حماس تفضّل الصفقة بدل الضربة مع السلفيّين
بقلم: عدنان أبو عامر
شهدت غزّة في 7 تمّوز/يوليو إعلان مبادرة للمصالحة
بين حماس والسلفيّين، قدّمها الشيخ عصام صالح، وهو إحدى الشخصيّات السلفيّة البارزة
في غزّة، عبر مؤتمر صحافيّ عقده في ساحة الجندي المجهول وسط مدينة غزّة.
حضر "المونيتور" المؤتمر، واستمع إلى بنود
المبادرة، التي طالبت بمنع التفجيرات الداخليّة في غزّة، ولم يتبناها أحد، واستنكارها،
ومنع التعذيب في سجون أجهزة الأمن في غزّة، إلّا ضدّ المتورّطين بالتعاون مع إسرائيل،
وعدم مهاجمة حماس بيوت السلفيّين، وإطلاق سراح معتقليهم، وإعادة أموالهم وأسلحتهم.
وفي الوقت ذاته، رفضت المبادرة التهديدات الموجّهة
ضدّ حماس، من أيّ جهة كانت، وطالبت بالتنسيق معها في المهام الجهاديّة ضدّ إسرائيل،
وإتاحة التدريب العسكريّ للسلفيّين في غزّة، وتوفير الإمكانات اللازمة لذلك.
الملاحقة الأمنيّة
رفض رئيس لجنة الداخليّة والأمن في المجلس التشريعيّ
عن حماس إسماعيل الأشقر إعطاء موقف من مبادرة المصالحة، لكنّه قال لـ"المونيتور"
إنّ "حماس تتعامل مع المجموعات السلفيّة في غزّة عبر مستويين: الأوّل أمنيّ وقانونيّ
يتعلّق بعدم السماح لها بالإضرار في الأمن الداخليّ، والثاني بالحوار الفكريّ لإبعاد
العناصر السلفيّة بالتحديد عن التطرّف، مع أنّ تنظيم الدولة الإسلاميّة غير موجود في
غزّة، بل هناك حالات فرديّة تتعاطف معه".
صدرت مبادرة مصالحة حماس والسلفيّين بعد 3 أيّام،
من توجيه تنظيم الدولة تهديدات إلى حماس في 30 حزيران/يونيو، وتحويل غزّة إلى بركة
من الدماء ضدّ حماس لأنّ الحركة لم تطبّق الشريعة الإسلاميّة في غزة إرضاء لأميركا
وإيران.
لكنّ مبادرة المصالحة بين حماس والسلفيّين الأخيرة
الذي يتحدث عنها هذا المقال، رفضت في 7 تمّوز/يوليو، تلبية دعوة عناصر تنظيم الدولة
بقتال حماس في غزّة، وطالب صاحب مبادرة المصالحة الشيخ عصام صالح بألا تكون المواجهة
بين الفلسطينيّين أنفسهم.
لم تعلن حماس موقفها من مبادرة المصالحة مع السلفيّين،
لكنّها تفضل كما يبدو، الذهاب إلى خيار الصفقة معهم بدل الضربة، والتسوية بدل المواجهة،
لأنّها تعلم أنّ الصدام مع السلفيّين يعني مزيداً من تأزيم الوضع الأمنيّ المتأزّم
أصلاً في غزّة، وحماس لا تريد أن تضع على نفسها أعباء إضافيّة داخل القطاع المحاصر.
مما يؤكد هذا الاستنتاج توفر معلومات وصلت
"المونيتور" من أوساط رفيعة في حماس لم تكشف هويتها، بوجود توجه جدي في هذا
الاتجاه التصالحي مع السلفيين، تمثلت بالإفراج عن بعض السلفيين خلال إجازة عيد الفطر
الأخير وسط يوليو الحالي.
يزداد الوضع لدى حماس تعقيداً في علاقتها مع السلفيّين
لأنّ معظمهم في الأساس من أبنائها، وقد خرجوا منها بعد خلافهم معها حول قضايا فكريّة
إيديولوجيّة مرتبطة بدخولها الانتخابات التشريعيّة الفلسطينيّة في عام 2006، وعدم تطبيقها
الشريعة، ويعتبرون أن حماس حين قررت دخول الانتخابات التشريعية، ولم تطبق الشريعة بعد
سيطرتها على غزة أواسط 2007، فقد ارتكبت مخالفات عقائديّة، قد تستحق أن يتم تكفيرها
بناء على ذلك.
كما أعلن الشيخ سالم سلامة عضو المجلس التشريعي عن
حماس، ورئيس رابطة علماء فلسطين، يوم 20 يونيو، أن حماس تحاور العناصر التي تحمل أفكاراً
متطرفة يناصرون تنظيم الدولة، حيث تقوم الحركة من خلال العلماء والدعاة، بمحاورة هؤلاء
السلفيين، لمحاولة ثنيهم عن التطرف، والعدول عن ميولهم المتطرفة، لأن حماس ترى أن محاورتهم
الفكرية بعيدا عن المواجهة الأمنية هي الحل الأمثل.
لم يعط الصفّ الداخليّ في حماس، كعادته، موافقة بالإجماع
على توجّه الحركة بالمصالحة مع السلفيّين، بل كان هناك مؤيّد ومعارض ومتحفّظ، علم بها
"المونيتور" من نقاشات تجري داخل حماس، ممّا يشير إلى وجود تنوّع في الآراء
الداخليّة في حماس، وقد تكرّر اختلاف الآراء الداخلية هذا في المصالحة مع فتح في يونيو
2014، وحرب غزة الأخيرة يوليو وأغسطس 2014 مع إسرائيل، وقد حرصت حماس أن تبقى هذه الآراء
المتنوعة داخل صفها التنظيمي دون خروجها للعلن، لعدم إظهار أن هناك خلافات داخلية.
