القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

رحيل الفلاّح الفلسطيني سامي كمال فاعور

رحيل الفلاّح الفلسطيني سامي كمال فاعور


بقلم: أحمد الحاج علي

سامي كمال فاعور كان يفلح أرضه كمن يداعب طفله. سقاها من عرق جبينه وساعديه. ترشيحا لم تكن بالنسبة إليه مجرّد قرية عاش فيها؛ هي وطن، وتاريخ، وذكريات. جاء المستوطنون، عانق التراب أكثر. قصفت الطائرات والمدافع مسجد ترشيحا وشوارعها. حمل البندقية. رجته زوجته أم نبيل أن يبقى كرمى لعيون أطفاله. أجاب أنهم ليسوا أغلى من كرامتنا وبلدنا. قاتل. أُذيع أنه استُشهد. بكته الزوجة والعائلة والأصدقاء. أقاموا العزاء في قانا في جنوب لبنان. دخل عليهم، لم يصدّقوا أنه جاء من الجبهة سالماً. فرحوا، لكنه بكا إخوانه الشهداء، وأرضاً بعدما أثمر الزرع فيها جاء من يسلب منها الثمار.

في عام 1949، تُنصب الخيام في مخيم برج البراجنة. يأتي "أبو نبيل"، وينصب خيمته، إلى جانب خيمة آل عرار والجشي وكلّ من خرج من ترشيحا. لم يستطع إرسال أبنائه إلى المدرسة. أقاموا مدرسة داخل خيمة، قبل أن تبدأ "الأنروا" عملها. يذهب أبو نبيل للعمل. يشاهد ميناء بيروت، يتذكرّ ميناء حيفا، فيصف ميناء بيروت بـ "الخشّة". تباشر "الأونروا" عملها، وتشكّل لجنة تثقيفية توعوية وتسميها "لجنة برج البراجنة"، يحتج فاعور وفايز بيرقجي على تسميتها، فأين فلسطين في اسم اللجنة، فالأَوْلى، وفق رأيهما، أن تكون "لجنة الفلسطينيين في مخيم برج البراجنة".

في الخمسينيات جاء وفد كندي إلى مخيم برج البراجنة، وكان أبو نبيل يجيد التحدّث الإنكليزية بطلاقة، وأبناؤه متفوقون في دراستهم. عرض الوفد عليه أن يهاجر إلى كندا، ويحصل على قطعة أرض هناك. كان جوابه جوابَ من لا يزال تراب أرضه ملء كفّيه "أنا فلاّح، وأعرف أن العصفور الذي يصادق شجرة يصعب عليه هجرانها، وهكذا أنا، لا أستطيع العيش بعيداً عن شجرتي التي عشت على أغصانها". لم ينس أنه فلاح رغم انقطاعه عن العمل في الأرض منذ مغادرته ترشيحا.

عرف أهمية التعليم، وعمل من أجل تحقيق مستوى تعليمي جيد داخل عائلته على الأقل. فنال الابن الأكبر نبيل شهادة دكتوراه في إدارة الأعمال، وحصل الابن الأوسط نزيه على شهادة دكتواراه في الرياضيات. أما أصغرهم نسيم فقد أصبح بروفسوراً في جراحة القلب.

زرته في بيته عام 2008، وقد بلغ الثالثة والتسعين. كان لطيفاً للغاية، وإن أتعبه المرض، وقيّد حركته. بعد اللقاء هممت بالرحيل، فأصرّ على إيصالي إلى المصعد، حاولت منعه، لكبر سنّه، وثقل حركته، فقال لي بعتب حانٍ "نسيتَ أنني فلاّح!". رحم الله الفلاح الفلسطيني أبا نبيل، رحل وبقي يذكر الأرض التي طال شوقها للفلاّحين.