حماس تحاول كسر حصارها السياسيّ
بدخول عواصم جديدة
بقلم: عدنان أبو عامر
للمرّة الأولى في تاريخ علاقاتها السياسيّة، قامت حماس بالزيارة الأولى
لها إلى دولة جنوب أفريقيا في 18 تشرين الأوّل/أكتوبر. وترأّس الوفد رئيس المكتب السياسيّ لحماس
خال مشعل، وضمّ أعضاء المكتب موسى أبو مرزوق، سامي خاطر ومحمّد نزال. واستمرّت الزيارة
3 أيّام، حيث كان برنامجها
مزدحماً، إذ التقى مشعل رئيس الدولة جاكوب زوما في الأوّل من الزيارة، ووقعا
مذكّرة تفاهم لدعم القضيّة الفلسطينيّة. وفي التالي، التقى وفد حماس أعضاء حزب
المؤتمر الوطنيّ الحاكم ANC.
ترتيبات الزيارة
حضرت حماس في ذاته مؤتمراً جماهيريّاً في مدينة كيب تاون، أعقبه لقاء
مفتوح عقدته المنظّمات الجنوب أفريقيّة الداعمة لفلسطين، ومنها: منظمة أصدقاء
الأرض العالمية، مؤسسة الأقصى الخيرية، التحالف التضامني من أجل فلسطين، مجلس
القضاء الإسلامي، أجنحة الخير، ولقاء مع 80 ناشطاً في مدينتي بريتوريا وجوهانسبرغ. واختتمت زيارة حماس بحفل
عشاء حضره ممثّلون عن التحالف الحكوميّ الجنوب أفريقيّ ورؤساء المؤسّسات المدنيّة
الداعمة لفلسطين المذكورة أعلاه، والرئيس الجنوب أفريقيّ السابق خاليما موتلانتي.
تخلّلت زيارة حماس إلى جنوب أفريقيا أجواء من الترحيب الرسميّ، باستقبال
قادتها في مطار جوهانسبرغ من جيسي دوارتي نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني
الأفريقي الحاكم، بجانب استقبال شعبي من مواطني جنوب أفريقيا وبعض الفلسطينيين
المقيمين هناك، ودأب أنصار حماس في جنوب أفريقيا على الوقوف على طول الشوارع القريبة
من مواقع وصول قادة الحركة، ولوّحوا براياتها. وقد تحدّث مشعل في 21 تشرين الأوّل/أكتوبر في أحد مساجد بريتوريا، وقارن بين القضيّة
الفلسطينيّة والنضال ضدّ الفصل العنصريّ في جنوب أفريقيا.
لا يبدو أنّ زيارة حماس إلى جنوب أفريقيا تمّت من دون مقدّمات سياسيّة
سبقتها بينهما، فقد كشفت قناة الجزيرة في 25 شباط/فبراير أنّ المخابرات الأميركيّة CIA حاولت في حزيران/يونيو 2012، فتح قنوات اتّصال خلفيّة مع حماس، بترتيب من
مخابرات جنوب أفريقيا، نظراً لعدم وجود اتصال سياسي مباشر بين الإدارة الأمريكية
وحماس، فالحركة موضوعة على قوائم الإرهاب الأمريكية منذ 2001، مما دفع المخابرات الأمريكية لمحاولة الاتصال مع
حماس بصورة غير مباشرة عبر جهاز مخابرات جنوب أفريقيا، والطلب منها التعرف على
مواقف حماس عن قرب، في ضوء العلاقة الجيدة لأجهزة مخابرات الدولتين، واشنطن
وجوهانسبرغ.
وأجرى مشعل في 23 آب/أغسطس 2014 اتّصالاً هاتفيّاً بـزوما خلال الحرب الإسرائيليّة
على غزّة في عام 2014، وشكره على دعمه
الفلسطينيّين. ويواصل سفير جنوب أفريقيا لدى السلطة الفلسطينيّة سولي تشرهولا
زياراته المتكرّرة إلى غزّة، ولقاءه قادة حماس، وكان آخرها في 19 أيّار/مايو، حيث أعلن أنّه لا يرى في حماس منظّمة إرهابيّة.
