رسالة إلى الكاردينال الراعي: الفلسطينيون
توّاقون للعودة فساهم لأجلها
بقلم: هيثم زعيتر
كان الفلسطينيون يترقّبون من البطريرك الماروني
الكاردينال بشارة بطرس الراعي أنْ يزفَّ إليهم موعد عودتهم إلى وطنهم فلسطين، ثمرة
اتصالات قام بها والمجتمع الدولي لإجبار الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ القرار الدولي
194، القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا عنها قسراً (15 أيّار
1948).
ولم يكونوا يتوقّعون صدور موقف عن البطريرك
الماروني على سائر المشرق بأنّ «الفلسطينيين هم صنعوا الحرب في لبنان، فلماذا لا يعودون؟».
الفلسطينيون كما اللبنانيون كانوا وقوداً
للحرب العبثية، التي عصفت بلبنان (13 نيسان 1975)، وجاءت في ظل ظروف شعر خلالها قسم
من اللبنانيين بالغبن والحرمان والاضطهاد على مدى سنوات حكم «المارونية السياسية»،
وتدفيعاً لثمن الموقف الفلسطيني الرافض للإملاءات الأميركية للتنازل عن حق العودة والقبول
بالتوطين، خاصة أنّ ذلك جاء بعد قمّة الجزائر (26 تشرين الثاني 1973) والاعتراف بـ»منظّمة
التحرير الفلسطينية» ممثّلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.
وكذلك في «القمة العربية» في الرباط بالمغرب
(26 تشرين الثاني 1974)، واجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة (1-8 حزيران
1974)، الذي أقرَّ النقاط العشر «البرنامج المرحلي»، وصولاً إلى دخول الرئيس الفلسطيني
ياسر عرفات إلى «الأمم المتحدة»، كأوّل قائد ثورة يُلقي خطاباً من على منبرها، وينتزع
اعترافاً بمقعد لـ»منظّمة التحرير الفلسطينية» (13 تشرين الثاني 1974).
ومن ثم جاء اغتيال المناضل معروف سعد
(26 شباط 1975) والاعتداء على بوسطة عين الرمانة (13 نيسان 1975).
وهذا يُؤكّد أنّ الفلسطيني لم يغتل الشهيد
معروف سعد، كما أنّ الاعتداء على بوسطة عين الرمانة لم يكن بأيدٍ فلسطينية، بل في الجريمتين
كان الهدف زج الفلسطيني في أتون الصراع، فدفع الضريبة اللبناني كما الفلسطيني.
صاحب الغبطة،
الثمن الذي دفعه الفلسطيني وما زال، سببه
تمسّكه بحق العودة، ورفض التوطين المعروض بأسماء مشاريع متعدّدة منذ خمسينيات القرن
الماضي.
وما زال الفلسطينيون يتمسّكون به ويورّثونه
للأجيال، داحضين مقولة ديفيد بن غوريون: «غداً الكبار يموتون والصغار ينسون»، وإذ بالكبار
يورّثون الحق والحلم إلى الأبناء والأحفاد.
ولعل أحد أسباب عدم الحل النهائي للقضية
الفلسطينية، هو حق عودة اللاجئين، ورفضهم لمشاريع التوطين، وإعادة التهجير والتشتيت،
هذا الحق المقدّس الذي ناضل الفلسطينيون والشرفاء من أجله، وقدموا عشرات الآلاف من
الشهداء والأسرى والمُبعدين، وما زالوا مستمرّين على «طريق الجلجلة».
هذا النضال سار الفلسطينيون على دربه، مستلهمينه
من الفدائي الأوّل السيّد المسيح (عليه السلام)، وقدّموا الغالي والنفيس من أجل تحرير
مهده ومسرى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم).
