حماس ومصر والعودة إلى نقطة الصفر
بقلم: عدنان أبو عامر
تزداد المخاوف في غزة من التوتر الذي عاد مجددا إلى العلاقة
بين حماس ومصر، بعد أن ظن الجانبان أن المياه بدأت تعود لمجاريها، في ظل بعض التحسن
الذي طرأ في الأشهر الأخيرة عقب ما قيل إنها وساطة سعودية.
فقد شهدت الأسابيع الأخيرة ضبابا مريبا يحيط بالعلاقة بينهما،
بحيث يوشك أن تعود أجواء التوتر وتبادل الاتهامات بينهما، كما كان سائدا منذ أحداث
يوليو/تموز 2013، في ضوء سلسلة من الأحداث الميدانية المتلاحقة، يمكن حصرها في النقاط
التالية.
خطف الشبان
ربما تكون الحادثة الأولى في تاريخ العلاقات المصرية الفلسطينية
في السنوات الأخيرة التي يختطف فيها أربعة شبان فلسطينيين من داخل الأراضي المصرية
في النصف الثاني من أغسطس/آب الماضي حين كانوا في طريقهم لاستكمال دراساتهم وعلاجهم
في الخارج.
"حيثيات اختطاف الشبان تؤكد أن جهات مصرية أمنية عسكرية
تقف خلف الحادث، بغض النظر عن اسمها أو تبعيتها، لأن البحث في احتمالات أخرى مثل تنظيمات
جهادية أو إسرائيلية، يضع علامات استفهام حول مدى سيطرة مصر على خاصرتها الشرقية في
سيناء"
حيثيات الاختطاف وظروف الاختفاء تؤكد أن جهات مصرية أمنية
عسكرية تقف خلف الحادث، بغض النظر عن اسمها أو تبعيتها، لأن البحث في احتمالات أخرى
مثل تنظيمات جهادية سلفية أو إسرائيلية، واتهامها بالمسؤولية عن عملية الخطف يضع علامات
استفهام عديدة حول مدى السيطرة الأمنية التي تفرضها السلطات المصرية على خاصرتها الشرقية
في سيناء على الحدود مع غزة، رغم العمليات العسكرية المتلاحقة هناك.
يبدو واضحا بعد مرور أسابيع على حادثة اختطاف الشبان الفلسطينيين
الأربعة من غزة داخل مصر أنها ستلقي بظلال سلبية صعبة على علاقة حماس مع مصر، فالحركة
لم تفتأ تطالب القاهرة بالكشف عن الخاطفين، وقد سلكت عدة طرق إعلامية وجماهيرية ووساطات
لمحاولة إغلاق الملف بأقل قدر من الخسائر، لكن القاهرة كما يبدو ليست بوارد التجاوب
مع هذه الجهود التي تبذلها حماس، وهو ما يفسح المجال للتكهنات بمآلات هذا الملف، ومدى
تأثيره السلبي على علاقة الجانبين.
قد لا تكون هذه السطور بوارد الإحاطة بوضع سيناريوهات محتملة
لنهاية حادثة المختطفين الفلسطينيين الأربعة، لكن أي احتمال لا يتضمن عودتهم سالمين
إلى ذويهم ستكون له تبعات سيئة على علاقة حماس ومصر، لا يبدو أن حماس راغبة في الذهاب
إليها، ولا سيما وهي في مرحلة ترميم لعلاقاتها الإقليمية، وترى أن الأولى في ذلك تحسين
العلاقة مع الجارة الكبرى مصر، التي تمسك بها من عنقها عبر معبر رفح.
رفض التهدئة
لم تخف مصر عدم رضاها عن المباحثات غير المباشرة الجارية
بين حماس وإسرائيل لإبرام تهدئة طويلة الأمد في غزة، مع وجود حالة من الاستياء السائد
في الأوساط المصرية مما تعتبره تهميشا من حماس للدور المصري، واكتفاء بالدورين القطري
والتركي، خصمي القاهرة اللدودين في هذه المرحلة، وهو ما ردت عليه مصر بخطوة سريعة على
الفور بمنع أي من قادة حماس من مغادرة غزة للتباحث مع قيادة الحركة في الخارج حول مآلات
التهدئة.
من المعلوم أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن عشية انتهاء
الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة صيف 2014، تم توقيعه في القاهرة برعاية مصرية، لكن
هذه الوساطة المصرية لم تنجح في إلزام إسرائيل بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، سواء باتجاه
المسارعة في إعادة إعمار غزة المدمرة، أو فتح المعابر التجارية، وغيرها من القضايا،
وهو ما ترك شعورا لدى حماس بالخديعة من السلوك المصري، وكأن القاهرة سلمت رقبة حماس
للإسرائيليين، وانتزعت منها قرار وقف إطلاق النار باليد اليمنى، دون أن تقدم باليد
اليسرى ما تم الاتفاق عليه.
حبر كثير سال في توضيح حيثيات مباحثات التهدئة بين حماس وإسرائيل،
لكن ما يهمنا في هذه العجالة تسليط الضوء على الدور المصري في كبح جماح الحراك الأوروبي
الذي قام به "توني بلير" تحديدا، في ضوء أنها مغيبة عن هذا الحراك، ورفضها
دخول أطراف أخرى على خط التهدئة، فضلا عن كون هذه الأطراف هي الدوحة وأنقرة، ولا سيما
وهي تعد غزة ملفا حصريا لا يحق لأي طرف كان الدخول على خطها، والتقرير في مستقبل
"حديقتها الخلفية"!
