خطوات
فلسطينية لتعميق المأزق
بقلم:
علي جرادات
بعد فوز
حركة «حماس» المفاجئ في الانتخابات «التشريعية» عام 2006، لم تُقدم قيادتها على إلغاء
اتفاق أوسلو، بل اختارت التفرد في تشكيل الحكومة العاشرة ل«السلطة»، رغم معرفتها أن
الاعتراف بحكومات «السلطة» وتمويلها مشروط بالتزامها بقيود أوسلو.
بذلك
وفرت قيادة «حماس» ل«إسرائيل» ذريعة مقاطعة حكومتها ومحاصرتها بدعم من حليفها الثابت
الولايات المتحدة، وبتغطية من «اللجنة الرباعية» للإشراف على «العملية السياسية للسلام»
التي اشترطت الاعتراف بحكومة «حماس» وتمويلها بإعلان الحركة «نبذ العنف والاعتراف ب«إسرائيل»
والالتزام بالاتفاقات الموقعة معها».
لكن،
كي لا تنهار «السلطة الفلسطينية وتعاقد «أوسلو» الذي قامت على أساسه أبقت «اللجنة الرباعية»
على العلاقة مع رئاسة «السلطة» الملتزمة بشروطها. هنا استغلت «إسرائيل» حادثة اختطاف
الجندي «جلعاد شاليط» واتخذتها ذريعة لتصعيد العدوان العسكري وتشديد الحصار البري والجوي
والبحري على قطاع غزة. بل ولم ينفع لتخفيف العدوانية «الإسرائيلية» وتصلب «اللجنة الرباعية»
تشكيل «حكومة وحدة وطنية» بموجب «اتفاق مكة»، 2007، بين«فتح» و«حماس»، وذلك على الرغم
من اشتمال الاتفاق، بموافقة «حماس»، على بند «احترام الاتفاقات الموقعة». وبخطوة قيادة
«حماس» في يونيو/ حزيران 2007 تصعيد بدايات الاقتتال مع حركة «فتح» لدرجة السيطرة،
بوسائل عسكرية، على «السلطة» في قطاع غزة، انفرط عقد «حكومة الوحدة الوطنية» التي ضمت
الفصائل الأساسية باستثناء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة «الجهاد الإسلامي» اللتان
ترفضان المشاركة في حكومات «السلطة الفلسطينية» في ظل التزامها بقيود أوسلو وشروطه
السياسية والأمنية والاقتصادية.
بذلك
زادت الأمور تعقيداً على تعقيد، حيث رفعت حكومات الاحتلال منسوب استباحتها للضفة وحروبها
وحصارها على القطاع إلى درجات غير مسبوقة، وباتت شروط «اللجنة الرباعية» شروطاً لإعادة
توحيد مؤسسات «السلطة» السياسية و«التشريعية» والأمنية في الضفة والقطاع، ما يؤكد أن
مدخل الخلاص الوطني سياسي بامتياز، وأن خطوته الأولى تبدأ بإجراء مراجعة شاملة لسياسة
منظمة التحرير الفلسطينية، ممثل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، ومرجعية «السلطة»
وحكوماتها، وليس بمواصلة «لعبة» حركتي «فتح» و«حماس» المتمثلة في إقالة أو استقالة
حكومات «السلطة» وتشكيل حكومات جديدة فشلت حتى في إعادة توحيد مؤسسات «السلطة» في الضفة
والقطاع، ناهيك عن عدم قدرتها على إعادة توحيد جهود وإمكانات ومؤسسات الشعب الفلسطيني
في الوطن والشتات، طالما أنها مقيدة، سيان: صراحة أو ضمناً بشروط أوسلو المعبر عنها
بشروط «اللجنة الرباعية».
رغم ذلك،
عادت حركتا «فتح» و«حماس» قبل عام ويزيد، وكل منهما لأسبابها وحساباتها وأهدافها الفئوية
وأزمتها الخاصة، إلى ممارسة «اللعبة» الفاشلة ذاتها، حيث توصلتا، على عجل وبصورة مفاجئة،
إلى «تفاهم الشاطئ «لتنفيذ» اتفاقات المصالحة، بدءاً بتشكيل حكومة «توافق» «تكنوقراطية»
لإعادة إعمار قطاع غزة والإعداد لانتخابات رئاسية و«تشريعية» خلال مدة لا تتجاوز العام.