يعلم الفلسطينيون جيداً مكانة الأوطان،
وبعد اللجوء الأطول في تاريخ البشرية على مدى 69 عاماً، يحترقون ألماً وهم يشاهدون
اشتعال النيران، وتمزيق البلدان العربية المقسّمة منذ «سايكس – بيكو»، ويدفعون الضريبة
مجدّداً، مع محاولات شطب قضيتهم العادلة، وهم متيقنون من غلاوة الأوطان، إلا أنّ وطنهم
هو الأغلى، بل هو نقطة التقاء الشرق والغرب، ومهد الرسالات السماوية، والبوابة الوحيدة
التي تربط الأرض بالسماء، حيث كان إسراء الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم)، وهي أرض
المحشر والمنشر يوم قيام الساعة.
نيافة الكاردينال،
كم يكون الفلسطينيون ممتنّين لو قمت بالضغط
على أماكن تواجد المسيحيين في العالم من أجل إجبار المحتل الإسرائيلي على إعادة الفلسطينيين
إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وحج المسيحيين وملتقى الأديان.
لم يكن الفلسطينيون يتوقّعون هذا الموقف،
وهم الذين استقبلوك بالترحاب وأعراس الفرح حين زرت الأراضي الفلسطينية المحتلة وكنيسة
المهد مع البابا فرنسيس (24 أيّار 2014).
كم يكون الفلسطينيون شاكرين لو ساعدتهم
على رفع الظلم عنهم، بإقرار الحقوق المدنية والاجتماعية في لبنان وحمل قضيتهم، خاصة
أنّكم تحملون قضية العملاء مع الاحتلال الإسرائيلي الذين فرّوا إلى الأراضي الفلسطينية
المحتلة بعد الاندحار (25 أيّار 2000)، وتسعون إلى صدور عفو عنهم.
صاحب الغبطة،
لقد أثار موقفك جملة من التساؤلات، لجهة،
أكنتَ تدري حقيقة مَنْ فجَّر الحرب الأهلية العبثية في لبنان، ومَنْ يحول دون عودة
اللاجئين الفلسطينيين لأنّ تلك مصيبة، وإنْ لم تكن تدرك الحقيقة، فالمصيبة أعظم وأشد
بلاءً.
لكن التوقيت، هو الأمر الخطير، في ظل ما
يجري من إعادة الضرب على وتر القرار الدولي 1701، الذي أوقف العدوان الصهيوني على لبنان
في تموز 2006، ونُفّذ جزء من بنوده فيما الكثير منها لم يُنفّذ، ومنه ما أطلق عليه
السلاح المتفلّت، وهنا بيت القصيد، للعودة في هذا التوقيت إلى رسم خريطة المنطقة، ومنها
لبنان، حيث تُنذِر بعض الأحداث المخطّط لها، والمصنّفة في خانة «المشبوهة»، بتهيئة
الأجواء لإشعال فتنة لبنانية – فلسطينية، بعنوان سنّي – شيعي، وهو الأمر الخطير، حيث
أثمرت الجهود حتى الآن عن سحب «صواعق» تفجير الكثير من «الألغام المدفونة» على خط هذا
المخطّط.
نيافة الكاردينال،
قدّم لبنان الكثير للقضية الفلسطينية، وهو
ما يحفظه أبناؤها، وهم منذ ما قبل نكبة فلسطين وما بعدها قدّموا الكثير في سبيل نهضة
لبنان وازدهاره في مختلف المجالات الاقتصادية والمصرفية والتجارية ورؤوس الأموال، واليد
العاملة والإعلام والفن والثقافة، وكُثُر تمّ تجنيسهم للمصلحة اللبنانية ولحسابات بعض
الزعماء والنافذين.
وأختم بما قاله الفنان الراحل وديع الصافي
بأنّه لولا الإذاعة الفلسطينية التي كانت تبث أغانيه من يافا قبل نكبة فلسطين، لبقي
قلّة يسمعون به.
ما بين لبنان وفلسطين مسيرة نضال مشترك
معمّدة بالتضحيات، ولا يمكن أنْ تؤثّر بها مواقف مهما كانت، وممَّنْ أطلقها.
المصدر: اللواء