القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

رفح.. معبر العار

رفح.. معبر العار

بقلم: بشير البكر *

أن يعيش شعب برمّته تحت الحصار أمر يبدو أنه لا يحرج ضمير أحد، ولا يكترث له المجتمع الدولي الذي يتغنى بالسلام. هذا هو حال أهل قطاع غزة المنكوب الذي رحل عنه الاحتلال الإسرائيلي، لا لكي يتركه يعيش، بل ليخنقه حتى الركوع والموت.

شعب بأكمله لا يجد منفذاً، مُحاصَر من جميع الجهات، في البحر والسماء والأرض، ولو كان في وسع دولة الاحتلال أن تمنع عنه الهواء، لما تريثت لحظة، طالما أنها تعتبر أن غزة بؤرة إرهاب، وكل من يعيش على أرضها محكوم عليه بالموت. الصور التي تتناقلها وكالات الأنباء، كلما فتح معبر رفح، مثال للعار الإنساني في القرن الحادي والعشرين الذي تتكسر فيه الحدود. وضع لا يليق بالبشر أبداً. الناس يتدافعون من أجل الخروج للعلاج، وآخر مثال هذا الأسبوع، حين فتحت السلطات المصرية المعبر ثلاثة أيام، بعد إغلاقه في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وسمحت لقرابة 1500 شخص بالمرور، جلّهم من أجل العلاج.

عاش قطاع غزة عدواناً إسرائيلياً في الصيف الماضي، وكان أمل أهله أن يكون الثمن الباهظ الذي دفعوه فاتحة إلى رفع الحصار، وانعقد مؤتمر لإعادة الإعمار في القاهرة، طرحت خلاله مسألة فتح المعابر، ولكن، لم يتحرك ساكن بعد أكثر من ثلاثة أشهر، وبقي الحصار على حاله.

ماذا يعني إبقاء معبر رفح مغلقاً شهرين، ثم تفتحه السلطات المصرية لثلاثة أيام، تسمح خلالها بمرور الحالات الخاصة؟ لا يمكن تفسير هذا السلوك الغريب، ولا يمكن فهم السبب إجراءً أمنياً بحتاً أبداً. وإذا كان المقصود معاقبة حركة حماس، فذلك أمر لا يستدعي إغلاق المعبر. يمكن إيجاد أكثر من وسيلة لمنع عناصر حماس من الخروج والدخول عبر المعبر، وهذا يحصل دائماً، أم أن القاهرة باتت تعتبر سكان قطاع غزة، الشيوخ والنساء، المرضى والأطفال والطلاب كلهم حماس؟

لا أحد يجادل "إسرائيل” في مواقفها العدوانية من غزة وأهلها، فهذا أمر مفروغ منه في ظل غياب الدور الدولي. ولكن، لا يمكن إعفاء السلطة الفلسطينية ومصر من المسؤولية المباشرة عن هذا الوضع المزمن، غير الإنساني واللاأخلاقي. والغريب أن السلطة الفلسطينية تضع شروطاً لاستلام المعابر، بدلاً من أن تعتبر هذه القضية على رأس قائمة أولوياتها، وهي المسؤولة مباشرة عن هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، وأياً كانت طبيعة خلافها مع حماس، فذلك لا يعفيها، ولا يسقط عنها مسؤولية ترك شعبها يعاني الأمرّين من جراء الحصار. ثم إن مصر التي أصرت، خلال العدوان الأخير، على ربط مجريات الحل بها، لماذا لا تأخذ على عاتقها إيجاد حل لهذا الوضع المزري، وتفتح المعبر، أم أنها شريكة في حصار الفلسطينيين؟ ومهما يكن من أمر، لا يمكن تفسير موقفها الذي لا يوصف بأقل من أنه معيب ولا أخلاقي ولا إنساني، ولا ينسجم على الإطلاق مع خصوصية العلاقات التاريخية بين مصر وقطاع غزة.

لا أحد من أهل غزة يحلم بأكثر من رفع الحصار، بما في ذلك حماس، وهذا ما عكسته مفاوضات التهدئة الأخيرة، وما آلت إليه بنودها التي رفستها إسرائيل، وتعاملت معها باستهتار شديد، ولم تأخذ منها غير القشور. وكل من يتحجج بسلاح غزة وحماس يتهرب من المسؤولية، ويدفن الرأس في الرمال أمام العربدة الإسرائيلية، فحماس وأهل غزة قالوا للحكومة الفلسطينية أن تأتي لتسلّم القطاع، لكن نتنياهو قال لا، ووضع كل العصي في الدواليب، ونجح في إبقاء الحصار، وجعله أكثر إحكاماً في ظل الدمار الشديد والعدد الكبير من متضرري العدوان.

الحصار أكثر فداحة من الحرب، والإشفاق الكاذب الذي يحوز عليه الشعب المحاصر أكثر قسوة من العار.

* شاعر وكاتب سوري، نائب رئيس تحرير "العربي الجديد"

المصدر: العربي الجديد