القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

حماس وحزب الله.. ما قبل قطيعة الحليفَين

حماس وحزب الله.. ما قبل قطيعة الحليفَين

بقلم: عدنان أبو عامر

لم يعد سراً تراجع العلاقات السياسيّة التي ربطت أبرز حليفَين في المنطقة منذ أكثر من عشرين عاماً: حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان، في ضوء اختلاف مواقفهما من الثورة السوريّة وبروز محاور جديدة في المنطقة بدلاً من المحورَين السابقَين قبل اندلاع الربيع العربي.

ففي حين اصطفّ كلّ من حماس وحزب الله في السابق في ما سمّي محور "الممانعة" الذي تزعّمته إيران وسوريا في مقابل محور "الاعتدال" الذي قادته مصر والسعوديّة والأردن، جاءت الثورات العربيّة لتُحدث تغييراً في المحاور. فنشأ "المحور السنّي" تقوده مصر والسعوديّة وتركيا وقطر ورأت حماس نفسها جزءا منه في مقابل "المحور الشيعي" الذي قادته إيران وسوريا والعراق ومن ضمنه حزب الله.

عوامل الفتور

لن يخوض هذا المقال التحليلي في الأبعاد التاريخيّة لتحالف حماس وحزب الله، لأن ذلك بات معروفاً لدى الجميع. لكنه سيركّز أكثر على ما لا يعرفه الجميع، وهو أسباب الفتور بين الطرفَين وتراجع العلاقة بينهما ووصولها إلى حدّ الاتهامات المتبادلة عبر وسائل الإعلام في الأسابيع والأيام الأخيرة.

قد بدأ الفراق حين بدأ النظام السوري يستخدم النار ضدّ المتظاهرين السلميّين في شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو من العام 2011، فتدخّل زعيم حماس في دمشق خالد مشعل لدى قادة النظام قائلاً بضرورة التحاور مع المتظاهرين بدلاً من استخدام العنف ضدّهم، في حين قام زعيم حزب الله حسن نصر الله بمساع شبيهة لدى الرئيس السوري بشار الأسد. لكن نصر الله اضطرّ في النهاية للوقوف إلى جانب الأسد، ربما استجابة لقرارات إيران الحليف الأقوى له في العالم.

ومع اختلاف المواقف بينهما، حافظ كلّ من حماس وحزب الله على الحدّ الأدنى من العلاقة بينهما، أقلّه في ما يتعلّق بالاتصالات السياسيّة والمؤتمرات الإعلاميّة، إلى أن جاء قرار قيادة حماس بالخروج من الأراضي السوريّة في كانون الأول/ديسمبر من العام 2011. وهو ما لاقى اعتراضاً في أوساط الحزب، لأنه كان يعني خروج حماس من هذا المحور وتوجّهها إلى المحور المعادي الممثّل بمصر وقطر.

وعلى الرغم من ذلك، بقي الحزب صامتاً في ما يتعلّق بانتقاد خروج حماس من سوريا، وأصدر تعميماً داخلياً يمنع مسؤوليه من توجيه أي انتقاد لها في حين انتقدته الحركة على تدخّله في الحرب الدائرة على الأراضي السوريّة. وذلك، رغبة من الحزب بعدم تدهور العلاقة معها إلى خط اللارجعة!

ومؤخراً بادر حزب الله إلى عقد لقاء مع وفد من حماس في 15 حزيران/يونيو الجاري، ترأسه مسؤول الملف الفلسطيني في الحزب "حسن حب الله" في بيروت. وقد بحث الطرفان في آخر المستجدّات الإقليميّة، على الرغم من الفتور الذي يسود علاقتهما.

وعلى الرغم من رغبة الطرفَين بإبقاء خلافهما حول الأزمة السوريّة المتصاعدة محصوراً، إلا أن ذلك لم يمنع من خروج بعض التسريبات لتبلغ وسائل الإعلام، حول توتّرات شهدتها بعض المناطق اللبنانيّة حيث مقرّ حزب الله وكذلك محلّ إقامة بعض قيادات حماس. وقد خشي الجانبان أن تؤدّي هذه التسريبات إلى خلافات ميدانيّة بين عناصرهما.

فقد دعت أوساط مقرّبة من الحزب في 30 أيار/مايو المنصرم كوادر حماس في لبنان إلى مغادرته، على خلفيّة ما قيل عن مشاركتها في الحرب ضدّ نظام الأسد. وهو ما نفاه ممثّل حماس "علي بركة" موضحاً أن الجسم الرئيسي لحماس في لبنان موجود في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين، وأن إقامة ممثّليها في الضاحية الجنوبيّة معقل حزب الله هو وجود رمزي ليس أكثر، مشيراً إلى أن علاقات حماس قائمة مع الجميع بما فيهم حزب الله.

لكن مسؤولاً كبيراً في حماس أبلغ "المونيتور" بأن الخبر كان مفتعلاً بالدرجة الأولى من قبل حزب الله، وذلك حتى تخرج حماس وتقوم بنفيه وتشيد بعلاقاتها معه. وهو ما حصل عليه فعلاً!

توتّر آخر يضاف إلى علاقات حماس وحزب الله، وهو ما ذكره قائد ميداني في الحزب عن عثوره على عبوات ناسفة في مدينة القصير السوريّة، وأن طريقة حفر الخنادق المتّبعة من قبل المسلحين السوريّين الذين قاتلوهم تشبه الطريقة التي تعوّد عليها ورآها من قوّات صديقة خارج سوريا، قاصداً حماس من دون أن يسمّيها صراحة.

