القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

ذبح المستقبل الفلسطيني في لبنان

ذبح المستقبل الفلسطيني في لبنان

بقلم: سمير الحجاوي

يواجه الفلسطينيون في لبنان "مجزرة تعليمية كبيرة" حيث يعاني ربع الفلسطينيين هناك من الأمية، مما ينذر باغتيال المستقبل الفلسطيني وتدمير أجيال بأكملها لشعب طالما افتخر انه الأعلى تعليما في العالم العربي.

لم أكن أتخيل الوضع بمثل هذا السوء إلا عندما زرت مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة وشاهدت الأطفال يلعبون في الأزقة الضيقة التي تفصل بين ما يمكن أن يسمى "منازل" زورا وبهتانا، فهذه المنازل المتلاصقة والمتداخلة والتي تركب بعضها بعضا لا تترك أي مجال للخصوصية، فكل ساكن في "قبور الأحياء" هذه يضطر رغم انفه إلى سماع ما يدور من أحاديث عند الجيران، ويفقد حقه في شيء من الهدوء يمكنه من الدراسة أو الاسترخاء.

هذه البيئة الضاغطة لا تشكل مكانا مثاليا للتحصيل العلمي لأنها لا توفر الحد الأدنى من المتطلبات الإنسانية التي تساعد على الدراسة، وإذا ما أضيف إلى ذلك الصعوبات المعيشية والفقر والبطالة وانعدم الأمل في المستقبل بعد التخرج لمن يجاهد من اجل إكمال دراسته فان المشهد يزداد سوداوية.

ولكي لا نبقى أسرى السرد الإنشائي غير المجدي لا بد من الولوج إلى عالم الأرقام والإحصائيات والمعطيات الرقمية، ووفقا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأنروا" فان سجلاتها، حتى بداية العام الحالي، تضم أسماء نحو 436 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في 12 مخيما معترف بها، وتدير 68 مدرسة من بينها 6 مدارس ثانوية يدرس فيها أكثر من 32 ألف طالب وطالبة، إضافة إلى مركزين للتدريب المهني والتقني، ووفقا لدراسة أعدها الباحث محمد مصطفى، ونشرتها المنظمة الفلسطينية لحق العودة "ثابت"، فان اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعانون من مشاكل اقتصادية واجتماعية متعددة، فحالات العسر الشديد تطال 11091 أسرة، أي ما نسبته 11.68% من مجموع الفلسطينيين، وهم ممنوعون من العمل والتملك، وتكتظ مدارسهم بالطلاب، وتعاني هذه المدارس من نقص الوسائل التعليمية مثل المختبرات والمجسمات وأجهزة الكمبيوتر، وبسبب العجز في الموازنة قللت الأنروا من حجم الخدمات التي تقدمها مجانا، وفرضت رسوما على الطلاب مما اثر سلبا على العملية التعليمية برمتها.

وتظهر الإحصائيات ان مدارس الأنروا تستقطب 93% من مجموع طلاب المرحلة الابتدائية وحوالي 91% من طلاب المرحلة الإعدادية . ويظهر أن نسبة التسرب بلغت 19% في المرحلة الابتدائية وترتفع إلى 30% في المرحلة الإعدادية، اما بالنسبة للتعليم الجامعي تنخفض نسبة حملة الشهادات الجامعية بين الفلسطينيين في لبنان إلى 4,2%، (6,4% للذكور و 2,2% للإناث).

وتواجه الطالب الفلسطيني صعوبات جمة للدخول الى الجامعات في لبنان منها انه ينافس على نسبة محددة للأجانب إضافة إلى ارتفاع تكاليف الدراسة، مما يؤدي الى تخلي الطلاب الفلسطينيين عن متابعة الدراسة الجامعية

ويبين مسح أجرته مؤسسة "فافو" النرويجية" انخفاض مستوى التعليم بين الفلسطينيين في لبنان، فثلاثة من بين عشرة لم يكملوا أي مرحلة تعليمية، وأشارت إلى أن التحاق صغار السن بالدراسة يبدأ بالانخفاض عند أحد عشر سنة خصوصا بالذكور، وان 21% من الأطفال( 7 – 18 سنة) غير ملتحقين بالدراسة، وتقول المؤسسة النرويجية إن 40 في المائة (4 من كل 10) تركوا الدراسة في المستويات التعليمية المتدنية، كما يعاني بعض الطلاب من الرسوب المتكرر في هذه المراحل.

وتبين الأرقام أن 8 في المائة من الأطفال الفلسطينيين لا يدخلون المدرسة وان 9 في المائة من الأطفال الفلسطينيين في لبنان يعانون من سوء التغذية، وحسب الأنروا فان التحصيل العلمي للأفراد يرتبط بدور العائلات، ويعاني مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من المشاكل الاجتماعية والنفسية ويعيش الناس في ضائقة معيشية مما يؤثر على الطلاب ويدفعهم إلى ترك مقاعد الدراسة والتوجه إلى سوق العمل، وحسب الاتحاد العام لطلبة فلسطين فان خمس الطلاب الفلسطينيين في لبنان يتركون مقاعد الدراسة وهي من أعلى النسب في العالم العربي قاطبة، كما يشير المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن 23% من الفلسطينيين في لبنان من عمر 15 سنة فما فوق هم أميون وأن 12 % من اللاجئين الفلسطينيين فقط أكملوا المرحلة الثانوية فما فوق، ويؤكد أن ربع اللاجئين البالغين فقدوا الأمل بالمستقبل.

هذا هو باختصار الوضع التعليمي للفلسطينيين في لبنان، وهو واقع مزر بائس شديد القتامة يحتاج إلى تدخل عربي عاجل من كل الحكومات والجمعيات والمؤسسات المعنية بدعم صمود الشعب الفلسطيني وعدم نحره على مذبح الجهل والأمية، والاستثمار في مستقبل الأجيال الفلسطينية، وهو استثمار لن يكلف الكثير من المال، لكن تركه سيؤدي إلى ضياع أجيال فلسطينية بأكملها بما يرقى إلى مذبحة تعليمية تغتال المستقبل الفلسطيني كله.