"حماس" تغير
استراتيجيتها القتالية
أساف جبور
"حماس"
أواخر 2013 منظمة مختلفة على نحو ظاهر عما كانت عليه قبل سنة، قبل حملة عمود
السحاب. فقد صفي في هذه الحملة من كان صاحب القوة الكبرى في القطاع، رئيس الذراع
العسكرية احمد الجعبري، وهذا الفراغ، بكل معنى الكلمة، ملأه الآن من كان معروفا
جيداً ليس فقط في القطاع بل في إسرائيل أيضا – "الإرهابي" الكبير محمد
ضيف.
ضيف
هو من يقف على رأس الهرم كقائد عام لكتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية
ل"حماس". فبعد أن نجا من عدة محاولات تصفية للجيش الإسرائيلي فقد في
أثنائها عيناً، ساقين، ويدين، وضعه الصحي ليس واضحاً. فهو مشلول على كرسي متحرك،
إلا أنه رغم عجزه فهو الذي يصدر الأوامر والتعليمات للمقاتلين ويتصدر، ضمن أمور
أخرى، المساعي لتصعيد نشاطات "حماس" في "يهودا"
و"السامرة" (الضفة) وبناء بنية تحتية متجددة للمنظمة. العجز، كما يجدر
بالذكر، لا يشكل قيدا في نظر رجال "حماس". فالشيخ احمد ياسين، الذي أسس
"حماس" وكان زعيمها غير المنازع، أدى في قسم مهم من حياته مهامه على
كرسي متحرك، وحرك نشاطا "إرهابيا" كثيفا ضد إسرائيل الى أن صفي.
ولكن
ليست فقط الضربة التي تلقتها في الحملة هي التي غيرت وضعها، فبقدر لا يقل عن ذلك
اثر الرهان الفاشل، الذي عقده زعماؤها على ما بدا كفرصة كبرى – صعود "الإخوان
المسلمين" ومحمد مرسي الى الحكم. من سرق الأوراق واصبح كابوسا ل
"حماس" هم رجال الجيش المصري، وعلى رأسهم وزير الدفاع عبد الفتاح
السيسي.
والآن
بدأت "حماس" تتكيف مع الواقع المرير، وقيادتها، وكذا قادة الذراع
العسكرية فيها، اجتازوا مرحلة الأزمة الكبرى، ويجدون السبل لتلبية احتياجاتهم
الاقتصادية والعملياتية، وينجحون في البقاء والحفاظ على نظامهم في قطاع غزة.
الأزمة
الكبرى
2012
كانت سنة حرجة بالنسبة ل"حماس". كانوا واثقين من نجاح "الإخوان
المسلمين" في مصر، قرر قادة المنظمة ترك البيت الحميم في دمشق، وترك بشار
الأسد في حربه ضد الثوار، والاحتماء في الحضن الدافئ لحكم "الإخوان
المسلمين" في مصر. رئيس المكتب السياسي ل"حماس"، خالد مشعل، أغلق
مكاتب القيادة السياسية في دمشق، وانتشر أعضاؤه بين لبنان، قطر، ومصر، وانتهت قصة
الغرام التاريخية بين سورية و"حماس" بالاتهامات من جانب المنظمة ضد الأسد
الذي يذبح شعبه.
ولكن
عندها كما اسلفنا سقط نظام "الإخوان المسلمين" في مصر، وأصبحت
"حماس" مكروهة في نظر نظام السيسي. واتهم الجيش المصري "حماس"
بالإرهاب الذي يعربد في سيناء، وشرع في حرب إبادة ضد نشاط أنفاق التهريب التي شكلت
أنبوب أكسجين لقطاع غزة اقتصاديا. وتوقف تدفق السلاح الى قطاع غزة وعبور أموال
الضرائب الهائلة التي تجبيها "حماس" لقاء النشاط التحت أرضي في هذه
الأنفاق، التي دمرت الواحد تلو الآخر.
النزاع
مع إيران
استقبل
هجر المنظمة لسورية بغضب في طهران، التي كانت دفعت في الماضي ل"حماس"
أموالا كثيرة. كما أن تيار المال هذا خبا، وفي ضوء الوضع اليائس لم يتبقَ للمنظمة
خيار غير محاولة رأب الصدع مع إيران. ويبذل مشعل جهودا جمة لاستئناف العلاقات معها
وعلى إقناع آية الله علي خامنئي بالعودة الى الثقة بمنظمته، كجزء من الثورة
الإسلامية التي يسعى الى قيادتها. والتقدير هو أن النار المتجددة، مؤخراً، من قطاع
غزة، والنفق المتفجر الذي أعدته "حماس" في الأسابيع الأخيرة، موجهة
أولاً وقبل كل شيء نحو العيون الإيرانية لإقناعها بأن الانتفاضة في غزة لا تزال
حية، وانه رغم الاتفاقات مع إسرائيل فإن "حماس" لا تزال تعمل من تحت
الأرض ضد "العدو الصهيوني".
حتى
الآن لم تنجح محاولات المصالحة مع طهران. احد الأسباب الأساس هو محاولة إيران خلق
صورة جديدة حيال الغرب، ولا سيما حيال الولايات المتحدة. وهي لا تسارع الى أن تضم
الى حضنها "حماس" مرة أخرى، التي تصفها واشنطن كمنظمة إرهابية، وفي
الطريق تسعى إيران الى ان تلقن "حماس" درسا.
