القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

«دولة الـ67» لو أعلنت: اللاجئون لن يتحولوا رعايا

«الفصائل» لا تمانع انتصاراً معنوياً.. «لا يلغي العودة إلى فلسطين التاريخية»
«دولة الـ67» لو أعلنت: اللاجئون لن يتحولوا رعايا

ايلي الفرزلي

بِيُسر مرت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت. تأبط في طريق العودة إنجازات عدة ربما فاقت توقعاته. وإن كان دعم لبنان للدولة الفلسطينية هو عنوان الزيارة، إلا أنه لم يكتف بدعم الدولة للدولة، بل حمل دعماً من جانب اليمين المسيحي، المتذرع دوما بـ«بعبع» التوطين. وبين هذا وذاك حلت المصالحة الفلسطينية برداً وسلاماً على زيارة رئيس السلطة، فرحبت «حماس» بالزيارة، وعضت على الجرح، راضية بدولة على حدود 67.

موقف «حماس» والفصائل الفلسطينية يتم التعبير عنه بحذر شديد، فالمصالحة أمامها وهي، ربطاً بالأحداث السورية، غير مستعدة للتراجع عنها مهما غلت التضحيات، تماماً كأبي مازن، الذي أثقل كاهله برحيل نظام حسني مبارك، وصارت المصالحة خياره الوحيد.

هل الدولة في مصلحة الفلسطينيين؟ الإجابة تأتي سريعاً بالإيجاب. فوجود كيان سياسي للفلسطينيين هو حكماً في مصلحتهم، إلا أن النقاش لا بد أن يدور حول محور: هل شروط الكيان مؤمنة؟ وماذا عن حدود هذه الدولة، وهل يمكن فعلاً الحديث عن حدود 67 في ظل التغيرات الكبيرة التي طرأت من جراء الاستيطان الإسرائيلي؟ ثم، ماذا يعني اعتراف دول العالم بالدولة الوليدة في ظل رفضها من قبل إسرائيل؟ وهل يمكن لهذه الدولة أن تمارس سيادتها على أراضيها في ظل سيطرة الاحتلال على مقدراتها الاقتصادية والعسكرية والأمنية؟

الإجابة بالنفي عن كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير، لا تحتاج إلى عناء كبير. الإجابة الأفضل بالنسبة لداعمي الدولة تبقى في أن حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لن يكون الهدف منه إغماض العين عن كل ما سبق، بل هو ببساطة خطوة قانونية وسياسية ومعنوية، تؤكد أن حق الفلسطيني في دولته لن يضيع، بل سيتعزز بتوقيع أكثر من 124 دولة حول العالم. وهذا الإعلان لو تحقق سيكون الرد الأفضل على إسرائيل تنحو بسرعة قياسية نحو اليمين المتشدد والمعبأ بمعتقدات توراتية ليس أقلها الإصرار على «استرداد» الضفة الغربية بوصفها يهودا والسامرا. وهي معتقدات تجعل بنيامين نتنياهو، الذي تحول فجأة إلى الوسط بالمقارنة مع غلاة اليمين، يتشدد في المفاوضات حماية لشعبيته، فيضع المزيد من الشروط التعجيزية بوجه عباس، الذي لم يجد أخيراً غير المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية متنفساً سياسياً له، قبل أن يرفقه بالسعي لإعلان الدولة وبالتمسك بالمفاوضات!

في لبنان سئل رئيس الدولة الفلسطينية الموعودة: هل ستحملون السلاح للدفاع عن حدود الدولة، فأجاب: خيارنا المفاوضات ثم المفاوضات.

وقبل الدفاع عن الحدود بالمفاوضات سيكون على أبي مازن التفاوض مع إسرائيل لرسم هذه الحدود، وعندها لن يكون متمسكاً بحدود الدولة التي أعلنت في الأمم المتحدة، وهو من الآن لا يعارض تبادل بعض الأراضي بالمستوطنات الكثيرة التي بنتها إسرائيل في الضفة وحولتها إلى أمر واقع. يعرف أبو مازن أن خطوته دونها عقبات كثيرة، ولكنه يرد على أي حديث عن تأجيل إعلان الدولة، بحزم: الوقت ليس في صالحنا والمستوطنات لن تنتظرنا.