تعتبر حماس على لسان أسامة حمدان، مسئول العلاقات الدولية فيها، المقيم
في لبنان، في حديثه "للمونيتور" أنّ "هناك أوجه تشابه كثيرة بين
التجربتين النضاليّتين الفلسطينيّة والجنوب أفريقيّة، لأنّ الجانبين يكافحان احتلالاً
عنصريّاً، وقد بدأت علاقة حماس مع جنوب أفريقيا مبكراً منذ عام 1998، ثم تطورت بشكل ملموس، وتبدي جنوب أفريقيا حرصاً
واضحاً على تقديم خبرتها للفلسطينيين في مواجهة "إسرائيل"، لأن جنوب
إفريقيا تمثل نموذجاً في إدارة الصراع مع كيان عنصري".
كما ارتبطت "إسرائيل" بعلاقات وثيقة مع نظام الفصل العنصريّ
السابق في جنوب أفريقيا، كالتنسيق الأمني الوثيق بينهما، والمساعدات العسكرية،
والتعاون في مجال البرامج النووية، ممّا دفع مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
الفلسطينيّة في بيروت إلى عقد مؤتمر في بيروت في 25 آذار/مارس/2015 للبحث عن القواسم المشتركة بين التجربتين، على
الرغم من أنّ سفير جنوب أفريقيا في "إسرائيل" سيسا نجومبان قال في
آب/أغسطس أنه لا يعتبر حماس حركة إرهابية، بل هي حركة تحرر وطني، وطالبها بالتخلّي
عن العنف، والبحث عن التعايش مع "إسرائيل".
وأبلغ أحد أعضاء وفد حماس في الزيارة المقيم في قطر أبو مرزوق
"المونيتور" أنّ "علاقات حماس الدوليّة جزء من نضالها في مواجهة
الاحتلال والحركة الصهيونيّة، لأنّ لقضيّتهم الفلسطينيّة أنصاراً كثيرين، وداعمين
حقيقيّين، وحلفاء مخلصين، والفلسطينيون في حاجة إلى جهد دؤوب لتوجيههم وتوحيد
جهودهم، وأنّ هدف هذه الزيارة تعزيز أواصر التعاون بين حماس وحزب المؤتمر الوطنيّ
والشعب الجنوب أفريقيّ، لدعم القضيّة الفلسطينيّة".
تحدّث "المونيتور" مع رئيس مركز دراسات أفريقيا والشرق الأوسط
في جنوب أفريقيا نعيم جينا، الذي أبلغه أنّ "زيارة حماس إلى جوهانسبرغ تهدف
إلى تعزيز علاقاتهما، وبات في إمكان حماس فتح مكتب تمثيل لها في جنوب
أفريقيا".
وأبلغ وزير الإعلام في حكومة حماس السابقة في غزّة يوسف رزقة
"المونيتور" أنّ "الزيارة في هذا التوقيت تعتبر اختراقاً حمساويّاً
للحصار الدوليّ، ولسياسة أميركا الخارجيّة، وصفعة على وجه السياسة الخارجيّة
الإسرائيليّة، وجاء توقيت الزيارة مهمّاً في ظلّ الانتفاضة الشعبيّة الثالثة،
وحماس تعي الزيارة، وتقدّر أهميّتها، وتعدّها فاتحة جيّدة في العلاقات الخارجيّة،
وستعود بخير على القضيّة الفلسطينيّة".
تبدو حماس في هذه الفترة في حاجة إلى هذا الانفتاح على عواصم جديدة في
العالم، خصوصاً جوهانسبرغ، في ضوء ما تعانيه الحركة من حصار مطبق تمارسه عليها
العواصم الإقليميّة والعالميّة بحجّة أنّها حركة إرهابيّة، خصوصاً تلّ أبيب
وواشنطن والقاهرة، أو تراجع علاقاتها السياسيّة مع بعض حلفائها القدامى في المنطقة
كطهران ودمشق، على الرغم من تحسّن علاقاتها مع الرياض، وقوّة تحالفها مع الدوحة
وأنقرة.
إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة
استقبلت "إسرائيل" زيارة حماس بغضب واضح، واستدعت وزارة
الخارجيّة الإسرائيليّة في 19 تشرين الأوّل/أكتوبر مساعد سفير جنوب أفريقيا في تلّ أبيب لإبلاغه
احتجاجاً شديد اللهجة حول الزيارة، لأنّها تعطي الحركة شرعيّة أمام العالم، ممّا
دفع عضو المكتب السياسي لحماس محمود الزهّار إلى الاعتبار في 21 تشرين الأوّل/أكتوبر أنّ سبب احتجاج "إسرائيل" على
زيارة حماس هو لأنّها تعني اعترافاً بشرعيّة المقاومة، وإسرائيل لا تريد إعطاء
حماس هذه الشرعيّة.
تجدر الإشارة إلى أنّ علاقات "إسرائيل" وجنوب أفريقيا ليست في
أحسن أحوالها، فقد رفضت "إسرائيل" في نيسان/أبريل الماضي السماح لوزير
التعليم في جنوب أفريقيا بلايد نزاميندي زيارة رام الله، بحجّة عدم نيّته زيارة "إسرائيل"،
وأوصى حزب المؤتمر الوطنيّ الحاكم في جنوب أفريقيا أعضاءه وقادته في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر بعدم زيارة "إسرائيل".
إلى جانب الغضب الإسرائيليّ من زيارة حماس إلى جنوب أفريقيا، التزمت
السلطة الفلسطينيّة الصمت إزاء الزيارة، وقال مسؤول فلسطينيّ رفيع المستوى في رام
الله لـ"المونيتور"، رافضاً كشف هويته، إنّ "السلطة الفلسطينيّة
علمت بترتيبات الزيارة بصورة مسبقة من بعض الجهّات الدوليّة، لم يرغب بذكر أحد
منها، عقب تنامي علاقات حماس مع جوهانسبرغ في السنوات الأخيرة، وقد تكون زيارة
حماس مقدّمة إلى زيارات أخرى في القارة الأفريقيّة، نظراً إلى التأثير الكبير الذي
تحظى به جنوب أفريقيا في القارة الأفريقية".
لخّص مسؤول حماس الإعلاميّ في لبنان رأفت مرّة لـ"المونيتور"
زيارة حماس إلى جنوب أفريقيا بأنّها "أسفرت عن نتائج سياسيّة مهمّة، لأنّها
كرّست مسيرة التواصل بين حماس وجنوب أفريقيا، فقد عقدت لقاءات كثيرة سابقة، وجرت
اتّصالات على مستوى المسؤولين الرسميّين والحزبيّين بين حماس وجنوب أفريقيا، لم
يكشف عن تفاصيلها وتواريخها، وهذه الزيارة بهذا المستوى الرسميّ دليل على قوّة
حماس وحضورها الإقليميّ، وبداية كسر قطيعة دوليّة معها".
أخيراً... لا تتوقّع حماس دعماً ماليّاً أو عسكريّاً يصلها من جنوب
أفريقيا. وعلى الرغم من أنّها حتّى اللحظة، لم تعلن عن نتائج ملموسة من هذه
الزيارة، لكن يبدو أنّ ما اعتبرته الحركة نجاحاً لها سيفتح شهيّتها لمواصلة بحثها
عن عواصم جديدة لم تزرها من قبل، في محاولة منها لتوسيع رقعة تحالفاتها، وتوسيع دائرة
علاقاتها، ممّا يجعلها بمنأى عن أيّ ابتزاز أو ضغوط قد تمارس عليها من هذه العاصمة
أو تلك.
المصدر: المونيتور