القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

حوار المصالحة: 'إدارة' الانقسام أم إنهاؤه؟

حوار المصالحة: 'إدارة' الانقسام أم إنهاؤه؟

بقلم: د. نادية سعد الدين

عُلقت المصالحة الفلسطينية لما بعد زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما المرتقبة للأراضي المحتلة، ضمن جولة له بالمنطقة، الشهر الجاري، أسوة بالخطوات اللاحقة للمسعى الأممي، في ارتهان جديد للخارج بعيداً عن الإرادة الوطنية الحقيقية لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة. هذا الإرجاء الأخير، الذي جاء على خلفية عدم حسم قضايا خلافية أساسية في قانون انتخاب المجلس الوطني وعدم تحديد موعد لتشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات خلال لقاء الإطار القيادي لتفعيل وتطوير منظمة التحرير الذي عقد يومي 8 و9 من شهر شباط (فبراير) الماضي في القاهرة، تسبب في إنهاء جولة جديدة من حوار المصالحة بدون حدوث اختراق فعلي في ملفاتها، الذي أجلّ بحثها إلى نهاية الشهر الجاري، بينما قد يمتد التنفيذ لوقت زمني آخر.

وما يجري حالياً من اجتماعات متقطعة، سواء في القاهرة أم في الأراضي المحتلة، لبعض لجان المصالحة، مثل لجنتا الانتخابات المركزية والحريات، لا يوحي بأكثر مما يهدف إليه أساساً، وهو الإبقاء على عجلة عملية المصالحة دائرة، كما العملية السلمية، بانتظار ما ستسفر عنه الأحداث والمتغيرات الجارية في المنطقة.

وبرغم أن تلك المتغيرات كانت نفسها قد شكلت دافعاً قوياً لحركتي فتح وحماس، وفق منظور كل منهما، نحو جلسة حوار القاهرة الأخيرة، بحضور القوى والفصائل الفلسطينية، على غرار مفاعيل التوجه إلى اتفاق المصالحة في أيار (مايو) 2011 في القاهرة، في ظل الثورات العربية والأحداث الجارية بالمنطقة والقيادة المصرية الجديدة وضغط الشارع الفلسطيني وأجواء انتصار المقاومة على عدوان الاحتلال الأخير ضد قطاع غزة، وتحقيق المكسب الدبلوماسي السياسي، في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، بنيل فلسطين صفة 'دولة مراقب' غير عضو في الأمم المتحدة، والخطوات الايجابية اللاحقة في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، مثل إطلاق سراح بعض المعتقلين وتخفيف حدّة التراشق الإعلامي، والسماح بتنظيم مهرجات الانطلاقة لفتح وحماس، والاتفاق على عمل لجان الحريات والمصالحة المجتمعية، وعودة لجنة الانتخابات المركزية إلى قطاع غزة مجدداً، وسط عدوان الاحتلال المتواصل ضد الشعب الفلسطيني ونواتج انتخابات البرلمان الإسرائيلي 'الكنيست'، التي جرت في 22 كانون الثاني (يناير) الماضي وأفرزت توليفة عنصرية متشددة ستعكس نفسها في حكومة إسرائيلية قادمة أكثر غلواً وتطرفاً وتمدداً استيطانياً وانسداداً للأفق السياسي وتقويضاً لحل الدولتين حدّ تلاشيه.

إلا أن محددات المصالحة، وفي مقدمتها 'الفيتو' الأمريكي الإسرائيلي ما لم تتوافق مع شروط إحياء العملية السلمية واستئناف المفاوضات، ما تزال تشكل قوة ضغط غير متوازن مع العوامل الدافعة لإنجاحها والأخذ باتجاهها. وقد أسهمت تلك المحددات، إلى جانب غياب الإرادة الحقيقية للمصالحة، في إنهاء حوار القاهرة الأخير، أسوة بسلسلة الحوارات السابقة، بدون نتائج ملموسة، وسط اتهامات متبادلة بين الحركتين بإفشال التقدم في حوار المصالحة.

وقد دللت مسألة تأجيل بحث ملفات الانتخابات وتشكيل الحكومة والمجلس الوطني على عدم جدية الطرفين في المصالحة. فمن جانب؛ غاب العنصر الإسرائيلي، الذي يلعب دوراً مهماً في تعميق الانقسام وعدم حله، عن دائرة النقاش، رغم سيطرته على ثلاثة ملفات على الأقل من ملفات المصالحة وهي الحكومة والأمن والانتخابات، وقدرته على تعطيلها وإفشالها، بسبب استفادته من استمرار الانقسام لمتابعة مشروعه الاستيطاني التهويدي في فلسطين المحتلة، والذي مكنّه حتى الآن من قضمّ زهاء 80' من مساحة الضفة الغربية، مبقياً أقل من 20' فقط للفلسطينيين، تعادل 12' من فلسطين التاريخية، فيما تمتد 'البقعة' الخارجة عن يدّه المحتلة ضمن ثمانية 'كانتونات' غير متصلة جغرافياً، لتشكل، مع مساحة قطاع غزة، قوام الكيان الفلسطيني المستقبلي، وفق الرؤية الإسرائيلية، الذي لا يخرج بالنسبة إليها عن إطار حكم ذاتي معني بالشؤون المدنية للسكان، باستثناء السيادة والأمن الموكولين إليه.