لكن خشية بعض كوادر حماس من المصالحة مع السلفيّين،
ظهرت في مناقشاتهم على الـ"فايسبوك" في 8 تمّوز/يوليو، على صفحة الناشط الحمساوي
البارز ياسين عز الدين، لأنّها قد تمنحهم موطئ قدم في غزّة تدفعهم إلى إحداث قلاقل
أمنيّة فيها، أو إلى استقطاب عناصر جديدة إلى مجموعاتهم، وربّما تعطيهم بعض الوقت لتنظيم
صفوفهم، والاستعداد لمواجهة حماس.
مخاوف بعض كوادر حماس من إجراء المصالحة مع السلفيين،
ومطالبة بعضهم بضرورة ملاحقتهم أمنياً وعدم مصالحتهم، ثبتت مصداقيتها بعد أن شهدت مدينة
غزّة فجر19 تمّوز/يوليو تفجيرات متتالية استهدفت 5 مركبات تعود إلى كوادر كبيرة في
حماس والجهاد الإسلاميّ، ووضعت أمام التفجيرات شعارات تعود إلى تنظيم الدولة.
وقال الناطق باسم وزارة الداخليّة في غزّة إياد البزم
لـ""المونيتور" إنّ "منفّذي التفجيرات هم عناصر إجراميّة، وإنّ
الأجهزة الأمنيّة باشرت بالتحقيق في الحادث، وتعمل على تعقّب الفاعلين الذين لن يفلتوا
بجريمتهم".
وقال أحمد يوسف المستشار السياسيّ السابق لإسماعيل
هنيّة نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، لـ"المونيتور" إنّه "يؤيّد أيّ
مبادرة تبقي قنوات التواصل بين حماس والسلفيّين في غزّة، عبر إيجاد آليّات تنسيقيّة
يحتكمان إليها لحلّ خلافاتهما، لأنّ بعض العناصر غير السويّة بحثت عن غطاء من المجموعات
السلفيّة للإخلال بأمن غزّة، وكشفت التحقيقات الأمنيّة في غزّة أنّ بعض من قام بتجنيد
عدد من العناصر للمجموعات السلفيّة جهّات مشبوهة مرتبطة مع إسرائيل".
تطوّرات الإقليم
تزامنت مبادرة مصالحة حماس والسلفيّين مع اتّهام
إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة بأنّ غزّة باتت حاضنة لتنظيم الدولة، لاسيما بعد تفجيرات
قامت بها ولاية سيناء استهدفت الجيش المصريّ في 1 تمّوز/يوليو في سيناء، وأسفرت عن
عشرات القتلى والجرحى منه، لكنّ صاحب المبادرة الشيخ عصام صالح نفى لـ"المونيتور"
وجود علاقة بين تنظيم الدولة في سيناء والجماعات السلفيّة في غزّة.
تزامن صدور مبادرة المصالحة مع تقارير صحفية تحدثت
عن حظر حماس يوم 6 تمّوز/يوليو لـ"حركة الصابرين"، المقرّبة من إيران، لاتّهامها
بنشر الفكر الشيعيّ بين أوساط سكّان غزّة، دون توضيح طبيعة طريقة الحظر.
وفي حين رحّبت الأوساط السلفيّة في غزّة بقرار الحظر،
على لسان الداعية السلفي البارز الشيخ مجدي المغربي يوم 7 يوليو، فقد نفى رئيس
"حركة الصابرين" هشام سالم في تصريحات صحافيّة في 10 تمّوز/يوليو، علمه بوجود
قرار بحلّ حركته، أو تحجيم عملها، مكتفياً بالقول أنه سمع بقرار الحظر مما يردده نشطاء
شبكات التواصل الاجتماعي.
وأضاف: "نحن لا نأخذ إذن من أحد، والمطلوب دائما
أن يكون أي عمل لأي جهة ضمن الإطار الوطني فقط وهو ما نلتزم به".
ورفض رئيس لجنة الأمن في المجلس التشريعيّ عن حماس
إسماعيل الأشقر، في حديث إلى "المونيتور" نفي قرار حلّ "حركة الصابرين"
أو تأكيده، لكنّه أكّد قائلاً: "تخلو غزّة من الفكر الشيعيّ، ونحن أهل سنّة، ونتبع
الفكر الإسلاميّ الوسطيّ، ولا نقبل بوجود أفكار شيعية، وهذه ثقافة المجتمع الفلسطينيّ
في غزّة".
صحيح أنّ غزّة مرتبطة بالضرورة بالتطورّات المتلاحقة
في الإقليم، لا سيّما حالة الاستقطاب المتزايدة بين إيران والسعوديّة، لكن يبدو أنّ
أسباب مصالحة حماس مع السلفيّين داخليّة بحتة، مرتبطة برغبة الحركة بضبط الوضع الأمنيّ
في القطاع، ووقف ظاهرة التفجيرات الأخيرة، وليس بإرضاء أطراف خارجيّة.
كما أنّ توجّه حماس بتحجيم عمل "حركة الصابرين"،
جاء عقب ضغوط داخليّة في حماس بضرورة وضع حدّ لتمدّد الحركة في غزّة، ووجود قطاعات
واسعة من الدوائر الدينيّة الشرعيّة في حماس ترفض أيّ وجود للمذهب الشيعيّ في غزّة.
حالة الفتور بين حماس وإيران، تحرم طهران من ممارسة
أيّ ضغوط على حماس، تستطيع بموجبها أن تفرض عليها السماح بنشر الفكر الشيعي في غزة،
في ظل تراجع دعمها للحركة، وفي الوقت ذاته يطلق أيدي حماس لوقف أي انتشار لهذا الفكر
بين الفلسطينيين.
المصدر: المونيتور