القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

حملة الاعتذار عن وعد بلفور.. مائة عام من الظلم

حملة الاعتذار عن وعد بلفور.. مائة عام من الظلم

بقلم: ماجد الزير

تدور دورة الزمن وتحل الذكرى التاسعة والتسعون على إطلاق وعد بلفور، ذلك التعهد الرسمي البريطاني الذي قطعه وزير الخارجية آنذاك آرثر بلفور في الثاني من تشرين الثاني من عام 1917 نيابة عن حكومته لشخصيات يهودية بريطانية بارزة بمنح اليهود وطناً في فلسطين على حساب الفلسطينيين أصحاب الأرض؛ حيث كانوا يشكلون أكثر من 94% من تعداد السكان.

لا نبالغ إن قلنا أن كلمة «بلفور» هي من الكلمات الأكثر تداولاً في القاموس السياسي الشعبي الفلسطيني، فهي لم تفارق مخيّلته، ولم يبرح توجيه اللوم الدائم لبريطانيا على ما اقترفت بحقه، حتى إن كتلة كبيرة من الضمير الوطني الجمعي الفلسطيني ما زالت تضع بريطانيا في مصاف العدوّ قبل اليهود تجاه بريطانيا على المكرمة والدور التاريخي الذي جعل لهم دولة من عدم، في ظرف استثنائي تَحول كل العوامل الطبيعية دون قيام كيان سياسي وتحرك مجاميع بشرية فيه في اتجاهين متضادين على رقعة جغرافية لا تسمح بهذا التداخل.

ومظاهر الإعداد الصهيوني بدأت باكراً في أروقة ودهاليز السياسة في لندن في محاولة جادة من الصهاينة لتجديد التعهد وتأكيد بقاء الالتزام وتحقيق مزيد من المكاسب. وظهر ذلك في التصريح الذي جاء على لسان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون خلال كلمة له أمام الجالية اليهودية من أنه «سيحتفل» بالذكرى في أحضان الجالية، واستدركت الخارجية البريطانية لاحقاً على التصريح.

إنّ ما تقدم يُحتّم على الشعب الفلسطيني في المستوى الرسمي والشعبي أن يُعد العدة بشكل جاد ومسؤول ليجعل من هذه المناسبة فرصة يستثمرها ليدخل المستقبل بآفاق تقربه من استرجاع حقوقه؛ فباستطاعته أن يفرض في المحافل الدولية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وطرح أسئلة حول نشأة المشكلة، وهو ما يحاول الطرف الصهيوني أن يتجاوزه، ويضع الساسة البريطانيين أمام استحقاقات تلك الجريمة بحق الشعب الفلسطيني.

هناك أبعاد سياسية وقانونية لوعد بلفور نتجت منها مأساة إنسانية وواقع لجوء فلسطيني لم تنقض فصوله، والنكبة المتجددة لفلسطينيي سوريا دليل صارخ على استمرار المعاناة وتنوعها. كل ذلك يعطينا مادة غنية وثرية للتصعيد ضد بريطانيا لدفعها للاعتراف بما ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، في خطوة لو تمت سيكون لها ما بعدها من دخولنا في زمن التقدم الفلسطيني والتراجع الصهيوني على صعد جديدة.

والمطلوب هو حراك فلسطيني وعربي وإسلامي وأممي، مؤمن بالحق الفلسطيني الشامل، سواء كان تنسيقياً أو مبادرات موازية حسب استطاعة الجميع، وعامل الوقت مهم في ضرورة البدء وعدم الانتظار حتى نضمن تشكل حالة الضغط بشكل مبكر، وفرض أجواء حملة المطالب الفلسطينية تجاه الحكومة البريطانية.

ونعتقد بشكل عملي أن إقامة اعتصامات سلمية قانونية دائمة أمام السفارات البريطانية في دول اللجوء الفلسطيني له رمزية عالية، بل نعتقد أن له نفاذية سياسية. وكذلك الاعتصامات من قبل المجاميع الداعمة للحق الفلسطيني في الدول العربية بل وعبر العالم أيضاً مطلوب وهام ومؤثر ويشكل ظاهرة عالمية حضارية جادة غير مسبوقة لدعم المطالب الفلسطينية.

