القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

حماس ومصـر وسيناء والتحريض الرخيص

حماس ومصـر وسيناء والتحريض الرخيص

بقلم: ياسر الزعاترة

ليس مستغربا على إعلام الفلول الذي يشيطن أكثرية الشعب المصري التي صوتت على غير ما يشتهي في خمس جولات انتخابية؛ ليس مستغربا عليه أن يشيطن الفلسطينيين، ومن ثم السوريين الذي جاؤوا إلى مصر هربا من طغيان بشار الأسد.

حين يصل الحال بمذيع بائس حد الشماتة بجراح الشعب الفلسطيني، والقول إنهم يستحقون ما يحدث لهم، مقابل "تعظيم سلام” للإسرائيليين، فلن يكون مستغربا عليه وعلى أمثاله أن يؤلفوا القصص الكاذبة على الفلسطينيين (ومنهم حماس) من أجل تبرير شيطنتهم.

وإذا كانت حماس ذريعة بالنسبة لبعض أولئك الدجالين، فهم يعرفون أن هناك انقساما في الشارع الفلسطيني، وأن فريقا يمسك بالسلطة في رام الله، وله مؤيدوه في كل الأرض الفلسطينية يقف إلى جانب الانقلاب العسكري، وكان ضد حكم مرسي وإن لم يعلن ذلك صراحة قبل الانقلاب، فلماذا لم يستثنوا، ويقولوا إن جزءا من الشعب الفلسطيني هو الذي يتلقى تعاليمه من الشياطين، بينما يتلقى الطرف الآخر تعليماته من الملائكة التي تطالبه بعدم التدخل في الشأن الداخلي المصري، كما تعكس ذلك بيانات السلطة التي كانت من أوائل المرحبين بالانقلاب كما عكست ذلك اتصالات رئيسها وتصريحاته.

لقد فقد أولئك القوم رشدهم (ومنهم سياسيون محسوبون على ما يسمى قوى المعارضة لمرسي)، وحين يصل بهم الحال حد التحريض على لاجئين سوريين، فهم يعبرون عما في نفوسهم من عنصرية، وعما في قاموسهم من بذاءة، ولا يفعلون ذلك ردا على ممارسات معينة.

لقد وزع القوم خلال عام كامل كمَّا هائلا من الهراء في سياق شيطنة الفلسطينيين، وحماس على وجه التحديد، فقد سمعنا الكثير عن دور حماس في دعم مرسي وفي إخراجه من السجن (وضعوا معه حزب الله والسلفية الجهادية!!)، وعن مسلحيها الذين يجوبون مصر من أقصاها إلى أقصاها كأنها ديار سائبة، ولا يتحكم الأمن بكل شبر فيها، بما في ذلك سيناء نفسها، وإن كانت سيطرته عليها أقل بسبب وجود عناصر أخرى لها دورها أيضا.

قيل إن هناك اتفاقا بين مرسي وحماس على منحها سيناء، وتهجير الفلسطينيين إليها، تماما كما قيل إنه باع قناة السويس والأهرامات، كأن رئيسا لم يكن يتحكم بطاقم حراسته يمكنه أن يتلاعب بمصر وشعبها كما يريد!!

لقد دخل مرسي السلطة وخرج منها دون أن يتحكم؛ لا بالمؤسسة العسكرية ولا الأمنية، ولا الإعلام، وظل على هامش السلطة يتلقى الطعنات ليل نهار، ولعل مشكلته الرئيسة هي أنه صدق أن الجيش معه، أو أنه محايد في أقل تقدير، مع أننا قلنا مرارا إن ذلك غير صحيح، لأنه لو كان معه لخفت حدة الشيطنة التي يتعرض لها.

هل بلغت حماس قوة أسطورية حتى يمكنها تحدي أجهزة الأمن المصرية؟ وهل فقدت حماس عقلها حتى تتحدى أكبر دولة عربية، وتعبث بأمنها؟!

من المؤكد أن حماس ستجامل الدولة المصرية أيا كان حاكمها (فعلت ذلك مع المخلوع وعمر سليمان)، وحتى لو كانت قيادة الحركة لا تفقه في السياسة شيئا (وهي ليست كذلك)، فهي تدرك أن شريان الحياة الرئيس بالنسبة للقطاع الذي تحكمه هي مصر، وليس ثمة عاقل يمكنه أن يصدق أنها ستضحي به في سياق مغامرة أمنية أو سياسية، وهي عموما لم تستفد من وجود مرسي في السلطة إلا موقفه أثناء المفاوضات على إنهاء جولة الحرب الأخيرة مع الكيان الصهيوني، وما عدا ذلك ظلت أسيرة مزاج أجهزة الأمن التي لا تأتمر بأمر مرسي، وتذكروا كم كان المشاركون في الزفة ضد حماس الآن؛ من حلفاء إيران، ومن اليسار والقوميين يهجون مرسي لأنه دمَّر بعض الأنفاق، مع العلم أن ذلك كان يحدث دون مشورته، ووصل الحال حد استصدار حكم من إحدى المحاكم بتدمير الأنفاق، الأمر الذي لم يحدث أيام المخلوع!!

هل أخطأت حماس بالانحياز لمرسي بعد الانقلاب؟ ربما، لكن ذلك لم يكن ينعكس إلا في وسائل إعلامها، قبل أن يجري تخفيف اللهجة، بينما سكت قادتها على ما يجري خشية التصعيد مع النظام الجديد، وإعلامها لم يكن بوسعه تجاوز الحدث بالكامل في وقت تراوحت مواقف الدنيا بين تسمية ما جرى بالانقلاب، وبين اعتباره ثورة شعبية.

إن شيطنة حماس لا تعدو أن تكون جزءا من شيطنة الرئيس المعزول، وجماعة الإخوان، وما عدا ذلك هراء في هراء، بما في ذلك اتهامها بأحداث سيناء التي لا تملك دورا فيها، هي التي تريد الوضع فيها مستقرا، لاسيما أن له امتداداته الإشكالية داخل القطاع، فيما يؤثر على شريان الحياة المصري بالنسبة إليها.

سيناء قضية معقدة يتداخل فيها العامل الصهيوني، مع العامل الفلسطيني المناهض لحماس (دحلان وجماعته) مع مشاكل أهل المنطقة مع الجيش والأمن المصري، مع قضية السلفية الجهادية، وليس لحماس في هذه المعمعة شيء يذكر، لكن الدجالون يريدون حشرها في القضية بهدف التشويه، لاسيما أن المعركة على الشرعية في مصر لم تضع أوزراها بعد. وها إن الإسرائيليين يعطون الضوء الأخضر للجيش المصري بعد الانقلاب للانتشار في سيناء، فيما لا يستبعد أن يجري تصعيد الموقف هناك من أجل خلق معركة جانبية تعزز شرعية الانقلابيين.

أسوأ ما في المشهد هم الدجالون من المحسوبين على فلسطين وقضيتها ممن أنستهم خصومتهم مع حماس والإخوان حاجات شعبهم في القطاع، وحقيقة أن الشيطنة تتم لعموم الشعب الفلسطيني وليس لحماس وحدها. أمثال هؤلاء لا يستحقون غير الازدراء، تماما مثل إعلام الفلول في مصر، ومنظومة الكذب الداعمة للانقلاب على الشرعية.

المصدر: الدستور، عمّان