أضاف القائد في حديث إعلامي أن غالبيّة رجال حزب الله قتلوا في القصير بسبب قيامهم بتفكيك العبوات الناسفة التي تمّ وضعها وزرعها. والمواد المستخدمة في صناعتها وطريقة ربطها، هي نفسها التي درّب الحزب عليها مقاتلين فلسطينيّين تابعين لحماس في مراحل سابقة، ما يعني أن الحركة –بحسب رأيه- نقلت هذه الطريقة والتقنيّة إلى المجموعات المسلّحة السوريّة ودرّبتها عليها.

وقد بلغ الأمر ذروته في أزمة حزب الله مع الفلسطينيّين، حين وزّع مساعدات تموينيّة وغذائيّة على النازحين الفلسطينيّين القادمين من سوريا في مخيّم عين الحلوة في مدينة صيدا اللبنانيّة، فقام هؤلاء بحرق المساعدات لأنه وبحسب ما اعتبروا، يقدّمها لهم مستخدماً اليد اليمنى في حين يقدّم للنظام السوري السلاح والقنابل والصواريخ لقتلهم باليد اليسرى. وهذه خطوة غير مسبوقة في المخيّمات الفلسطينيّة بعد طرد وفد من حزب الله من المخيّم نفسه للسبب عينه.

مشاورات في حماس

في تطوّر ملفت لتوتّر العلاقة بينهما، أصدرت حماس الإثنين الماضي في 17 حزيران/يونيو الجاري، بياناً ملفتاً يطالب حزب الله بسحب قوّاته من سوريا وبإبقاء وجهته المسلّحة نحو إسرائيل. وذلك في انتقاد غير مسبوق، وقد اتّهمته بالإسهام في زيادة الاستقطاب الطائفي في المنطقة بين السنّة والشيعة عبر تدخّله العسكري إلى جانب النظام السوري.

وتؤكّد معلومات "المونيتور" الخاصة أن هذا البيان غير المسبوق صدر عقب لقاء شهدته العاصمة المصريّة القاهرة جمع قيادتَي حماس في الداخل والخارج، ما يعني أن الحركة ترى نفسها منسجمة في موقفها من حزب الله وإيران، بسبب ذهابهما بعيداً في تأييد نظام الأسد على الرغم مما ارتكبه من جرائم حرب ضدّ المواطنين السوريّين، وكذلك بسبب مضي إيران من دون يأس بمحاولة استقطاب بعض أوساط حماس إلى جانبها، وإن لم تكن تتمتّع بأهمية قياديّة في الحركة.

لكن من المهمّ القول بأن هذا الإجماع داخل حماس يأتي على الرغم من وجود أصوات مغايرة فيها، بخاصة من قبل القائد السياسي في غزّة الدكتور محمود الزهّار الذي أكّد على رغبته بإبقاء العلاقة مع حزب الله وإيران على الرغم من اختلافهما حول الثورة السوريّة. كذلك يجري الحديث عن رسالة بعث بها القائد العسكري لحماس مروان عيسى إلى زعيم الحركة خالد مشعل، من أجل الحفاظ على العلاقة مع الحزب وطهران وذلك لاعتبارات عسكرية ولعدم وجود بديل آخر يوفّر لكتائب القسّام الدعم اللوجستي والمساعدات التسليحيّة.

ويأتي ذلك بالتزامن مع ما زعمته أوساط إسرائيليّة حول معاناة حماس من نقص كبير في مخزون الصواريخ بسبب وقف إيران وحزب الله الدعم العسكري لها بعد دعمها للثورة السوريّة، ما يعني أنها دفعت ثمناً باهظاً وهي الآن قلقة على مخزونها من السلاح والصواريخ.

لكن الزهّار الذي فقد موقعه القيادي الأبرز داخل قيادة حماس في الانتخابات الأخيرة، وما بلغ "المونيتور" عن شخصيّة "عيسى" المنضبطة تنظيمياً، أمران يجعلان هذه الخلافات حول الموقف من حزب الله وإيران هامشيّة، لا سيّما وأن حماس أصدرت بياناً في 13 حزيران/يونيو وصفت فيه ما نُشر من تقارير بـ"الكاذبة". وتلك التقارير تتناول الخلافات داخلها بشأن العلاقة مع الحزب، وما قيل عن زيارة وفد منها إلى إيران لتهدئة التوتّر معها.

وهكذا، لا يبدو أن العلاقة بين حماس وحزب الله وإيران في طريقها إلى التحسّن، وذلك لأكثر من اعتبار واحد: فالحزب وإيران مندفعان للقتال أكثر فأكثر داخل الأراضي السوريّة إلى جانب النظام من جهة، ومن جهة أخرى تتنامى الأصوات العربيّة التي ترى حماس نفسها جزءا منها، بخاصة الموقف المصري الأخير الذي دعا إلى قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع النظام، وكذلك وصف الشيخ يوسف القرضاوي المرجعية الدينيّة لحماس والإخوان المسلمين، حزب الله بـ"حزب الشيطان"!

أخيراً، إن قراءة هادئة متأنية لمستقبل العلاقة بين حماس وحزب الله تعطي دلالات صعبة وقاسية على الجانبين. وتجدر الإشارة إلى أن لقاءً جمع مندوب "المونيتور" بمسؤول بارز في حزب الله في القاهرة قبل أيام، وحين سأله عن مصير هذه العلاقة أجاب: "الحزب ماض في مشواره باتجاه دعم النظام السوري حتى لو فقد كلّ أصدقائه"، قاصداً بذلك حماس!

المصدر: المونيتور