رحلة عائد: الاستنساخ.. الفلسطيني
بقلم: سامي حمود
تأكيداً على المطلب المحق الذي رفعه العائدون الفلسطينيون في لبنان المتمثل بضرورة تشكيل المرجعية الفلسطينية الموحّدة وإنجازها خلال العام الحالي لضمان تحصين الواقع الفلسطيني من أي خطر محدق به محلياً وخارجياً، فمن المعيب أن يبقى الواقع الفلسطيني مقسوماً ومجزءاً إلى عدة قوى سياسية وعدة قوى أمنية وعدة أطر شعبية.
إن الإنقسام بات واضحاً في وجود قوى سياسية متنافرة ومتصارعة أحياناً ومتفقة نادراً، فبعض القوى الفلسطينية تعتبر نفسها شرعية مستندة بذلك إلى الاعتراف الرسمي والدولي بها متمثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية مقابل اعترافها بأحقية الاحتلال الصهيوني في أرض فلسطين وإلغائها مشروع الكفاح المسلح من ميثاقها الوطني. وتجد في الجانب الآخر قوى فلسطينية تعتبر نفسها شرعية أيضاً مستندة بذلك إلى نتائج صناديق الانتخابات التي أوصلتها لرئاسة المجلس التشريعي والحكومة الفلسطينية، وتستند أيضا إلى أحقيتها في مقاومة الاحتلال الصهيوني وتأييد الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي لمشروعها.
هذا الانقسام السياسي انعكس سلباً على واقع العائدين الفلسطينيين في لبنان، مما أفرز تناحر تلك القوى على من يتزعم ويقود الشارع الفلسطيني ويدافع عن حقوقهم المسلوبة من قبل الدولة اللبنانية أو من قبل وكالة الأونروا. فنجد أن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية تتحرك باتجاه يكون أحياناً مغايراً للتحرك الذي تقوده فصائل التحالف الفلسطيني، وفي معظم الأحيان يكون التحرك المغاير ضد المصلحة العامة للفلسطينيين والهدف الأساسي هو التعطيل أو عدم تحقيق الإنجاز للطرف الآخر.
وأدّى هذا التناحر إلى استنساخ أطر بديلة ترى نفسها الأصلح والأجدر لقيادة الشعب الفلسطيني في لبنان والأحرص على مصالحه وحقوقه وأمنه، فنشأت أطر شعبية جديدة اسمها "اللجان الأهلية" للقيام بالدور التي فشلت اللجان الشعبية أن تقوم به، وأيضاً بسبب غياب الآلية الديمقراطية في تشكيل اللجان الشعبية عبر صناديق الاقتراح المباشر من قبل الناس. ولم يقتصر هذا الأمر عند هذا الحد بل تخطاه إلى تشكيل قوى أمنية قادرة على فرض الأمن وحماية الناس في بعض المخيمات "مخيم عين الحلوة نموذجاً"، وذلك بعد أن فشل الكفاح المسلح في دوره المنوط به.
هذه العملية الاستنساخية كانت بمثابة رد فعل طبيعي من قبل القوى السياسية الأخرى ذات المشروع المقاوم والشعبية الأكبر، بعد أن عجزت عن إقناع القوى المسيطرة بمنطق الشرعية الزائفة، والدخول في عملية إصلاح حقيقية لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية من خلال اتباع آليات قانونية ديموقراطية.
فالشرعية ليست أبدية، لأننا رأينا كيف انتهى حال الأنطمة العربية التي اعتدّت بنفسها وقالت أنها الشرعية والممثل وصاحب القرار والسلطة، فكانت النتيجة أن قامت الشعوب العربية بثورات ضدها وانتزعت الشرعية منها.
فحري بنا نحن الفلسطينيون أن نأخذ الدروس والعبر من تلك الثورات العربية وأن لا يعتدّ البعض بنفسه ويدّعي أنه الممثل الشرعي والوحيد، وليبادر إلى البدء بحوار معمق وجاد للوصول إلى تشكيل مرجعية فلسطينية موحدّة والشروع في انتخابات ديموقراطية من أجل تمثيل حر للشعب الفلسطيني.
المصدر: مجلة البراق – العدد 96 (شباط 2012)