القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

حماس وإيران من جديد.. حذار من التورط

حماس وإيران من جديد.. حذار من التورط


بقلم: ياسر الزعاترة

من الواضح أن المأزق الذي تعيشه حماس في قطاع غزة، وحالة الاستهداف التي تواجهها على كل صعيد، تدفع كثيرين إلى المطالبة بالرحيل إلى إيران لمواجهة المأزق، الأمر الذي يخضع لجدل كبير في أوساط الحركة، بين قواعد تعيش أجواء الأمة، وبين جزء من قيادة لا ترى المسألة إلا من زاوية المأزق الذي تعيشه في القطاع.

لو كنا أمام معادلة إما أن يبقى الحصار وتنجح المؤامرة، وإما أن نذهب إلى إيران، لكان بالإمكان الحديث عن مبرر قابل للنقاش، مع أنني أرى أن لا خسارة في السياسة بالنسبة لحركات المقاومة والتحرير والتغيير تعدل خسارة جماهير الأمة، لكن المصيبة أن المشهد لا يبدو على هذا النحو بأي حال.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، بخاصة على الذين ينادون بتفعيل العلاقة مع إيران، ويواصلون مد الجسور معها خارج سياق القرار الرسمي، بل يتغزلون بها على الفضائيات، هو: لماذا لا تقدم لكم إيران شيئا مقابل ذلك؟ ولماذا لم يكن كافيا شكرها من قبل أبي عبيدة، ولم تكف رسالة محمد الضيف لنصر الله كي يتواصل الدعم؟ ولماذا يشترطون أن يجري إذلال الحركة من خلال رئيس مكتبها السياسي، كأنها تأتي إلى بيت الطاعة، فضلا عن تغيير موقفها من سوريا؟!

إذا كانت إيران حريصة على المقاومة، فلماذا لا تدعمها دون شروط مذلة؟ ولماذا لم تقدم أي شيء في حرب الـ51 يوما لحماس، مما اضطر الأخيرة إلى أن تبادر بالاتصال مع القادة الإيرانيين وحسن نصر الله لكي تحصل على تصريح سياسي لا أكثر بعد 17 يوما من القتال؟!

ها هي استحقاقات مديح قد قدمت، وفي ذلك الاحتفال الشهير، قدم أبو عبيدة إيران على تركيا وقطر في الشكر، لكن شيئا لم يصل أيضا، مع أن الجميع يعرف ما ذكرنا عن حرب الـ51 يوما، وما فعلته إيران، مقابل ما قدمه آخرون، وفي مقدمتهم جهات شعبية قدمت مساهمات كبيرة.

حتى حركة الجهاد التي تعتمد بالكامل على إيران، ولم تتورط في مواقف تغضب الحرس الثوري، لم تحصل على سلاح يُذكر بعد الحرب إياها، بل إن تمويلها قد تراجع أيضا، شأنها في ذلك شأن كل القوى التي تدعمها إيران، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في إيران إثر تدهور أسعار النفط.

إن الصفقة التي نحن بصددها تتمثل في أن تدير حماس ظهرها للأمة التي تشتبك مع إيران بشكل واسع في نقاط عديدة، وتعطي الغطاء لاحتلال أدواتها أربع عواصم عربية، وشهيتها للمزيد بنفس طائفي مفضوح، مقابل وعد بالدعم، لا يجزم أحد بما إذا كان سيتحقق أم لا، لا سيما ما يتعلق بالسلاح، ليس فقط لأن مسارات تهريبه باتت أكثر صعوبة، بل أيضا لأن إيران لا تنوي الاشتباك مع العدو الصهيوني في هذه المرحلة التي تتحول فيها إلى دولة مذهب عينُها على تثبيت مكاسبها الجديدة بأي ثمن..

وما جرى بعد اغتيال قادتها وقادة حزب الله في الجولان والرد المحدود بعد ذلك في شبعا، كان بمثابة رسالة واضحة بأن صراعنا لم يعد معكم أيها الصهاينة، ولكن لا تحرجونا، وفي المقابل فنحن لن نحرجكم، ولن نقترب منكم، لا في الجولان، ولا في جنوب لبنان، حتى لو اضطررنا لمواصلة الحديث عن المقاومة والممانعة لأغراض التسويق الدعائي!!