علم كاتب السطور أن حماس بادرت أكثر من مرة لإشراك مصر والسلطة
الفلسطينية في مباحثات التهدئة مع إسرائيل، وكذلك فعل الوسطاء الإقليميون والدوليون،
من باب حرصهم على أن يكون أي اتفاق تهدئة قادم محاطا برعاية إقليمية ودولية، ويحظى
بموافقة ورضا دوائر صنع القرار المحيطة بغزة، ولا سيما القاهرة، لكن الأخيرة كما يبدو
لم تتحمس كثيرا في إمداد حماس بطوق النجاة من الكارثة التي تحياها غزة، وهي، أي مصر،
مرتاحة كثيرا لتطبيق سياسة "تعفن الجراح" في هذا القطاع الذي عاش ثلاث حروب
إسرائيلية مدمرة في خمس سنوات!
السؤال المشروع هنا: إذا كانت القاهرة غير متحمسة لتوقيع
اتفاق تهدئة بين حماس وإسرائيل، سواء لعدم وجودها في صورة المباحثات من بداياتها، أو
رغبتها باستمرار معاناة حماس في غزة، فهل يمكن القول بكثير من الثقة إن مصر راغبة في
اندلاع حرب إسرائيلية رابعة على غزة في قادم الأسابيع والشهور؟!
الإجابة عن مثل هذا السؤال الملغوم مرهونة بمدى تحسن أو تدهور
علاقة حماس ومصر، وإن كان الكل يذكر، كيف كانت مصر غير متشجعة أثناء الحرب الإسرائيلية
الأخيرة على وقفها، رغبة منها بتكسير أقدام حماس، والإتيان بها لمباحثات وقف إطلاق
النار جاثية على ركبتيها، وهو ما صرح به الإسرائيليون علانية، واتهامهم لرئيس حكومتهم
"نتنياهو" بمراعاة استمرار تحالفه الاستراتيجي مع حليفه في القاهرة على حساب
استمرار معاناة الإسرائيليين تحت الصواريخ القادمة من غزة.
إغلاق غزة
لن تضيف هذه السطور جديدا إن تحدثت عن استمرار معاناة الفلسطينيين
في غزة من الإغلاق شبه الدائم لمعبر رفح، أشهر معبر في العالم، وتعطل مصالح الآلاف
منهم، بين طلبة علم وأصحاب إقامات وموظفين مهددين في أرزاقهم، لأنهم علقوا في غزة منذ
فترة طويلة.
لكن الجديد اليوم هو ما تقوم به السلطات المصرية من إنشاء
وحفر برك مائية على طول الحدود مع قطاع غزة بهدف تدمير الأنفاق، كجزء من مشروع إنشاء
برك ضخمة غير مبطنة على طول الحدود الفلسطينية المصرية باستخدام مياه البحر الأبيض
المتوسط، وهو ما يمثل خطورة وتهديدا للأمن المائي والغذائي والاقتصادي والقومي والفلسطيني.
مع العلم أن هذا المشروع المصري هو محاولة جديدة لإحياء وتنفيذ
ما عجزت عنه إسرائيل قبل عقد من الزمن لحفر خندق مائي على طول الحدود الفلسطينية المصرية
باستخدام مياه البحر لمكافحة المقاومة، علما بأن هذه الأنفاق لم تعد موجودة، وتم تدمير
الغالبية العظمى منها.
توقيت المشروع المصري على حدود غزة يتزامن مع استمرار العمليات
العسكرية المصرية داخل سيناء، ومشاهدة الفلسطينيين لأعمال التفجير والمداهمات بالعين
المجردة على الجانب الآخر من الحدود، مع خروج اتهامات مصرية بين حين وآخر بتورط بعض
الفلسطينيين في العمليات المسلحة التي تستهدف الجيش المصري في سيناء، لم تثبت أي منها
حتى كتابة هذه السطور.
تشعر حماس في بعض الأحيان أن النوايا غير جدية من القاهرة
تجاهها، رغم ما تقول إنها بوادر حسنة قدمتها الحركة تجاه الأشقاء المصريين، لكن من
الواضح أن الحركة ما زالت تعاقب بسبب انتماءاتها الفكرية تارة، وحالة الاستقطاب الحاصلة
في مصر بين النظام الحاكم والإخوان المسلمين، وتارة أخرى بسبب بقائها مسيطرة على قطاع
غزة الملاصق للحدود المصرية، ورؤية صناع القرار المصري لذلك بأنه تهديد لهم، وتارة
ثالثة، وقد تكون الأهم، في كون حماس لم تخضع لآلة القوة العسكرية الإسرائيلية في حروبها
الأخيرة، وبقيت تشكل شوكة مؤلمة في خاصرة الإسرائيليين.
أخيرا.. من الواضح أن التحسن المؤقت الذي طرأ على علاقة مصر
وحماس لم يعمر طويلا، بل اعتراه الكثير من التوتر، والخشية من التدهور في قادم الأيام،
في ظل عوامل داخلية وخارجية متراكمة، قد تدفع بهذا التدهور لمزيد من الانتكاسات التي
لا ترغبها حماس، كما يبدو، وإن كانت الحركة حريصة على توظيف ما لديها من علاقات إقليمية
للحد من هذا التدهور، إن استطاعت إلى ذلك سبيلا.
المصدر: الجزيرة نت