خيارات "حماس"
الصعبة ومسؤولية الاتجاه الوطني..!
بقلم: أكرم عطا الله
قبل عامين ونصف العام ألقى الرئيس المصري السابق حسني مبارك خطاباً عاطفياً
قدم خلاله كل التنازلات التي طلبها المتظاهرون من تعديل مواد الدستور المختلف
عليها وتعهد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية التي كانت ستجري بعد ثمانية أشهر من
ذلك الخطاب، ظهر حينها وكأن الرئيس السابق يستجدي أن يكمل ولايته لكن المتظاهرين
رفضوا وأصروا على الرحيل واكتشف لاحقاً أن المحرك الأكبر لثورة يناير هو تنظيم
الإخوان المسلمين وبالتالي قدموا سابقة إسقاط الرئيس قبل نهاية ولايته.
والآن يتكرر المشهد مع رئيس من الإخوان ولكن موقفهم هذه المرة مختلف عنه
قبل أكثر من عامين، ويبدو الحديث عن الصندوق وتجربة الصندوق بحاجة إلى مراجعة حيث
تبدل المواقف باختلاف المواقع، بينما لا يتوقف التيار الإسلامي عن وصف وزير الدفاع
المصري عبد الفتاح السيسي بالانقلابي، بينما يستقبل أمير قطر الذي انقلب على أبيه
استقبال الفاتحين، فالسيسي هنا أضر بمصالح الإخوان لكن ما حدث في غزة قبل سنوات ضد
رئيس منتخب لم يكن انقلاباً لأنه في صالح الإسلام السياسي، هكذا الأمر.
وبغض النظر عمن يحكم مصر التي غيرت في السنوات الثلاث الأخيرة ثلاثة أنظمة،
حكم الرئيس مبارك ثم المجلس العسكري ثم حكم الرئيس مرسي، لم يحدث أي تغيير على
الوضع الفلسطيني، حكم مرسي أم ذهب مرسي فلن يشعر الفلسطينيون بأي فارق وهناك
الكثير من الدلائل التي لا يريد بعض الفلسطينيين قراءتها وأهمها تحدي العدوان على
غزة والذي لم يتجاوز دور الإسلام السياسي المصري دور الآخرين بالتوسط بين المقاومة
وإسرائيل.
هناك حقائق لا نريد أن نصدقها وأول هذه الحقائق هي أن الوطنية المصرية هي
من خاض كل المعارك ضد إسرائيل وليس الإسلام السياسي، والحقيقة الثانية أن الإسلام
السياسي كان يطالب بفتح الحدود للجهاد في فلسطين ولكن حين وصل للسلطة إذ به يعلن
تشكيل مجموعات "للجهاد" في دمشق فحسبة الفلسطيني هي حسبة وطنية لها
علاقة بفلسطين وإسرائيل وليست حسبة "كابول أهم من القدس".
كان يجب أن يكون الفلسطينيون أكثر حذراً حتى من إبداء الرأي في الأزمة
المصرية، فسيل الاتهامات كبير جداً بالتدخلات بكافة أشكالها بما فيه العسكرية
"والتي بالمناسبة لم يعلن حتى اللحظة اسم واحد منها" فليس هناك مستفيد
أو متضرر من بقاء أو رحيل الرئيس مرسي سوى حركة حماس والتي باتت تشعر باليتم بعد
إنهاء تجربة الإخوان المسلمين في القاهرة باعتبارها القدوة والنموذج والداعم
الرئيس معنوياً ومادياً وهي مراهنة التاريخ بالنسبة للحركة الفلسطينية والحكم على
صوابية البرنامج وحتمية الانتصار بالصعود، فالهبوط وإنهاء التجربة وبهذا الشكل
يعتبر ضربة كبيرة لمشروع حركة حماس ونموذجها لذا يمكن فهم غضبها على سقوط الرئيس
المصري وإطلاق تسميات وتوصيفات للأزمة ليست مقبولة على كل المصريين ويمكن أن تغذي
حالة الشيطنة التي تمارسها بعض وسائل الإعلام في القاهرة ضد الفلسطينيين، لهذا كان
يجب الحذر وإجراء حساب العقل والمصلحة الوطنية وليس حسابات حركة الإخوان لتكون بعض
الفضائيات الفلسطينية وكأنها جزء من الأزمة المصرية.
