دولة وجواز سفر
بقلم: ناجي صادق شراب
عدم قدرة الفلسطينيين على أن يكون لهم جواز سفر يبرز هويتهم ووطنيتهم وشخصيتهم المستقلة والحيلولة دون قيام كينونة سياسية فلسطينية لها شخصيتها الدولية المعترف بها دولياً، ليس فقط بسبب الاحتلال "الإسرائيلي”، بل بسبب الإصرار "الإسرائيلي” والأمريكي تحديداً على عدم قيام هذه الدولة أو الشخصية الدولية. وعلى مدار تاريخ فلسطين لم توجد هذه الكينونة السياسية على غرار الدول الأخرى، فبعد النكبة عام 1948 وقيام "إسرائيل” كدولة وعدم قيام الدولة الفلسطينية صدر ما عرف بجواز سفر حكومة عموم فلسطين، ولم يكن له أي قيمة قانونية أو سياسية بل عبر عن مرحلة تاريخية قصيرة جداً دخلت فيها الحالة الفلسطينية التمثيلية ما بين الإدارة المصرية لغزة التي قامت بإدارة القطاع وإصدار وثيقة سفر اللاجئين الفلسطينيين، وفي المقابل أدمجت الضفة الغربية بالأردن تحت مسمى المملكة الأردنية المتحدة، وحمل سكانها جواز سفر أردنياً، وبقيت هذه الحالة قائمة حتى بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.
بقيت وثيقة السفر الصادرة عن إدارة الحاكم العام لقطاع غزة قائمة ومعمولاً بها، وبقي سكان الضفة الغربية يحملون جواز السفر الأردني. واستمرت هذه الحالة إلى أن تم توقيع اتفاق أوسلو الذي ترتب عليه اعتراف منظمة التحرير ب”إسرائيل”، واعتراف "إسرائيل” بالمنظمة، وقيام السلطة الفلسطينية كمرحلة انتقالية حتى تقوم الدولة الفلسطينية.
وكنتيجة لقيام السلطة تم إصدار جواز سفر فلسطيني جديد يحمل اسم السلطة الفلسطينية، ومن المنظور القانوني والتمثيلي لم يكن هذا الجواز أكثر من جواز مرور يتنقل به المواطن الفلسطيني بين الدول التي تسمح بإعطائه تأشيرة دخول إليها. والمفارقة أن هذا الحواز الصادر عن السلطة لم يلغ وثيقة السفر التي بقي عدد كبير من الفلسطينيين وخصوصاً الذين يعيشون في مصر يحملونها، والتي لا يعترف بها عدد كبير من الدول العربية، وبقي عدد كبير من سكان الضفة الغربية يحملون الجواز الأردني، وأما اللاجئون في الأردن فيحملون جوازاً أردنياً كاملاً ويعاملون على أساس أنهم مواطنون أردنيون، وأما في لبنان فيحملون وثيقة لبنانية لا تعطيهم أي حقوق سياسية بل هي مجرد جواز مرور لهم، وفي سوريا يحملون وثيقة سفر سورية لكن بحقوق تضعهم في درجة أقل من المواطن السوري . وأما الفلسطينيون فيحملون جوازات سفر شتى تحمل جنسيات الدول التي يعيشون فيها بعضهم معه الهوية الوطنية، أو ما يعرف بالرقم القومي، وبعضهم لا يحمل هذا الرقم.
حالة فسيفسائية من التمثيل لم تعرفها أي من شعوب الأرض، لأن الأساس في التمثيل هو الوحدانية التي يجسدها جواز سفر واحد يصدر عن سلطة مطلقة لها الحق في إصدرا هذا الجواز، وغير ذلك انتقاص من سيادتها، بل يمكن القول إن عدم قدرة دولة أو سلطة ما على إصدار هذا الجواز دليل قاطع على عدم اكتمال شخصيتها الدولية. فالقاعدة في الجنسية هو الأصل، بمعنى أن المواطن يبقى محتفظاً بجنسية دولته، ويأتي صدور الجواز ليكمل ويثبت هذه القاعدة، باستثناء بعض جوانب الحالة الفلسطينية، كما بالنسبة للفلسطينيين الذين لا يحملون رقماً وطنياً، إذ يتم اعتبارهم نازحين أو لاجئين. وفي هذا السياق تأتي أهمية خطوة قيام الدولة الفلسطينية وقبولها في الأمم المتحدة حتى ولو تحت صفة مراقب، فالصفة مؤقته تنتهي بانتهاء الاحتلال، أما صفة الدولة فلها صفة الديمومة، وجواز السفر هو الذي يجسد ويترجم ديمومة الدولة.
وبهذا المعنى تبقى الدولة الفلسطينية دون مضمون تمثيلي حقيقي إذا لم تبادر إلى انتزاع حق إصدار جواز سفر يحمل اسم الدولة الفلسطينية. وقد يثور هنا جدل حول هل من حق الدولة الفلسطينية إصدار مثل هذا الجواز الذي تعترض عليه "إسرائيل” ولم تعترف به، ذلك أن عدم اعتراف "إسرائيل” به أمر معروف، ولا يمكن ربط هذا الحق بالموقف "الإسرائيلي”، بل ينبغي أن يتنزع انتزاعاً، حتى لو اقتضى الأمر الذهاب إلى التحكيم الدولي. والسؤال ماذا ستفعل "إسرائيل” إذا قامت برفض التعامل مع هذا الجواز، وعدم السماح لحامليه بالمرور عبر المنافذ التي تتحكم فيها؟ وفي مثل هذه الحالة هذا يعتبر حصاراً شاملاً، وسيضع "إسرائيل” أمام ضغوطات دولية لا تحتملها أو تقوى عليها، وهو شكل من أشكال الحرمان السياسي على مستوى شعب بأكمله. وأما الرأي القائل بأن يحمل الفلسطينيون جوازي سفر واحد للاستخدام الداخلي والآخر للخارج، فهذا رأي غير عملي وغير مقبول. إن فرض جواز السفر الفلسطيني يأتي في إطار معركة الشرعية الدولية التي بدأت بقبول فلسطين دولة مراقبة في الأمم المتحدة، ويأتي في سياق تحويل الدولة الفلسطينية من دولة غير كاملة لدولة كاملة بانتهاء الاحتلال، فكما أن "إسرائيل” تحاول أن تفرض واقعاً استيطانياً على الأرض، أيضاً على الفلسطينيين أن يفرضوا واقعاً على أرضهم بإصدار جواز سفر الدولة وليس جواز سفر السلطة. ومن دون معركة الشرعية الدولية المتزامنة مع المقاومة الشعبية سيبقى الفلسطينيون من دون دولة ومن دون جواز سفر.
المصدر: الخليج، الشارقة