القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

خطة كيري: الفلسطينيون هم كبش الفداء مرة أخرى

خطة كيري: الفلسطينيون هم كبش الفداء مرة أخرى

بقلم: جوناثان كوك

تحت ضغط ثقيل من الولايات المتحدة، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خدمة شفوية على مضض طيلة الأعوام الأربعة الماضية لهدف إقامة الدولة الفلسطينية. لكن أجندته الفعلية كانت دائماً شفافة: لا للدولة، وإنما لما وصفه بأنه "سلام اقتصادي".

ووفق نتنياهو، فإنه يمكن تهدئة خواطر الفلسطينيين العاديين بقشور من طاولة السيد: نقاط تفتيش أقل، والمزيد من الوظائف والفرص التجارية، وتحسين تدريجي، ولو انه محدود، في مستويات المعيشة. وكل هذا يشتري الوقت لإسرائيل لتمكينها من توسيع المستوطنات وتعزيز قبضتها على الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وبعد عشرين عاماً من السعي لإقامة الدولة الفلسطينية كما نصت على ذلك اتفاقيات اوسلو، ألمحت الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة إلى إمكانية تغيير موقفها. يبدو أنها تتبنى نموذج نتنياهو في "السلام الاقتصادي".

فقد كشف وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، بينما كان محاطاً بالرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريس، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في الأردن مؤخراً، عن برنامج اقتصادي لاستئناف مفاوضات السلام. وقال إنه يوجد الآن نحو 300 رجل أعمال فلسطيني وإسرائيلي سيستثمرون بشكل مكثف في الاقتصاد الفلسطيني، في مشروع سيكون "الأكبر والأجرأ والأكثر طموحاً من أي من سابقاته منذ اتفاقيات أوسلو".

ولم تتوفر أي تفصيلات أخرى باستثناء الإشارة إلى أن من سيتولى الإشراف عليه هو توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق وممثل اللجنة الرباعية الخاصة بالشرق الأوسط، ورجل المجتمع الدولي في القدس منذ العام 2007.

وفي الحقيقة، يشكل بلير رجل الخيار الغريب، في ضوء انتقاد القيادة الفلسطينية له باعتباره في رأيها "النائب العام الإسرائيلي"، وحاججت في أحاديث خاصة -كما تكشف في الوثائق الفلسطينية المسربة في العام 2011- في أنه ينافح عن "طريقة على غرار الفصل العنصري (الأبارتيد) في التعامل مع الضفة الغربية المحتلة".

كانت ادعاءات كيري الخاصة ببرنامجه كبيرة، لكنها تتسم بالغموض: نحو 4 بلايين دولار في استثمار خاص على مدار ثلاثة أعوام من شأنها تعزيز الاقتصاد الفلسطيني بواقع 50 %؛ كما أن الإنتاج الزراعي والسياحة سيتضاعفان ثلاثة أضعاف؛ وستتراجع نسبة البطالة بواقع الثلثين؛ وسترتفع الأجور بواقع 40 %، وسيتم بناء 100.000 منزل.

لكن الاقتراح ترك القليلين متأثرين، ولسبب وجيه. أن كيري يعيد ببساطة تغليف مهمة بلير التي كان قد عهد بها إليه قبل ستة أعوام. وما تزال وظيفته هي تطوير الاقتصاد الفلسطيني وبناء المؤسسات الفلسطينية تمهيداً للدولة في نهاية المطاف، وبقليل من الثمار حتى الآن. وقد سخر ديفيد هوروفيتش، محرر صحيفة "تايمز أف إسرائيل" اليمينية، من ذلك حين كتب: "لو كان هناك مبلغ 4 بلايين دولار قيد الاستثمار الخاص في الاقتصاد الفلسطيني، لكان توني بلير قد وجده".

وبالنظر من زاوية أخرى، فإن مشكلة الاقتصاد الفلسطيني لا تكمن في الافتقار إلى الاستثمار، وإنما في الافتقار إلى الفرص الحيوية للاستثمار. فالفلسطينيون لا يتوافرون على سيطرة على حدودهم ومجالهم الجوي وموجات الأثير والمياه والموارد الطبيعية الأخرى، بل ولا حتى على العملة والحركة الداخلية للسلع والناس. كل شيء يعتمد على النية الحسنة لإسرائيل. وثمة القليل من المستثمرين الذين سيكونون مستعدين للتعويل على ذلك. وكانت إسرائيل قد أظهرت نفسها مراراً على أنها مستعدة لسحق أموال السلطة الفلسطينية عبر، مثلاً، حجز عوائد الضرائب الفلسطينية التي تجمعها والمفوضة بتمريرها للسلطة.

