حول الهدنة الموعودة
بين إسرائيل و«حماس»
بقلم: علي بدوان
ما زال اللغط يدور في الساحة
الفلسطينية حول حقيقة ما يؤكده البعض عن وجود قناة مفاوضات سرية غير مباشرة تجريها
حركة «حماس» مع الطرف الإسرائيلي للتوصل الى هدنة طويلة الأمد، مقابل فتح ميناء غزة
على العالم ورفع الحصار القائم على القطاع منذ نحو ثمانية أعوام.
المعلومات المُتسربة تُشير
الى دور رئيسي للمبعوث السابق للجنة الرباعية الدولية ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق
توني بلير والطرف التركي. فقد التقى بلير خالد مشعل أكثر من مرة في الفترة الأخيرة
في العاصمة القطرية الدوحة. ولا تؤكد مصادر حركة «حماس» أو تنفي حقيقة تلك المفاوضات،
بالرغم من إعلان عدد من قياداتها أن الحركة لن تقبل أي تفاهم غير مُباشر مع الطرف الإسرائيلي
بشأن الهدنة الطويلة الأمد من دون توافر عامل التوافق الوطني بين جميع القوى الفلسطينية
الموجودة في القطاع. فيما ذهب القيادي المحسوب على «حماس» أحمد يوسف إلى القول إن
«حركة حماس لم تذهب إلى هذه النقاشات إلا بعد أن أوصلتها السلطة الفلسطينية في رام
الله إلى طريق مسدود، فكان لا بد من البحث عن مخارج للتخفيف من المعاناة المتفاقمة
لأهل القطاع». وذهب آخرون من قيادة «حماس» إلى القول «نحن لسنا هواة مفاوضات وهذه حقيقة
يعلمها كل من يعرف حماس. نحن عشاق الشهادة ولنا في مقارعة العدو وإذلاله أكثر من دليل
وبرهان. إننا نحاول التخفيف عمّن تحملنا مسؤوليتهم ونبحث عن مخارج حلول لأزماتهم، لن
يخدعنا بلير ولا تجار الوطنية في رام الله.. نحن على عهدنا الذي قطعناه على أنفسنا.
لن نتخلى عن شبر من أرضنا، وسنظل نناضل حتى نصل إلى كامل حقوقنا. الحرب خدعة ومن حقنا
أن نجد طريقاً يخفف معاناة أهلنا».
فيما أشارت قيادية رفيعة
المستوى من حركة «حماس»، إلى أن «الأمر يتعلق بكيفية إيجاد حل للوضع في قطاع غزة، ما
جعلنا منفتحين على كل الجهود الفلسطينية والعربية والإسلامية والإقليمية وحتى الدولية
لتحقيق ذلك، على أن ذلك لن يكون على حساب وحدة الضفة الغربية وقطاع غزة». وأنه «في
حال تم التوصل إلى هدنة، فإن تطبيقها سينحصر فقط على الإطار الجغرافي لقطاع غزة».
ومن المعروف أن حركة «حماس»
ما زالت عملياً في موقع الحُكم رغم تركها الحكومة، وأن جميع مؤسسات حكومة الدكتور رامي
الحمد الله لا تزال قائمة وتنشط وتعمل وكأن شيئاً لم يتغير منذ أعلن إسماعيل هنية تسليم
الحكومة الحمد الله لتشكيل حكومة توافق وطني، وما مرت به هذه التوافقية شكلاً، وفشلها
حتى في تشغيل موظفيها الذين يتقاضون رواتبهم من خزينة السلطة الوطنية في رام الله.
وعلى الأغلب، وكما تُشير
العديد من المعطيات، أن تلك الاتصالات غير المباشرة المُشار اليها بين «حماس» والطرف
الإسرائيلي تبدو قائمة ونشطة عبر القناة التركية، لكن المهم فيها مضمونها وهدف إسرائيل
من ورائها، حيث تسعى حكومة نتانياهو من خلالها الى تكريس الانقسام الفلسطيني وخلق التعقيدات
المتزايدة في مسار أي محاولات جادة للمصالحة الوطنية الفلسطينية، وفي المساهمة بتمزيق
وحدة الأرض والشعب الفلسطيني.
وهنا على حركة «حماس» أن
تعي أن المخاطر الكبرى ستلقي بأحمالها على الحالة الفلسطينية في حال التوصل إلى أي
تفاهم غير مباشر مع الطرف الإسرائيلي في غياب التوافق الوطني العام والإدارة الوطنية
الجامعة. وأي تفاهم عبر المفاوضات غير المباشرة من دون توافر الإجماع الوطني، وكما
تروج وسائل الإعلام الإسرائيلية سيكون طريقاً لإحداث المزيد من التمزق السياسي والجغرافي
في الحالة الفلسطينية، وفصل قطاع غزة، وزيادة تفكيك الشعب الفلسطيني بين قطاع وضفة
غربية وداخل 1948 وشتات. فتكريس فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية يخدم بقوة سياسات الاحتلال
في تفكيك مكونات الشعب الفلسطيني، خصوصاً في المرحلة الحالية الشديدة الحساسية والدقة،
فثمة مؤشرات تؤكد المخاوف من قيام اضطرابات داخلية، قد تودي بالحالة الفلسطينية نحو
المجهول.
المصدر: الحياة