من هنا تتبدى سذاجة أطروحات البعض عن إحياء جبهة للمقاومة، لم تعد موجودة أصلا بعد أن تحول سلاح حزب الله إلى صدر الشعب السوري (ذهب للعراق أيضا باعتراف نصر الله)، وبعد أن تحول السلاح الإيراني عموما إلى أداة احتلال لعواصم عربية، وعبث داخلي بأخرى، ستظهر تجلياته لاحقا، ربما في البحرين، وربما في السعودية وغيرها، ما لم يُلجَم عدوانه بالطرق المناسبة.

ثم إن إيران ليست معنية أبدا بتوتير العلاقة مع مصر السيسي، الذي يشكل أداة الحصار الأكبر لقطاع غزة، لاسيما أنها ترى أنه معها في مسألة الإبقاء على بشار الذي يمثل الركن الأكبر في مشروع تمددها في المنطقة، وهي لن تقايض العلاقة معه بالعلاقة مع حماس.

أما الأهم في هذا السياق فيتمثل في حقيقة أنه لن يكون بوسع حماس أن تذهب إلى طهران في ذات الوقت الذي تعانق فيه تركيا وقطر، فهذا بلغة التحالفات لن يكون مقبولا، لا سيما أن الوضع بين المعسكرين في حالة اشتباك واضح، وعليها تبعا لذلك إدراك حقيقة أن رحيلها إلى معسكر سيفضي إلى خسارة دعم المعسكر الآخر، وبذلك تشتري دعما ملموسا بوعود لا تدري هل تتحقق أم لا!

مع ذلك، نعود إلى القول إن خسارة الأمة هي الأكبر، وحتى داخل قطاع غزة سيذهب كثيرون إذا ذهبت حماس إلى إيران نحو مربعات جهادية، مما سيعزز فرص الالتحام بالفوضى في سيناء، وتقديم مبرر للسيسي كي يرد بطريقته، والنتيجة بميزان المصالح والمفاسد ستذهب من دون شك نحو رفض إعادة العلاقة مع إيران، وبالثمن الذي تريده الأخيرة، من دون أن يعني ذلك الاشتباك معها، مع أن كل الغزل الذي شهدناه خلال شهور لم يسفر عن أي شيء من الناحية العملية كما أسلفنا من قبل.

إن حل القضية الفلسطينية والتيه الذي تعيشه مع عباس، إلى جانب الحصار الذي يعاني منه القطاع، لا يكون إلا بالعمل الحثيث على تفجير الوضع في الضفة بانتفاضة شاملة، لأن هناك جوهر القضية، وأساس الصراع. ولن يتم ذلك من غير البحث عن أدوات جديدة أهمها حث الشباب على إطلاق مبادرات فردية واسعة في المقاومة بعيدا عن لعبة تشكيل الخلايا التي يطاردها التنسيق الأمني وتفشل في الغالب.

أما في قطاع غزة، فلا مجال لغير الصبر والصمود، والاستفادة من بعض الحلفاء في تحسين الوضع، وانتظار تطورات أفضل في الإقليم، لا سيما أنه لا يوجد حل عملي، لا مع عباس، ولا مع دحلان، فكلاهما يريد رضا السيسي، والأخير لا يعنيه شيء قدر رضا نتنياهو، ولن يرضى هذا إلا بنزع سلاح المقاومة.

على حماس أن تحسبها جيدا، وتكفي الحسابات الخاطئة منذ دخول انتخابات 2006 ولغاية الآن، فهذا الكم من البطولة والتراث الرائع يستحق أن تتم المحافظة عليه في وعي جماهير الشعب والأمة، بانتظار جولات أخرى أفضل، وهي قادمة من دون شك، حتى لو حصل تراجع ما في مرحلة بائسة كهذه.

المصدر : الجزيرة