وعلى وقع الأزمة المصرية يبدو السؤال عن خيارات حركة حماس بعد زلزال
القاهرة وهي الأكثر اهتزازاً في الساحة الفلسطينية وهل يمكن أن يجد الفلسطينيون
فيما حدث في الجوار ما يضيف لتجربتهم السياسية الفقيرة والتي يبلغ حد الإقصاء فيها
منسوباً لم يبلغه أي نظام سياسي في العصر الحديث.
أمام حركة حماس ثلاثة خيارات تتراوح بين الواقع والضرورة أولها بقاء الوضع
على ما هو عليه باعتبار أن الحركة تحكم قطاع غزة قبل التغيرات في الإقليم وقبل حكم
الإخوان المسلمين وبالتالي يستمر في حكم القطاع مع مزيد من التضييق المصري والذي
سيؤثر مالياً عليها ولكن الحركة تتدبر أمورها بزيادة الضرائب والجمارك بحيث تغطي
نقص المساعدات والأموال التي كانت تأتي عن طريق مصر.
الخيار الثاني وهو أن يشتد خناق الأجهزة المصرية على حكم حركة حماس كانتقام
من وقوفها إلى جانب حركة الإخوان المسلمين ومنع الأموال وإغلاق الأنفاق ومنع السفر
وكذلك منع أية وفود خارجية تأتي إلى غزة يعني أن تنعزل الحركة وهذا الخيار يمكن أن
يدفع حركة حماس للذهاب نحو فتح معركة مع إسرائيل تستعيد زخمها وتخرجها من دائرة
الاتهام والانتقام كحركة شهيدة وتعيد فتح الطريق أمامها وتجنيد حملات الدعم
والزيارات والوفود التضامنية التي لا تستطيع القاهرة في هذه الحالة منعها.
أما الخيار الثالث فهو الخروج من هذه الحالة وهو الذهاب نحو الاندماج في
النظام السياسي الفلسطيني من خلال إعادة تشكيله بالتوافق مع حركة فتح وباقي
الفصائل على تشكيل حكومة وحدة تتكفل بالعلاقات الخارجية بعيداً عن مسؤولية كل فصيل
على حدة وتعيد فتح معبر رفح وفقاً لاتفاقية 2005 وكذلك المعابر مع إسرائيل وفقاً لاتفاقيات
أوسلو.
الخيارات الثلاثة هي فقط أمام حركة حماس ويبدو أن الخيارين الأول والثاني
يرجحان أكثر من الخيار الثالث ارتباطاً بتجربة الماضي، ولأن المستجدات تجعل الحركة
أقل ثقة بنفسها نظراً لاختلال التوازنات وهذا الشعور من شأنه أن يغلق ملف المصالحة
ويستبعد من تفكيرها ولو مؤقتاً لهذا فإن المسؤولية الآن هي مسؤولية الاتجاه الوطني
أن يأخذ بيد "حماس" بعيداً عن تغيرات الإقليم والتي في كل مرة يعيش طرف
في الساحة الفلسطينية النشوة مؤقتاً ليتباعد الطرف الآخر، "حماس" أمام
حالة من ضبابية المستقبل ولأن كل الخيارات أمامها مفتوحة فعلى الحالة الوطنية ألا
تنتظر أن تحشر حركة حماس في زاوية الخيارات الصعبة وهي تبدو أن الأمور تسير بذلك
الاتجاه فقد تندفع الحركة باتجاهات خاسرة للجميع أو مكلفة، فالأسهل مساعدة
"حماس" واحتضانها لا التشفي بها فهي وضعتنا جميعاً في زاوية حرجة
بموقفها من الأزمة في مصر فمن جهة لسنا راضين على موقفها لكننا لا يمكن التبرؤ
منها والقول عاقبوا "حماس" وحدها ومن جانب آخر لسنا قادرين على حمل
موقفها ودفع ثمنه وأمام هذا الواقع ليس أمام الحالة الوطنية إلا أن تتصرف بمسؤولية
تستدعيها اللحظة التاريخية.
الأيام، رام الله