الصحفية ، وبالتالي ضعف التحليل السياسي، انعدام الرؤية السياسية ، وبعضهم هم من موظفي الإشاعة الممنهجة التي تديرها وكالات متخصصة ، ومن أمثلة هذا الاستخدام المفرط أن هذا الكنز المرصود قد انتقل بوصول الدكتور محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة المصرية من حركة فتح المنخرطة في عملية السلام إلى حركة حماس الرافضة والمناهضة لهذه العملية.

وتنبني هذه المقولة على المرجعيات الفكرية لحركة حماس باعتبارها من مدرسة الإخوان المسلمين، وهذا يعني أن الكنز الذي منحه الرئيس المخلوع حسني مبارك لحركة فتح قد منحه الرئيس المعزول محمد مرسي لحركة حماس؛ وهذه المقاربة قد تبدو مقنعة في تمثيلاتها الظاهرية لكن الحقيقة كانت تجري وحدها في ميدان بعيد.

فمصر بعد الثورة كانت في مخاض صعب لم يسفر عن مولود كامل بعدُ ، كما أنها خرجت مرهقة بعد الثورة، واصطدمت بتحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية مخيفة في ظل استشراء الفساد وتطاول المحسوبية ، وفوق ذلك كله فقد حافظ المجلس العسكري الانتقالي الذي استلم السلطة بعد خلع حسني مبارك على منظومة الدولة وسياساتها الدولية والإقليمية والداخلية ، وبقيت مراكز الدولة بعد فتح التنافس السياسي في ظل استقطاب حاد بين المدرسة الإسلامية وحلفائها ، والمدرسة الليبرالية وتحالفاتها بينما حافظت الدولة القديمة الشديدة التماسك على وجودها وشبكة مصالحها، ولم تستوعب الانتقال ، ودعَمَها في ذلك استقرار المنظومة الأمنية وعدم تعرّضها للتطهير الثوري الذي يعقب الثورات عادة.

في ظل هذه الأوضاع كانت حماس جزءاً من الملفات الإقليمية والداخلية أيضاً، فهي تسيطر على قطاع غزة المحاذي لمصر في حدودها الشمالية الشرقية، وهي ترتبط أيضاً معها بتوأمة إجبارية باعتبار مصر الرئة الوحيدة لقطاع غزة المحاصر، والمنفذ الوحيد لسكان القطاع إلى العالم الخارجي ، والمدخل شبه الوحيد لمصادر الطاقة والغذاء والدواء والبناء... إلى القطاع.

وقد حكمت الجغرافية السياسية لقطاع غزة على هذا القطاع بوضع استثنائي لا يتمناه القطاع في هذه الظروف وهو تداخلُه الكبير مع سيناء ، باعتبار سيناء هي الواصل الجغرافي بين مصر وفلسطين، وسيناء باتت لدى القيادة المصرية صداعاً مزمناً بسبب انتشار السلاح والجماعات المسلحة واتساع عمليات التهريب إلى داخل الكيان الصهيوني ومنه في الغالب وإلى قطاع غزة، مما جعل قطاع غزة المحاصر في قلب الأحداث الأمنية التي تشغل المصريين في سيناء.

لم تكن حماس جزءاً من الاضطراب الأمني في سيناء كما شهدت بذلك أجهزة الأمن المصرية السيادية بدليل استمرار تعاونها الثابت معها كما تقول مصادر الطرفين، بل كانت حماس على الدوام داعماً ثابتاً لمصالح الأمن القومي المصري من خلال تنسيق دائم على قاعدة المصلحة المشتركة ولو في حدها الأدنى، وقد عملت هذه القاعدة بكفاءة حتى في عصر المخلوع مبارك.

توقّع الكثيرون من الفلسطينيين ومن قطاع غزة ومن مستويات غير قيادية في حركة حماس أن تشهد العلاقة في عهد الرئيس مرسي تطورات إيجابية اعتماداً على المرجعية الفكرية للرئيس، بينما كانت قيادة حماس حذرة جداً في تبنّي هذا الطرح لإدراكها حساسية الظرف المصري وتحدياته وعلاقاته الدولية، لذلك تحدّث رئيس مكتبها السياسي الأستاذ خالد مشعل بوضوح في إحدى زيارات للقاهرة أننا لا نكلف مصر فوق طاقتها ونتفهّم ظروفها ، ولابد أن تأخذ فرصتها للنهوض والتعافي لتتمكن من لعب دورها المنشود في قضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين ، التي هي قضية مصرية أيضاً، بل اعتبر مشعل أن نهضة مصر وتعافيها مقدّم الآن على انخارط مصر في إسناد الحق الفلسطيني.

