القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

حماس والجهاد.. حِلف الضّرورة

حماس والجهاد.. حِلف الضّرورة

صلاح حميدة

يُثير توقيت الاتفاق الأخير بين حركتي "حماس" و "الجهاد" في قطاع غزة الكثير من التساؤلات في الأروقة السياسية الفلسطينية، لأهمِّيَّته، ولدلالاته السياسية والاستراتيجية الكثيرة، ولمن يتابع نشأة الحركتين، وعلاقاتهما، وتعقيدات المشهد، وطبيعة التفاصيل، والخلافات أحياناً، والحوار المتواصل منذ سنوات لتوحيد الحركتين، أو لصياغة علاقة تحالفية بينهما، يدرك المتابع أهمّية ما جرى الاعلان عنه في قطاع غزة من قبل قيادة الحركتين، والذي تضمن تشكيل هيئة قيادية تدير علاقاتهما في العديد من الجوانب السياسية والنقابية.. والتي سبقها بكثير التعاون على الصعيد العسكري.

بادر الشهيد فتحي الشقاقي لتأسيس حركة الجهاد التي تبنت العمل المسلح منذ نشأتها، فيما كان الاخوان يرغبون بالمزيد من الوقت لتأسيس قاعدة تنظيمية تستطيع حماية وتَحَمُّل تبعات هذا العمل، وخاصة بعد انقطاعهم عن العمل العسكري لأسباب موضوعية منذ جهادهم ضد المشروع الصهيوني عام 1948م، وما عُرِف ب " معسكرات الشيوخ" والتي كان عملها ينطلق من الأردن في الستينات.

بعد انطلاق الانتفاضة الأولى وولوج الإخوان - من خلال حماس - للعمل المسلح، برزت الدعوات لتوحيد الحركتين، وكان الخلاف يتمحور – حسب مصادر من الحركتين منتصف التسعينيات في السجون – حول الوحدة الاندماجية، والوحدة التعددية، فكون "حماس" حركة كبيرة، كان طبيعياً أن يرى بعض عناصر الجهاد أنّ حركتهم ستذوب فيها إذا كانت الوحدة اندماجية، فيما كانت "حماس" ترى غير ذلك حينها. بالاضافة إلى اختلافات أخرى رأى كل طرف أنّها تعيق تلك الوحدة، وكانت تشكل عائقاً دون تقاربهما إلى المستوى المطلوب في تلك الفترة، خاصة وأنهما حركتان اسلاميتان تتشابهان في الكثير من الجوانب.

موقف الحركتين من اتفاقية أوسلو، وتبنيهما للعمل المسلح المقاوم للاحتلال، ودخولهما بقوة في انتفاضة الأقصى، وتنفيذهما لعمليات نوعية أذهلت العالم، وتحقيقهما – برفقة فصائل مقاومة أخرى- لانجازات مهمة في قطاع غزة، تمثلت في إجبار الاحتلال على الانسحاب، والصمود في حربين طاحنتين على القطاع، وتشكيلهما لما يشبه جيوشا مقاومة تحسب لها الكثير من الأطراف الدولية والاقليمية ألف حساب، وإعلانهما بيان النصر من القاهرة معاً، والعلاقات المتميِّزة بين الكثير من قيادات الحركتين، شَكَّلَ فرصةً لتقارب كبير بينهما.

بالرغم من أنّ موقِفَي الحركتين كان فيه نوع من الاختلاف بالنسبة للملف السوري، إلا أنّ وجود رقبة القضية الفلسطينية والقدس والأقصى والمقاومة الفلسطينية على المقصلة بعد ما جرى في مصر وفي سوريا، و ربما التحولات الناعمة في ايران، كل هذا دفع الحركتين للتفكير ملياً في تشكيل تلك القيادة المشتركة، لخوض أشرس وأخطر معركة ربما تتعرض لها القضية والمقدسات والمقاومة الفلسطينية في تاريخها.

ولذلك شكلت المنطلقات الفكرية والميدانية، والتحولات في المنطقة والعالم، والعلاقات المميزة بين قيادتي الحركتين، والرؤية الاستراتيجية، والمخاطر المُحدِقة بالقضية وبالمقاومة الفلسطينية، شكَّلت جميعها رافعةً لهذا الاتفاق الذي يعكس إدراكاً لطبيعة المرحلة، واستشعاراً لأهمية الوحدة على الأرض لمواجهة التحديات، والتصدي للمخاطر والتهديدات.