خيارات المقاومة
الفلسطينية2/2
د.عصام عدوان
لقد تُرك الشعب
الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948م أعزلَ ومنفرداً في وجه الاحتلال، ومنذ خمس
وستين سنة وهو يتعرض لعمليات تصفية وجودية وطمس لتاريخه وحضارته وثقافته، وتُصادر أرضه
كل يوم، وتُسن له التشريعات العنصرية، دون أن تتقدم له يد عربية بالعون والمساندة.
إن الطريق المسدود الذي فُرِض على هذا الشعب، وأمام مخطط برافر الصهيوني الذي يعتزم
مصادرة أراضي الفلسطينيين في النقب المحتل، وعشرات المخططات العنصرية الأخرى، لا تدع
خيارات كثيرة أمام صمت العالم عن هذه الجرائم، وإذا ما تحرك فلسطينيو الداخل المحتل
فلن يكون أمامهم سوى المقاومة بكافة سبلها، وبما فيها الكفاح المسلح.
لقد تبنت حركة
فتح إثر صدامها مع النظام الأردني وخروجها من الأردن عام 1971م أسلوب العمليات الخارجية،
فاستهدفت مصالح وشخصيات أردنية و(إسرائيلية) في بلاد كثيرة، وقد بدأت عملياتها تلك
باغتيال رئيس وزراء الأردن وصفي التل أثناء زيارته للقاهرة في 28/11/1971م، ثم توالت
العمليات لأكثر من 24 عملية خارجية، والتي كان أشهرها عملية خطف وقتل فريق كرة القدم
(الإسرائيلي) المشارك في الأولمبياد في ميونيخ بألمانيا في 5/9/1972م. لم تكن فتح مؤيدة
للعمليات الخارجية قبل عام 1971م، ثم تراجعت عنها بعد عام 1974م، بعد أن حقق لفتح مرادها
السياسي. وبالتالي كان انتهاج هذا النوع من العمليات مؤقتاً ومرتبطاً بظروف معينة،
كان أهمها محاولة تركيز أنظار العالم على الثورة الفلسطينية، وإثبات عدم إمكانية تجاوز
المقاومة الفلسطينية في أي ترتيبات تتعلق بالقضية الفلسطينية، فضلاً عن الانتقام من
النظام الأردني آنذاك.
ومع أن من حق المقاومة
الفلسطينية أن تقرر الأسلوب الأنجع الذي تحتاجه كل مرحلة، إلا أنها مقيَّدة بأخلاق
المقاومة النابعة من أخلاق الإسلام، حيث من الواجب عدم الظلم أو استهداف أبرياء أو
ارتكاب محرمات. وضمن هذه الحدود الأخلاقية للمقاومة بمقدورها أن تجعل العالم ساحة مفتوحة
لملاحقة مجرمي العدو المحتل متى رأت مناسبة ذلك.
وفي حال فلسطينيي
الداخل المحتل، فإن انسداد الآفاق القانونية والنضال السلمي أمامهم يجعل خيارات المقاومة
المسلحة مفتوحة، بل واجبة، وهم الأقدر على تلقين العدو درساً لن ينساه.
وفي الضفة الفلسطينية
المحتلة يسرح الاحتلال ويمرح كيفما شاء، ويلعب بمقدرات الشعب الفلسطيني وحقوقه، تحت
بصر كيان سياسي فلسطيني تابع للاحتلال ويحافظ على أمنه. وهناك تُكبَّل أيدي المقاومة
الفلسطينية حتى عن النضال السلمي، ويعاقَب كل من يحوز السلاح أو يفكر في حيازته، ويُعتقل
المرء على نواياه كإجراء وقائي، وتصادر أمواله أو تُحل مؤسسته إذا ما فكر في دعم المقاومة.
إن طريق المقاومة في الضفة المحتلة مسدودة، الأمر الذي يجعل خيارات المقاومة على الساحة
الخارجية مفتوحة، أسوة بحركة فتح نفسها التي اتبعت هذا الأسلوب عندما أُغلقت أمامها
ساحة الأردن.
ومن جهة ثانية،
فإن فلسطين ليست شأناً فلسطينيًّا فقط، بل هي أرض عربية مقدسة لكل العرب والمسلمين
في العالم، ويستطيع كل عربي ومسلم أن تكون له إسهاماته في نُصرتها ودفع الظلم عنها
بالعمل على تصفية أي وجود صهيوني في بلده، ومنع أي نشاط اقتصادي أو سياحي أو ثقافي
أو سياسي صهيوني كل في بلده. ومن حق الشباب العربي والمسلم أن يُنشئ منظمات لمقاومة
الصهيونية في بلدانهم، ومن الأفضل أن تنسِّق هذه الحركات فيما بينها، تماماً كما تنسِّق
الصهيونية عبر العالم فيما بينها ضد مصالح الأمة، ودون ذلك تقصير في الواجب المفروض
على الأمة، ولا عذر لمتقاعس.