ومن زاوية أخرى فإن الحرية السياسية في بريطانيا تسمح بالضغط على السياسيين وصناع القرار وتجبرهم عبر مستويات معينة من الضغط أن يفتحوا حواراً عاماً في القضايا المطروحة وفي المحافل الرسمية. وهو أمر له آلياته المتعارف عليها والمعمول بها. وهنا يبرز الدور المتميز المطلوب لحملات دعم الحق الفلسطيني في بريطانيا لايجاد مناخ سياسي في الذكرى المئوية يجعل الحدث الفلسطيني واقعاً بريطانياً بامتياز.

نتوقف عند حملة أطلقها مركز العودة الفلسطيني في العاصمة البريطانية داخل البرلمان يوم الثلاثاء 25 تشرين الأول الماضي تحت عنوان «حملة الاعتذار عن وعد بلفور.. مئة عام من الظلم» تهدف إلى جمع مائة ألف توقيع من الشعب البريطاني يطالب حكومته بالاعتذار عن وعد بلفور.

وجاء إطلاقها ضمن ندوة استضافتها البارونة البريطانية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني من حزب الديموقراطيين الأحرار الطبيبة جيني تونغ. تم بث وقائع الإطلاق على وسائل التواصل وشاهدها الآلاف.

ما يدلّ على نجاعة مثل هذه الخطوة هو الالتفات المنزعج للوبي الصهيوني في غير مكان لهذا الحراك الذي تم التعبير عنه بحضور مندوب الإذاعة الإسرائيلية وتسجيله لوقائع الندوة، وكذاك رصد الحدث في محاولة لإيجاد ثغرة ينفذون من خلالها للتصعيد وضرب الحملة وتشويهها. وقد وجدوا في تعليق أحد الحضور في الفقرة المخصصة للأسئلة وهو حاخام يهودي مناهض للكيان الصهيوني من جماعة ناطوري كارتا بأن ساوى بين الصهيونية وداعش (تنظيم الدولة الإسلامية) واعتبر أن الصهيونية بأفعالها أدت لجرائم النازية بحق اليهود. التقطت يومية «التايمز» البريطانية الصادرة في اليوم التالي لانعقاد الندوة الموضوع واستغلته للهجوم على البارونة ومركز العودة وحملة الاعتذار، تحت عنوان: «ندوة في البرلمان تلوم اليهود على مذابح الهولوكوست»، في محاولة لحرف مسار الحملة.

وقد جعل هذا من حملة الاعتذار خبراً رئيسياً في الصحافة البريطانية، ودخلت السفارة الإسرائيلية على خط الاحتجاج، وشكل ذلك ضغطاً على البارونة تونغ لتستقيل من حزب الأحرار وتحتفظ بمقعدها في مجلس اللوردات كعضو مستقل. ولم تخمد الحملة الإعلامية وتعدّت ذلك لتصل لرئيس حزب العمال المعارض الداعم للقضية الفلسطينية السيد جيرمي كوربن، الذي كان ضمن وفد مركز العودة لزيارة مخيم اللاجئين الفلسطينيين على الحدود السورية العراقية في مخيم التنف عام 2009. وتم وضع صورة للوفد وهو يلتقي بالرئيس السوري بشار الأسد، والإيحاء بأن الزيارة تمت قريباً بل وأنها كانت لإحياء ذكرى وعد بلفور.

إن استفادة حملات دعم القضية في الغرب وبقية العالم مهم ومطلوب ومتاح، خاصة أن حضور السياسة البريطانية في العالم ما زال مؤثراً. وعليه فالضغط على السفارات البريطانية في العالم والتواصل مع السفراء سيحدث بلبلة للدبلوماسية البريطانية.

إن تحقيقنا لهدف اعتذار بريطانيا عن وعد بلفور سيكون علامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني، وطوراً جديداً ومهماً في طريق استعادة الحقوق المسلوبة.