وما يزال دور بلير عرضة للانتقاد الشديد لأن تركيزه الضيق على التنمية الاقتصادية لم يفشل وحسب في تكريس مناخ مواتٍ للمفاوضات، ولكنه خدم أيضاً كغطاء لعدم عمل إسرائيل وواشنطن من أجل إقامة دولة فلسطينية. وبدلاً من إعادة النظر في التفويض الفاشل لبلير، يبدو كيري وأنه يكرسه ويمدده. وقد لخص عبد الله عبد الله، المسؤول الرفيع في حركة فتح، الرد الفلسطيني بالقول: "نحن لسنا حيوانات تريد الطعام فقط. إننا شعب يكافح من أجل تحقيق حريته".

وفي الأثناء، تبدو إسرائيل مستعدة وحسب لدفع كيري إلى الأسفل في مساره الذي لا ينطوي على أمل. ومن منظور إسرائيل، تخطف الخطة الأميركية، وعلى نحو مفيد، الاهتمام من مبادرة السلام العربية التي جددتها الدول العربية في الشهر الماضي من خلال الإعلان عن استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل في مقابل انسحابها من معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ورد نتنياهو، المنزعج من أن يحشره العرض العربي في مفاوضات جادة، بالاعتصام بالصمت المطبق. وفي الوقت ذاته، تفّه يائير لابيد، وزير المالية الإسرائيلي المفترض أنه من الوسط، والذي كان الغرب قد روجه أصلاً على أنه صانع سلام، فكرة الصفقة مع الفلسطينيين باعتبار أنها غير واقعية. وقال لصحيفة النيويورك تايمز في الشهر الماضي إنه يدعم توسيع المستوطنات.

وتأمل إسرائيل، كما تبدو، بإمكانية ليّ ذراع السلطة الفلسطينية العالقة راهناً في أزمة مالية دائمة، من خلال تقديم وعود بتقديم بلايين الدولارات كمُحلّيات. وطبقاً لمصادر فلسطينية، فإن عباس يواجه ضغوطاً مكثفة تمارسها عليه الولايات المتحدة، سوية مع خطة كيري الرامية للضغط عليه لحمله على التخلي عن شرطه بأن تجمد إسرائيل النمو الاستيطاني قبل استئناف المفاوضات.

وتبدي إسرائيل، في الأثناء، حرصاً على كسب ذلك التنازل. وبالرغم من التقارير التي تحدثت عن أن نتنياهو كان قد وعد الأميركيين بأنه سيتجنب إحراجهم في الأسابيع القليلة المقبلة بإعلانات عن البناء الاستيطاني، فإن ثمة سلسلة متلاحقة من المشروعات ماضية على الطريق.

وكانت تقارير إعلامية قد كشفت مؤخراً عن خطة لبناء 300 منزل جديد في القدس الشرقية، بينما هناك تقريباً 800 منزل آخر ستعرض للبيع. وكانت عدة نقاط استيطانية أمامية قد أسست من دون ترخيص من الحكومة الإسرائيلية، والتي من المتوقع أن يجعلوها قانونية بأثر رجعي، بما في ذلك مئات المنازل في أيلي، بالقرب من رام الله.

من جهتها، ذكرت وكالة رويترز للأنباء أن كيري يتوقع صدور قرار باستئناف المفاوضات السلمية خلال أسبوعين -أو، كما يقول مسؤولون عنده، أنه سيتخلى عن عملية السلام. وقال لاجتماع للجنة الأميركية اليهودية في نفس اليوم: "إن لم ننجح الآن، فقد لا تتوافر لنا الفرصة مرة أخرى".

وبالنسبة لنتنياهو، تعد هذه التهديدات جوفاء. فإذا غيبت الولايات المتحدة نفسها عن الصراع، فإنها ستترك إسرائيل ببساطة ويدها مطلقة أكثر لتكثيف إخضاعها للفلسطينيين وسرقة أراضيهم. وحتى بالرغم من أن هناك الكثير مما هو في خطر بالنسبة للفلسطينيين، ما تزال السلطة الفلسطينية تستبعد حتى الآن خطة كيري. وقد أوضحت أنها لن تقدم على تقديم أي "تنازلات سياسية في مقابل مزايا اقتصادية" -في طريقة دبلوماسية لتقول إنها لن تقبل رشوة لمقايضة الدولة.

لكن الخطر الحقيقي بالنسبة للفلسطينيين، كما يتذكرون جيداً من مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000، هو أنه ينظر إليهم مثل كبش الفداء أو الشخص المذنب. وإذا رفضوا التوقيع على النسخة الأحدث من السلام الاقتصادي، فإن إسرائيل والولايات المتحدة ستكونان مستعدتين تماماً للومهم على تعنّتهم. ويشكل ذلك كسباً كبيراً بالنسبة لنتنياهو، ولحظة أخرى من الانزلاق الكارثي في العملية السياسية بالنسبة للفلسطينيين.

المصدر: القدس، القدس