القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

رحيل منشد الثورة الفلسطينية أبو عرب.. غنّى فلسطين الأرض والوطن والشعب والانتمـاء

رحيل منشد الثورة الفلسطينية أبو عرب
غنّى فلسطين الأرض والوطن والشعب والانتمـاء


فايز أبوعيد/ خاص- لاجئ نت

الموت يعاود إطلالته علينا ليذكرنا بلا انقطاع أنه «الحقيقة الوحيدة والمستمرة» في هذه الحياة الدنيا، وأن رحيل الكبار دائماً ما يكون له الوقع الأليم والشديد على من يتلقى الخبر عنهم. هكذا تماما كان شعوري وشعور الكثيرين من اللاجئين الفلسطينيين، ممن تلقوا خبر وفاة "إبراهيم محمد صالح (أبو عرب)، منشد الثورة الفلسطينية.

ولد إبراهيم محمد صالح "أبو عرب" الذي قُتِل والده عام 1948 خلال اجتياح الميليشيات الصهيونية لفلسطين، وقُتِل ولده عام 1982 خلال اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان، وشهد في طفولته انطلاقة الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ضد الاحتلال البريطاني والاستيطان الصهيوني في شمال فلسطين، في قرية الشجرة في قضاء طبرية عام 1931.

رحل شاعر المخيمات الفلسطينية ومطربها، كما كان يحب أن يوصف بعد صراع طويل مع المرض في مخيم العائدين بحمص، تاركاً وراءه أرثاً غنائياً وذاكرة حية للتراث الغنائي الفلسطيني، أنه صوت الثورة الفلسطينية في كل أوقاتها وفتراتها العصيبة، فهو على مدى 83 عاماً من عمره ظل يغني لفلسطين: الأرض والشعب والثورة والمقاومة والوطن.

كان مولعاً بالغناء منذ صغره؛ وخصوصاً الغناء الشعبي الفلسطيني، لذلك سخّر حنجرته للدفاع عن حقه في فلسطين، الرجل كرّس شعره وصوته لخدمة أبناء شعبه الفلسطيني والمطالبة بحق العودة وتحرير فلسطين.

لم تكن حياة أبو عرب تلك الحياة السعيدة الهانئة المستقرة، فهو كأي فلسطيني عانى الكثير من ويلات الغربة والتشرد والقهر والاضطهاد، فكانت حياته مشتّته ومقسّمة ما بين هذا البلد أو ذاك، متنقلاً ما بين سورية والأردن ولبنان.

أسس أبو عرب فرقته الأولى في الأردن سنة 1980 وسميت "فرقة فلسطين للتراث الشعبي"، وكانت تتألف من 14 فناناً. وبعد استشهاد الفنان ناجي العلي، غير أبو عرب اسم الفرقة إلى "فرقة ناجي العلي".

رحل أبو عرب وهو يحمل كل حنينه لفلسطين، ترجل الشاعر والمنشد الكبير الذي كان معلماً لكل الشعراء في الحب والحياة والمقاومة، لتفتقده فلسطين وأبناؤها الذين عشقوا فلسطين من خلال كلمات أغانيه التي توجع القلب وتهيم عشقاً لأرض فلسطين حتى أضحى عظيماً في فلسطينيته.

رحل أبوعرب بصمت، فشكل صدمة لمحبيه، أما صوته وشعره وفنّه فلم يرحلوا معه، بل بقوا معنا، نعود إليها كلما شعرنا بالإحباط لنتزود منها بجرعة أمل، كما أنه علمنا أن الفن الرائع لن يهزمه الموت، لأنه باقٍ ما بقيت الإنسانية.

لا يمكن أن نقتصر مسيرة على أنه شاعر قضية وطنية وإنسانية عادلة، بل هو الشاعر وهو القصيدة، هو الشاعر وهو القضية، هو نشيدها "الوطني" ومنشدها، وحقها في العودة، هو موسيقاها الخارجة من قلب الألم إلى فضاءات الأمل.

غناء أبو عرب يأبى أن يموت... لأنه منسوج من كلمات تحفر الذاكرة كما يحفر النهر الأرض ويشق المجرى في الزمان والمكان، وبتلك المسيرة الحافلة بالعطاء والإبداع والصوت المتفجر بعبقرية الإبداع، نرى أبوعرب وكأنه يلملم ظله يجمعه على حوافّ تابوته الصغير تاركاً لنا تراثاً عريقاً ومبدعاً نقرأ به أنفسنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، تاركاً لنا خلفه صوته الراسخ في الذاكرة.