الإثنين، 18 تموز، 2011
الصديق العزيز معاذ: هناك سؤال لا ينفك يحيرني منذ فترة طويلة، كنت أنوي ان أسألك اياه ولكنني كنت اغرق في متابعات اخرى. غير أنني تذكرت ذاك اليوم فجاة. انت تعلم أن مخيم بلاطة معروف بانه مخيم الشهداء، ومخيم الصمود ومخيم الفداء. كان الجيش الصهيوني يفكر ألف مرة ومرة قبل ان يغامر بأن يدخله أو يفكر حتى مجرد تفكير في اجتياح المخيم، كان العدو يعلم حق العلم بانه لو فعل، لفتحت أبواب جهنم على الجيش الصهيوني، وحتى حين حاولت قوات الامن الوطني في نهاية التسعينيات، وهي قوات تابعة للسلطة الفلسطينية، اقتحام مخيم بلاطة، هرب ما يقارب ألف مجند من تلك القوات وسلموا سلاحهم قبل أن يدخلوا إلى منطقة كان ينهمر فوقها وابل من الرصاص. وحتى نائب مدير الاستخبارات، وهو ابن المخيم توفيق الطيراوي، كان يحسب الف حساب لشباب المخيم، وكان لكلمتهم عنده دور كبير في تكوين رأي امني في ما يخص هذا المخيم.
لكن، اليوم أصبح الوضع، ولسبب ما، مختلفاً: الجيش الصهيوني يدخل إلى المخيم في أي وقت شاء، متى اراد وكيفما كان! لا بل عرفت ان السلطة تستطيع الدخول في أي وقت الى المخيم، والداهية....بتعرف شو الداهية؟
أن شباب المخيم اصبحوا يخافون من السلطة واستخباراتها ومن الأمن الوقائي. لا بل انهم حتى يخافون من عناصر الشرطة كمان!
لا أصدق ما سمعت.. ماذا يجري في مخيم بلاطة؟ المخيم الذي كان يهز كيان الصهاينة طوال فترات الاحتلال؟ حتى ما يعرف بمقام النبي يوسف، وهو مقام يقع قرب المخيم وقد اصبح اشبه بثكنة عسكرية، بحجة حماية زيارة اليهود للمقام الديني، حتى «النبي يوسف» في بداية الانتفاضة الثانية، طُرد الجيش الصهيوني وهرب من المقام يدفن قتلاه ويضمد جراح المصابين، حتى ان ضابطاً برتبة رائد قد قتل في تلك المواجهات، فما الذي حدث؟
شو القصة؟. معاذ....من الآخر: شو مال أم المخيم؟ بدي أفهم.
عبد الله درويش - الاردن
هدوء نسبي مؤقت
عزيزي العزيز عبد الله حفظك الله،
ولا ماله إشي، كل ما هنالك انه يجب ان تعرف ان ما جرى للمخيم هو التالي: في العشرة أعوام المنصرمة، سقط ما يزيد على مئتي شهيد من خيرة ابناء المخيم، من أشد مقاتليه وممن يجدر ذكرهم البطل العظيم «محمد سناقرة» أو «السنقر» كما كان مشهوراً، هذا الشاب الصغير الذي لم تمر أي آلية من آليات الاحتلال الصهيوني من أي شارع يكون «السنقر» مشتركاً في عمليات التصدي للصهاينة منه بالحجارة، فما بالك عندما حمل السلاح.
لو بقيت أسرد لك قصص بطولة أبناء هذا المخيم لتخيلت أن هؤلاء الشباب خرافيون وأنني أخترع قصصاً شاهدتها في أفلام الآكشن الهوليودية، وليست قصصاً واقعية قام بها اشباهنا من اولاد بلادنا.
ثم يا عبد الله العزيز: هل تذكر لون الجدران في المخيم التي كانت تختفي تحت صور تتزاحم فوق صور لشهداء أقدم منهم؟ كل هؤلاء الشهداء والجدران من تحت...هل رأيت الترحيب بإطلاق سراح الرفيق «نم نم»؟ وعبارات الترحيب وأبيات الشعر مثل «سلّم على الرفاق إذا مررت بسجنهم» التي تتزاحم أيضاً على الجدران؟ كلها للترحيب بالأسرى المحررين بعدما أمضوا عقوبات تقل عن 10 أعوام.
عبد الله يا عبد الله: جيش الاحتلال يقوم كل ليلة تقريبا بتدريب في المخيم. نعم تدريب ومناورات بين الزواريب والدخلات، لأنهم يعرفون ان خيرة شباب المخيم هم إما يرقدون تحت الثرى بكامل ثيابهم المثقوبة برصاصات بقيت في أجسادهم، أوسمة فخر، أو في سجون العدو الصهيوني، أو هم هؤلاء الصغار الذين فتحوا أعينهم على صور الشهداء على الجدران وعبارات الترحيب بالأسرى المُطلق سراحهم. هؤلاء سيكبرون ليشكلوا جيلاً ثالثاً فيه كذابون مثل «علي ماسورة» ومجانين «مثل العضاض وبوتشي وحازم الهبيلة» وحتى «شريبة كاس من أبو مايكل المسيحي وعمو أبو طارق». لكن، وأنا واثق من هذا، سيكون هناك الكثيرون أيضاً من امثال السنقر وأبو سرية وغيره وغيراته كثيييييير، ولا يكونلك فكرة.
هذا مخيم بلاطة: أمه فلسطين التاريخية...وأمه مالهاش إشي غير انها مشتاقة لأبنائها المهجرين.
معاذ عابد - مخيم بلاطة – نابلس
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية