خطاب الحركات الاسلامية حول حق العودة
النائب: أحمد مبارك
مقدمة:
يعتبر حق العودة من
أهم الثوابت الأساسية للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية من الناحية النظرية إلا
أن مدى الالتزام بهذا الحق يتفاوت من الناحية العملية تبعاً لرؤية كل فصيل سياسي
للحل ومدى الالتزام او التحلل من بعض الثوابت او الالتزامات في سبيل تحقيق حل ما
للقضية الفلسطينية وتبعاً لتأثر كل فصيل بالضغوطات التي تمارس عليه في سبيل انجاز
اي حل سواء كانت هذهالضغوطات خارجية او ذاتية (داخلية) لتحقيق مصالح شخصية أو
حزبية ضيقة، وقد تعزز حق العودة بصدور القرار الاممي 194 الذي ينص على حق العودة
لللاجئين الفلسطينيين الى أراضيهم التي هجروا منها عام 1948 والتعويض عن كل
الاضرار والخسائر التي لحقت بهم جراء تهجيرهم قسراً من أراضيهم وقد عمد الاحتلال
الى تحريف الترجمة الانجليزية لهذا القرار بجعله ينص على حق العودة او التعويض لا
العودة والتعوض.
ومن الجدير بالذكر أن
الهدفين الأساسيين لانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة منظمة التحرير
الفلسطينية وكما نص عليه ميثاق المنظمة الذي جرى تعديله مؤخراً للاسف ليتفق مع
الجنوح لعملية التسوية والمفاوضات العبثية كان تحرير الجزء المحتل من فلسطين
التاريخية عام 1948 اذ لم تكن اراضي 67 قد احتلت بعد وكذلك تحقيق حق العودة
للاجئين الفلسطينيين.
وقد تم في عملية
التسوية منذ اوسلو 1993 وحتى الان التراجع عن الهدف الاول بشكلٍ كامل وكلي من خلال
اعتراف المنظمة بدولة الاحتلال ككيان شرعي على كامل التراب الفلسطيني المحتل عام
1948 ويجري التراجع عن الهدف الثاني من خلال تبني المنظمة وتزكيتها لمشاريع وخطط
مشبوهة (خطتي الهدف وجنيف) اللتين جرى من خلالهما نسف حق العودة من خلال القبول
بحل جزئي يتضمن عودة بضعة مئات لاراضي الضفة والقطاع ممن نزحو عام 1967 او فاقدي
الهوية ومجموعة قليلة من لاجئين عام 1948ومن خلال رفع شعار حل عادل ومتفق عليه
لقضية اللاجئين الفلسطينيين يوحي بالتنازل عن هذا الحق من خلال تبني القراءة
الاسرائيلية للقرار العودة لمن يرغب (الى اراضي السلطة) والتعويض لمن لايرغب، ومن
خلال مشاريع التوطين المشبوهة وكذلك التهجير للاجئين الفلسطينيين لاوروبا وامريكا
اللاتينية وتقديم هذه الدول التسهيلات الكبيرة لتحقيق هذا الهدفمع التركيز على
عبارة حل عادل ومتفق عليه الامر الذي يعني استحالة تحقيق حق العودة من خلال هذه
المفاوضات لاستحالة موافقة الكيان على ذلك ونحن لانعرف تفسيراً لحل عادل لقضية
اللاجئين سوى عودتهم الى الاراضي التي هجروا منها وتعويضهم عن كل ما لحق بهم من
اضرار واي حل لايتضمن ذلك لن يكون حلأً عادلاً او منصفاً لللاجئين الفلسطينيين.
رؤية وخطاب الحركات
الاسلامية لحق العودة:
كغيرها من فصائل هذا
الشعب المقاومة تؤكد الحركات الاسلامية المقاوِمة على هذا الثابت الاساسي وهذا
الحق الاصيل لابناء الشعب الفلسطيني بالعودة الى بلادهم وديارهم واراضيهم التي
هجروا منها قسراً وقهراً بمؤامرة عالمية من خلال زرع كيان عنصري وغريب في بلادنا
وتمكينه بكل اسباب القوة من اجلاء شعبنا عن اراضيه والاستيلاء عليها وجلب
المهاجرين اليهود من كل اصقاع الدنيا ليحلوا محل ابناء شعبنا ليتمتعوا بخيراته
وارضه.
1- وتعتبر الحركات
الاسلامية هذا الحق حقاً ثابتاً واصيلاً لا يسقط بالتقادم ولا باعتراف العالم كله
بهذا الكيان الغاصب وهو بالنسبة لها حق جماعي وفردي وحق فطري وطبيعي لكل انسان ان
يعيش على الارض التي ولد هو وآباؤه واجداده عليها و التي كانت مرابع الصبا وعنفوان
الشباب وذكريات الاباء والاجداد ... وقد بكى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لفراق مكة وقال:(لولا ان قومي اخرجوني منكِ
ماخرجت)، وفي ذلك بقول الشاعر:
كم منزلٍ في الأرض
يألفه الفتى وحنينـــــه أبــدا لأول منــــــــزل
2- وهو بالنسبة لها
ايضاً حقٌ مقدس من يتنازل عنه فكأنما تنازل عن عقيدته ودينه وخانهما وذلك مستمد من
قدسية هذه الارض المباركة في عقيدة المسلمين وحرمة التنازل عن اي شبر منها ، وبهذا
تتميز الحركات الاسلامية برفع قيمة فلسطين وحق العودة اليها الى درجة القدسية
الدينية التي يُعتبر المساس بها مساس بالعقيدة حتى ان علماء المسلمين في فلسطين
وخارج فلسطين قد حرموا الهجرة الطوعية من فلسطين بدون سبب شرعي مقبول او عذر قاهر
واعتبروا من يفعل ذلك آثماً عند الله تعالى وأوجبت على اهل فلسطين ومن يستطع من
خارجها ان يرابطوا في فلسطين حتى لا يفرغوها لتكون لقمة سائغة للاحتلال والرباط
مصطلح اسلامي ورد في القرآن والسنة ونستذكره بحديث الرسول –صلى الله عليه وسلم-
(من اختار ساحلا من سواحل الشام فهو في رباطٍ الى يوم القيامة).
وبذلك فان الحركات
الاسلامية تحرم الاستعاضة عن حق العودة بأي شكل من الاشكال ومن يقبل بالتعويض
بديلاً عن حق العودة فهو آثم وخائن ولا يُبنى على مواقفه لأن فلسطين ليست ملكاً
لفرد او أفراد وإنما هي وقف إسلامي لا يحق لأحد أن يتنازل عن أي شبر فيها.
3- تعتبر الحركات
الاسلامية ان التنازل عن أي جزء من فلسطين وخاصة الجزء المحتل عام 1948 هو في
حقيقة الأمر تنازل عن حق العودة لأن الإعتراف للاحتلال بحقه في تلك الارض يدعم
موقفه أمام العالم بأن هذه الارض أرضه ومن حقه أن يمنع أي أناسٍ غرباء حسب وجهة
نظره من العودة إليها وهو متسلح باعتراف أصحاب الحق الشرعيين عبر ممثلهم الشرعي
والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية بأن هذه الارض للاحتلال ومن حقه ان يقيم عليها
ما يشاء هذا اذا أخذنا بعين الاعتبار ان القرار 194 الذي نعول عليه في تحقيق حق
العودة قد صدر قبل اعتراف المنظمة بالاحتلال عام 1993 مما يمهد الطريق الى محاولة
اللجوء الى المؤسسات الدولية لتعديل هذا القرار من قبل الاحتلال ودعم وجهة نظره في
هذا الموضوع .
4- ومن هنا فإن
الحركات الاسلامية تنظر في خطورة بالغة الى قضية اعتراف المنظمة بالكيان الصهيوني
والتي فتحت شهية هذا الاحتلال ليطالب باعتراف اكبر من ذلك وهو الاعتراف بدولة الكيان
دولة يهودية خالصة ونقية، الأمر الذي لن يضر فقط بحق العودة لللاجئين بل
بالفلسطينيين المقيمين على اراضيهم المحتلة عام 1948 والذين يقدر عددهم بمليون
ونصف فلسطيني يتعرضون للمضايقات يومياً من اجل طردهم او المساومة عليهم تحت شعار
تبادل الاراضي والسكان ، وترفض الحركات الاسلامية هذا الاعتراف من قبل المنظمة
وتعتبره جريمة كبرى بحق الشعب والوطن واللاجئين، وندعو فصائل المنظمة التي تدعي
انها لم تعترف او لم تكن مع الاعتراف بان تتخذ خطوات عملية للرجوع عن هذه الخطيئة
من خلال تجميد عملها في الجنة التنفيذية للمنظمة التي يتولى امانة سرها صاحب وثيقة
جينيف التي فرطت في حق العودة لللاجئين الفلسطينيين والاصرار على تنفيذ اتفاق
القاهرة 2005، بخصوص اعادة هيكلة واصلاح المنظمة عبر انتخابات للمجلس الوطني من
خلال مصالحة شاملة واعادة الاعتبار لميثاق المنظمة الذي تم تعديله او الغاؤه
عملياً والضغط على القيادة المنفذة من اجل القبول بذلك.
5- وتعتبرالحركات
الاسلامية ان عملية التحرير وانجاز حق العودة امران متلازمان لان الاحتلال لم ولن
يسمح بانجاز هذا الحق عبر مفاوضات عبثية وفي ظل موازين قوى غير متوازنة لا تضغط
على الاحتلال ولذلك فان اعتماد خيار المقاومة كخيار رئيسي لانجاز الحقوق
الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة والضغط على الاحتلال لإجباره على القبول بذلك اذا
ما تم التوصل الى حل مرحلي لا يتضمن الاعتراف بشرعية الاحتلال وهذا يتطلب التوقف
عن المفاوضات العبثية التي اثبتت فشلها طيلة اكثر من عشرين عاما والتي دفعنا ثمنها
مزيدا من التراجع للقضية ومزيدا من الانقسام تحت وطأة الالتزامات الامنية بضرب
المقاومة والتعاون الامني مع الاحتلال في هذا المجال .. والاتفاق على استراتيجية
فلسطينية موحدة تلتزم بالثوابت الوطنية وتسعى الى انجاز حقوق شعبنا وعلى رأسه حق
العودة وهذا يتطلب العمل الجاد لتحقيق الوحدة الوطنية وتعزيز صمود الشعب على ارضه
وترابه وثوابته.
مقرر لجنة
اللاجئين في المجلس التشريعي*