وكانت توقعات حماس في محلها فإن القيادة المصرية حافظت على ثبات سياساتها تجاه القضية الفلسطينية والفلسطينيين ، مع تحسّن إيجابي في المزاج العام والتعامل على مستوى سياسي وإنساني دون أن يؤثر في السياسات الناظمة الحاكمة، فقد تمكنت حماس من لقاء رئيس مصر لأول مرة حيث إن لقاء الرئيس كان مرفوضاً وليس ضمن قواعد العلاقة بين مصر وحماس ويأتي هذا ضمن مسار تصحيح العلاقة لأن قيادة حماس يلتقيها زعماء الدول في معظم الدول العربية ، كما تمكنت حماس من عقد اجتماعات مهمة لقيادتها على أرض مصر بموافقة الجهات السيادية في الدولة، وزادت إيجابية العلاقة عندما لعبت مصر دور الوسيط الحقيقي بين حركتي فتح وحماس دون انحياز مطلق إلى جانب فتح كما كان يحصل سابقاً مما أسفر عن نجاحات عديدة واختراقات مهمة في ملف المصالحة، وكان لموقف مصر الرافض للعدوان على غزة في 2012 دور مهم في سرعة وقف العدوان عليها، وتحسن التعامل الإنساني قليلاً في معبر رفح، وزادت ساعات العمل إضافة إلى فتحه في يوم الجمعة، وبالجملة فإن التطور في العلاقة يمكن وصفه بالتحسّن في المزاج العام للدولة تجاه حماس.

لكن في المقابل ثبتت السياسات العامة للدولة فقد بقيت الرئاسة المصرية تتعامل مع حركتي فتح وحماس بمنظار واحد ، وتعترف بسلطة محمود عباس ودولته الافتراضية ، ولم تخصّ حماس بتعامل مميّز، ولم تعلن مصر انتهاء حصار قطاع غزة، بل استمر الحصار والقوانين التي تطبقه والاتزامات الدولية والثنائية مع الكيان الصهيوني والأوروبيين والأمريكان تجاهه، فلم يتحوّل معبر رفح من معبر إنساني إلى نقطة حدودية يستطيع المسافرون التنقل بحرية عبرها دون ارتباطه بإجراءات استثنائية تحتاج من المسافر التأكد من فتحه كل مرة، ولم تتوقف سياسة ترحيل الفلسطينيين الشباب من المطار إلى المعبر مباشرة، ولم تُلْغَ الاعتراضات الأمنية على دخول مصر لآلاف الشباب والمنتمين إلى حماس وغيرها من قوى المقاومة إلا بتنسيق أمني مسبق ولمرة واحدة في كل سفرة.

ولم توافق الرئاسة المصرية على مشروعات تخفيف الحصار على قطاع غزة من خلال الأسواق الحرة على الحدود المشتركة أو معبر رفح ، ولم توافق على تخصيص مطار العريش أو ميناء العريش القريبين لحركة سفر الفلسطينيين إلى خارج مصر أو القدوم إليها بدل الترحيل القسري والاحتجاز غير الإنساني في مطار القاهرة البعيد مئات الكيلومترات، ولم تُلغَ الموافقات الأمنية على زيارة الوفود التضامنية والإنسانية إلى قطاع غزة.

وعندما اشتدت الأزمة السورية أصدرت الرئاسة المصرية قرارات بتسهيلات واسعة للاجئين السوريين في مصر ولكنها لم تعامل اللاجئين الفلسطينيين الحاملين لوثائق سورية مثلهم رغم مشاركتهم لهم في معاناتهم.

ولم تتحول مصر في عهد مرسي إلى مأوى لقيادة حماس التي خرجت من سوريا ، بل استقر فيها قيادي واحد جرى تنسيق إقامته في عهد المجلس العسكري وليس في عهد مرسي، وأما بقية كوادر حماس الموجودين في مصر فهم بضع عشرات يوجدون فيها بتنسيق أمني ضمن ترتيبات محددة وضمن القوانين وأنظمة الإقامة السارية بما يخدم المصالح المشتركة.

ومع ذلك كله فقد تحمّلت حماس الكثير من الأذى بسبب هذه العلاقة ، لأن الكنز المرصود الذي كان لحركة فتح وتيار التسوية السياسية لم ترثه حماس ولم تنتفع به، بل تعرّضت حماس لأكبر حملة تشويه منظمة أدواتها الكذب والتزوير والتحريض أدارتها الصحافة الرسمية والخاصة والحزبية ، والقنوات الفضائية والإعلام الاجتماعي الإلكتروني، التي احتشدت كلها لحرب الإخوان ومن هم في إطارهم وكانت حماس الطرف الأكثر تضرراً من هذا الهجوم المستطير دون أن تكون سبباً في أي إيذاء أو ضرر يلحق بأي طرف مصري.

ويكفي أن يقال إن من بين الآلاف من حماس الذين قالت عنهم وسائل الإعلام المصرية إنهم شاركوا في الأحداث، فليس هناك اسم أحد في أي قضية ، لأن جميع القضايا كانت مختلقة لا وجود لها أو لا سياق سياسي لها.

فهل يقال بعد ذلك إن حماس والمقاومة الفلسطينية كان لها كنز في مصر سوى الأمل بأن مصر ستعود إلى سابق عهدها الأبوي الراعي لفلسطين والمدافع عنها تاريخياً.

24/7/2013