وعلى غرار ما فعلتا في «اتفاق مكة»، 2007، لتشكيل «حكومة الوحدة الوطنية»، أرجأت الحركتان،
(وللدقة تجنبتا وتجاهلتا)، البحث في قضايا الخلاف السياسي، بما فيها اختلاف عقيدة ووظيفة
الأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع، واختلاف الرؤى حول إعادة بناء وتوحيد وتفعيل منظمة
التحرير الفلسطينية، بل ولم تحددا معايير وآليات واضحة ودقيقة لتسوية خلافهما حول أوضاع
موظفي «السلطة» في قطاع غزة، سواء الذين عينتهم «حماس»، (نحو 42 ألفاً)، أو المستنكفين
عن العمل بقرار من «السلطة» في الضفة منذ سيطرة «حماس» على القطاع في العام 2007.
بذلك
مرَّرت قيادة «حماس» للرئيس الفلسطيني تسمية وزراء الحكومة وإعلان أن برنامجها السياسي
هو برنامجه الذي يلتزم بشروط «اللجنة الرباعية»، لكنها اشترطت نقل إدارة قطاع غزة الذي
ظلت تسيطر عليه واقعياً لحكومة «التوافق» بدفع الأخيرة رواتب الموظفين الذين عينتهم
الحركة، ومنعت الموظفين المستنكفين من العودة إلى مزاولة عملهم.
هنا تبين
بصورة لا لبس فيها أن قيادتي «فتح» و«حماس» إنما اضطرتا لتشكيل «حكومة التوافق» لأسباب
فئوية خاصة لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية العامة، وأن كلاً منهما لم تتخلَّ عن محاولة
فرض شروطها على الأخرى، بينما جاء عدوان الاحتلال على قطاع غزة بعد شهرين على تشكيل
«حكومة التوافق» ليزيد أوضاع سكانه على المستويات كافة بؤساً على بؤس، وتعقيداً على
تعقيد، وصولاً إلى أن يتحولوا إلى ضحية لوضعية أن «حكومة التوافق» تدير القطاع بالاسم
والشكل ليس إلا، بينما تسيطر على إدارة شؤونه من الألف إلى الياء أجهزة وإدارات حكومة
«حماس» الواقعية الموازية التي لم يطرأ عليها تغيير بعد تشكيل «حكومة الوفاق» سوى استقالة
وزرائها.
هنا،
عوض أن تُشرك قيادتا «فتح» و«حماس» باقي الفصائل في العمل على إخراج الشعب الفلسطيني
من المأزق الذي أدخلتاه معاً فيه، تحاول كل منهما كسب هذه الفصائل لوجهة نظرها المعبرة
عن مصالحها الفئوية.
فمقابل
محاولة قيادة «حماس» استمالة بقية الفصائل لقبول تشكيل «إدارة فصائلية» لقطاع غزة تغطي
اتصالاتها غير مباشرة مع حكومة الاحتلال لتثبيت «التهدئة» لمدة طويلة لقاء رفع أو تخفيف
الحصار وفتح المعابر وتسهيل دخول مواد البناء وربما بناء ممريْن بحري وجوي، اتخذ «المجلس
الثوري» لحركة «فتح» في اجتماعه قبل نحو أسبوعين قراراً يقضي باستقالة أو إقالة «حكومة
الوفاق» وتشكيل «حكومة وحدة وطنية تشارك فيها جميع الفصائل».
وفي مسعى
لمشاركة ما أمكن من الفصائل في الحكومة الجديدة طُرِح الأمر على «اللجنة التنفيذية»
لمنظمة التحرير التي شكلت لجنة من أعضائها للاتصال خلال أسبوع مع قيادات الفصائل، بما
فيها «حماس»، وحثها على المشاركة في هذه الحكومة مع الإشارة إلى أن برنامجها السياسي
سوف يكون برنامج قيادة منظمة التحرير الملتزمة بشروط «اللجنة الرباعية» كما أعلن بوضوح
رئيس المنظمة و«السلطة»، أبو مازن.
إن الخطوات
الأخيرة لقيادتيْ «فتح» و«حماس» ما هي إلا تجديد ل«اللعبة» الفئوية الفاشلة ذاتها.
وبالتالي فإنها لن تفضي إلا إلى إطالة أمد المأزق الوطني متعدد الأبعاد والأوجه وتعميقه
أكثر فأكثر.
المصدر:
الخليج