أمام هذا الواقع لا خيارات كثيرة متاحة أمام الفصائل الفلسطينية، وهي لن تتردد بدعم رئيس السلطة إذا ما أراد الدولة لإحراج إسرائيل ودفعها إلى أزمة عالمية، إلا أنها ستعارضه بشدة إذا أراد الدولة كحدود نهائية.

إعلان الدولة لن يحيد القضية عن ثوابتها. هذا ما أكدت عليه دمشق عندما أكدت دعمها لدولة بحدود 67. وحرصت على عدم إغفال رأي الفصائل الفلسطينية عندما أردفت قرارها بعبارة «بما يضمن الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني». وهي بذلك تحفظ حق الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم وبالقدس عاصمة لفلسطين، وذلك برفض المستوطنات. وفي السياق نفسه، تتعامل «حماس» والقوى الفلسطينية مع الأمر بوصفه مكسباً مؤقتاً على طريق الوصول إلى الأهداف الكبرى. ولكن في هذا السياق لن يكون في مقدور هذه القوى وتحديداً «حماس» إلا أن تعتبر نفسها في هدنة مع اسرائيل لوقت محدد، يطول أو يقل تبعاً للمعطيات السياسية والميدانية.

عدم اعتراف الفصائل بإسرائيل يطرح سؤالاً حول مدى قدرة الدولة الفلسطينية على معاملة إسرائيل بالمثل ورفض الاعتراف بها لو استمرت قيادتها السياسية بمعارضة وجود كيان فلسطيني معترف به دولياً؟

أي حديث عن الدولة لا يستوي من دون معرفة مصير اللاجئين وحق العودة. في بيروت ردد عباس أمام كل من التقاهم رفضه للتوطين وإصراره على حق العودة، وبرغم أن كلامه طمأن اللبنانيين إلا أن الفصائل الفلسطينية كان لها رأي آخر. هي لا تنسى ما قاله عباس لأيهود أولمرت أثناء المفاوضات في العام 2008، فعندما بادره الأخير برفض العودة، ابتدع له عباس اقتراحاً يقضي بحق العودة إلى الدولة الفلسطينية، أي إلى حدود 67. في العام نفسه وعند الاحتفال بذكرى النكبة في مخيم عايدة في الضفة الغربية رفعت لافتة كبيرة على شكل وثيقة العودة إلى فلسطين، فشطب عباس كلمة فلسطين واستبدلها بكلمة الوطن. كما يتردد أنه في سياق تأكيده على أولوية وجود دولة فلسطينية على العودة إلى فلسطين التاريخية، استعداده، لا يمانع التخلي عن قريته صفد في الجليل.

في المقابل يستشهد السفير الفلسطيني في بيروت عبدالله عبدالله بالقرار 194 الذي ينص على «حق عودة اللاجئين إلى وطنهم وممتلكاتهم»، ليؤكد أن الوطن ليس دولة الـ67 بل فلسطين التاريخية، بحسب ما ينص عليه القرار الأممي.

زيارة عباس إلى بيروت وتصريحاته ولقاءاته بددت قلق القيادات التي التقاها من تأثير «الدولة» على التوطين وتحديداً سمير جعجع وأمين الجميل، إلا أن الفصائل ظلت على قلقها. فالمنطق يقول إنه إذا أصبحت فلسطين دولة، فهذا يعني أن اللاجئين سيتحولون حكماً إلى رعايا، أي أن التوطين سيتحول إلى أمر واقع. ودرءاً لهذا الاحتمال، ثمة توجه لدى تحالف القوى الفلسطينية إلى رفض جنسية الدولة، إلا أن سفير فلسطين يرى أن الأمر غير مطروح أصلاً، إذ أن اللاجئين سيبقون لاجئين والجواز لن يحصل عليه إلا المقيمون في الداخل، أي تماماً كما هو الوضع حالياً.

وعليه فإن الحقوق الفلسطينية ستبقى هي الخاسر الأكبر، أُعلنت الدولة أم لم تعلن، بعدما لم يبد أبو مازن، بحسب بعض الفصائل، إصراراً عليها، ولاسيما حق التملك، الذي يفترض أن يتحول إلى حق مشروع، لو عومل الفلسطيني كجزء من الرعايا العرب.

المصدر: جريدة السفير اللبنانية