حماس وغُرماء من الحجَر !
بقلم: عادل الأسطل
طالما تحدثت حركة حماس عن علاقات متنامية مع الجانب المصري،
وتحديدا بالمؤسسة المخابراتية، وطالما تعِب لسانها من التأكيد بأن حدودها مع مصر مضبوطة،
وطالما أعلنت براءتها عمّا نُسب إليها بشأن ضلوعها في أحداث مُعادية، وتحدثت عن استعدادها
للتعاون مع المؤسسات الرسمية المصرية، بشأن أيّة مواضيع سياسية وأمنية، لكن كل ذلك
لم يشفع لها لدى المصريين في شيء، وحتى هذه الأثناء، بما يوحي أن هناك استمرارا للحال
في المستقبل أيضا، إذ ليس من الصعب التنبؤ بنتيجة كهذه، وفي ضوء أن حماس كما في المُخيّلة
المصرية، تشكل الشرّ الكبير للأمن القومي المصري، ربما يفوق الأخطار الخارجية – الإسرائيلية-
كما ينشر الإعلام المصري على الأقل.
فشل إعلانات حماس، لم يُشكل مفاجأة لأحد، باعتبارها من جملة
الإعلانات العديدة السابقة، التي أهملها الجانب المصري لأجل فرض إجراءات جديدة ضدها،
بدءا بالإجراءات الماديّة، التي اتخذتها مؤسسة الرئاسة، الحكومة، المخابرات، ومؤسسة
الجيش على نحو خاص، ومرورا بالهيئتين الإعلامية والقضائية، وأخيرا الإجراءات المعنوية
الآتية من شرائح مهمّة من الشعب المصري، وسواء كانت مسلمة وقبطيّة أو أقليّات أخرى.
جاء الإفشال المصري، من خلال المضيّ قُدما في عدم الانتباه
لأية خطوة حمساوية، بسبب أنها غير منسجمة معها، ولا تتوافق مع مسيرتها المتصلة بعلاقاتها
الخارجية، ربما فاق التغاضي الإسرائيلي، عن أيّة دعوات محلية وخارجية، التي تُكالب
بالكف عن محاصرة القطاع، وتخفيف العبء الحياتي لسكّانه، باعتبارها الغريم الأصلي لدى
الحركة الحمساوية وأتباعها على الأقل، ومن ناحية أخرى فإن القيادة المصرية تفضّل السلطة
الفلسطينية، التي تُعتبر بالنسبة لحماس من غرماء البطن، وأكثرهم شِدّة ضدها، كونها
شرعية وأكثر انسجاما مع الرؤى المصرية، وهناك مستقبل وافر في تنمية علاقات أكبر.
ويجيء السبب الأكبر في تحقيق ذلك الإفشال، مُضي الجانب المصري
في اتخاذ إجراءات صارمة، القصد منها التضييق على الحركة، برغم تراخي اقتصاديات القطاع
إلى مستويات متدنية، من خلال سعيه إلى تغليق المنفذ الأوحد- معبر رفح-، وتقنين حركة
التنقل باتجاهه، إلى الدرجة الأدنى، وبما تتطلبه الحالات الإنسانية فقط، وخلال فترات
مرتبطة بالحالة الأمنيّة.
كما مثّلت الإجراءات الكفاحية المختلفة، بشأن هدم الأنفاق
داخل منطقة الحدود، الفشل الأعظم بالنسبة لحماس ولسكان القطاع بشكلٍ عام، كونها الإجراءات
الأصعب على مدى تاريخ العلاقات المصرية - الحمساوية، حيث إن جميع الإجراءات التي اتخذها
نظام الرئيس السابق "حسني مبارك" بشأنها، كانت أكثر رحمة ورأفة، برغم استخدامه
أسافين فولاذيّة تنحدر إلى أعماق التربة، لشل حركتها ووقف حياتها.
كلما مرّ الزمن، وطالت العلاقات الفاترة بينهما (كدولة وكحركة)،
وكثُرت الإجراءات المترتبة عليها، اتضحت الصورة أكثر، وهي أن المعركة المصرية المعقدة ضد حماس لن تكون هادئة، وفي ظل
أن علاقاتها المتورّدة على نحوٍ ما، مع جهات عربية وخارجية هي بالنسبة إلى مصر خارجة
عن الصف وغير مرغوبة لديها، ما دامت ماضية على مسيرتها بعيدا عن الواقع الذي فرضته
الأوضاع الدولية، فقبل البت في استرجاع أي علاقات معها، يتوجب عليها الاستجابة للشروط
المصرية، بما فيها التخلّي عن حركة حماس.
من السهل علينا أن نتفهم الواقع الحاصل بالنسبة لمسيرة العلاقات
السيئة ولنقل الصراعية بينهما، باعتباره أسهل من الهرولة وراء آمال عِجاف، برغم قيام
كل منهما بالإعلانات (أحيانا) بأن حماس مُتعاونة، وبأن مصر متعاونة أيضا، لكن هذه لا
تعدو كونها مجرّد إعلانات مُخدّرة، تهدف إلى الطمأنة، أو لخدمة أهداف مُعينة وحسب،
فالقضية معقدة جدا، ولا تريد مصر تفكيكها، بل إنها تسعى إلى مواجهتها، فالالتزامات
المقطوعة عن الواقع التي بُذلت في المعركة الصداميّة، تجعل من الصعب جدا، إنشاء واقع
سياسي هادئ على الأقل.
كما أن دعوات حماس القديمة والمتجددة، التي لم تهدأ في إرسالها
للقيادة المصرية، بشأن وقف تشديد حصارها على القطاع، ووقفها لإجراءاتها الصعبة على
الحدود، وخاصة بالنسبة لحفر القناة المائية بمحاذاتها، باعتبارها تضر بتاريخ مصر وشعبها،
إضافة إلى الأضرار البيئية الناتجة عنها، بدت كالخيط الرفيع الذي لا يمكن إدخاله في
الصخر، باعتبارها لدى المصريين، تدخّلا سافرا في الشأن الاقتصادي على الأقل، وفي ضوء
أن إجراءاتها حتى بغض النظر عن الجوانب الأمنية والجنائية، فإنها تحفُل بمشروعات اقتصادية
ضخمة ستساعد في تنمية الاقتصاد المصري والسيناوي على وجه خاص.
ناهيكم عن مجموع الإشارات الإسرائيلية المُشجّعة، التي ما
فتئت تُشيد بتلك الإجراءات ليلا ونهارا، وتأمل على الاتجاهات كافة بنجاحها وتوفيقها
على الدوام، باعتبارها تساعد على بسط الأمن، وتساهم في استتباب الهدوء، ويجدر بنا عدم
نسيان الرؤية الفلسطينية – الرئاسية-، التي تؤكّد دوما، بأن ما يجري على الحدود من
إجراءات ضد الأنفاق، هو ضرورة فلسطينيّة ومصريّة في آن واحد.
المصدر: العربي21