في
القطاع أيضا توجد ل"حماس"، مشاكل وهي تعيش حربا طويلة ضد منظمة
"الجهاد الإسلامي" التي تواصل تلقي الدعم من الإيرانيين وجمع القوة.
ولزيادة قوتها تدير منظمة الجهاد شبكة دعوة مهمتها جمع التأييد، التعاطف، والقوة
والاستثمار في عائلات السجناء والمحتاجين.
كما
أن منظمات اصغر مثل "تمرد" ومنظمات سلفية أخرى تشكل تحديا لقدرة
"حماس" على الحكم وتحاول القضم من قوة المنظمة، التي لا تزال تعتبر رب
البيت في القطاع.
خلية
السيطرة
كما
أسلفنا، فإن تصفية رئيس الذراع العسكرية ل"حماس"، احمد الجعبري، في الأيام
الأولى ل"عمود السحاب"، أحدثت هزة شديدة بل صدمة في المنظمة. ووجد
المقاتلون في الميدان صعوبة في العمل في ظل غياب قائدهم المركزي. والآن تجري إعادة
تنظيم الخلية العملياتية للذراع العسكرية في المنظمة: رئاسة الذراع العسكرية أخذها
عمليا أناس مركزيون مثل مروان عيسى، الذي يعتبر رئيس الذراع، ورائد العطار، الذي
يشغل منصب رجل العمليات في المنظمة.
في
"حماس" يوجهون انتقادا شديدا ضد السلطة الفلسطينية التي تستخدم أجهزتها
الأمنية ضد نشطاء "حماس" و"التعاون مع العدو الصهيوني".
فالتنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة هو احد أسباب فشل مساعي الوحدة الفلسطينية
بين "حماس" و"فتح". وتسعى "حماس" لبذل جهود كبيرة
للتسلل والتعزز في مناطق الضفة، دون نجاح كبير حتى الآن.
تغيير
المنظومة القتالية
تلقى
الذراع العسكرية ل"حماس" تعزيزا مهما منذ صفقة شاليت. فبعض من محرري
الصفقة هم شركاء في قرار القيادة إحداث تغيير في الاستراتيجية القتالية للقتال.
قبل الحملة كانت الفكرة هي استخدام الضغط النفسي والاستنزاف للجبهة الإسرائيلية
الداخلية من خلال القصف الصاروخي المتقطع الى مسافات قريبة لزمن طويل، وإطلاق
صواريخ بعيدة المدى فقط لتحقيق إنجازات معنوية اكبر.
وجدت
"حماس" صعوبة في أن تقدم لسكان القطاع تفسيرات منطقية للدمار الذي ألحقه
الجيش الإسرائيلي بغزة. ولهذا فقد قررت المنظمة الانتقال الى جولات حربية قصيرة.
وبالتشاور مع الإيرانيين وبالتنسيق مع الجبهات الأخرى – لبنان، "حزب
الله"، تقرر الانتقال الى إنتاج مكثف للصواريخ بعيدة المدى والتسلح بقوة
نارية متنوعة مثل الصواريخ ذات المسافات القصيرة والمتوسطة، الصواريخ المتطورة
الموجهة بالليزر ضد دبابات من طراز كورنيت وصواريخ كتف ضد الطائرات من طراز
ستريلا، التي يفترض أن تمنع الحركة الحرة لطائرات سلاح الجو في المجال الجوي لقطاع
غزة وتوفير ضربة نارية فتاكة لجولة عنف قصيرة الزمن. كما أن بنية الأنفاق تعززت،
لغرض نقل السلاح والهجوم ضد دوريات الجيش الإسرائيلي والبلدات في إسرائيل. أنفاق
هجومية مثل النفق المتفجر الذي اكتشفه وفجره الجيش الإسرائيلي مؤخرا، تستهدف
السماح بتنفيذ هجوم "إرهابي" يقوم به نشطاء الذراع العسكرية ولضرب
المدنيين وخطف الجنود.
كما
حفرت الأنفاق أيضا داخل القطاع وهي تستهدف تحسين القتال ضد قوات الجيش الإسرائيلي
التي ستتوغل الى المنطقة في المستقبل. وخلق نشطاء "حماس" عمليا غزة تحت
أرضية، مبنية من شبكة أنفاق يفترض أن يستخدمها المقاتلون لغرض العبور الأمن بين
المناطق المختلفة، في ظل هجوم جوي وفي وجه مقاتلي الجيش الإسرائيلي في الحملة
القادمة. ومنذ حملة "رصاص مصبوب" كان هناك استخدام ضيق لهذه الأنفاق،
لغرض الحركة والاختباء من القصف الجوي للجيش الإسرائيلي.
وفي
السطر الأخير، لا تزال "حماس" غير مستعدة لمواجهة أخرى مع إسرائيل ورغم
استعداداتها الحثيثة، فإن قيادتها السياسية وعلى رأسها خالد مشعل لا تزال أقوى من
القيادة العسكرية، وهي تتبنى سياسة احترام اتفاق التهدئة مع إسرائيل.
"معاريف"،
13/11/2013
الأيام،
رام الله، 14/11/2013