رقم قياسي جديد في النضال الفلسطيني
بقلم: فيصل جلول
رفع السجين الفلسطيني سامر العيساوي سقف الإضراب
السياسي الفلسطيني في السجون "الإسرائيلية” إلى القمة، اذ تمكن من انتزاع تنازل صهيوني
غير مسبوق بالموافقة على كل مطالبه ومن أبرزها الإفراج عنه والعودة إلى داره من حيث
اعتقل في القدس. والراجح أن أحداً من السجناء الفلسطينيين بعد العيساوي لن يتنازل في
إضراب مفتوح عن السقف الذي رسمه وكاد يفقد حياته من أجل تثبيته.
وقبل التوسع في قراءة تجربة هذا المناضل اليساري
التي استأثرت باهتمام دولي والوقوف عند دلالاتها، لا بد من الإشارة إلى أنه اعتقل في
العام 2003 بتهمة الانتماء إلى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحكم عليه بالسجن
لمدة ثلاثين عاماً، بيد أن حركة حماس أدرجت اسمه في صفقة الجندي الأسير غلعاد شاليط
وأفرج عنه لتعيد السلطات الصهيونية اعتقاله في يوليو/تموز عام 2012 متذرعة بتهمة السفر
إلى الضفة الغربية من أجل الاتصال بناشطين فيها، وأنه لا حق له بالتنقل بين القدس وغيرها
من أراضي فلسطينيي الضفة، وحكم عليه بالسجن عشرين عاماً فرد على الحكم بإعلان إضراب
مفتوح عن الطعام في شهر أغسطس/آب أي بعد أسابيع قليلة من صدور الحكم وقضى الأسابيع
الثلاثة الأخيرة من إضرابه من دون أن يتناول الماء، علماً أن امتناعه عن الطعام مضرباً
امتد ل 211 يوماً وهي فترة طويلة جداً في تاريخ الاضرابات عن الطعام، لا بل يذهب بعض
العارفين إلى القول إنه أطول إضراب عن الطعام في تاريخ القضية الفلسطينية.
يذكر هنا ان السلطات "الإسرائيلية” كانت قد عرضت
الإفراج عن العيساوي في مناسبات مختلفة وبشروط رفضها رفضاً باتاً من بينها عرض يقضي
بعزله في قطاع غزة لمدة عشر سنوات يعود بعدها إلى القدس، وعرض آخر بالسفر إلى أية دولة
أجنبية يريدها، والعرض الثالث أن يمضي عقوبة عشر سنوات في السجن يعود بعدها إلى القدس،
لكنه رفض كل هذه العروض إلى أن وافقت الحكومة "الإسرائيلية” على عودته إلى أهله في
القدس، لكن بعد أن يمضي ثمانية أشهر فقط في السجن من أصل محكوميته الممتدة إلى عشرين
عاماً.
ولعل من المفيد إلقاء الضوء على بيئة العيساوي الشخصية
التي تفسرّ إلى حد ما الكثير من أفعاله وتصميمه، فقد ولد في ظل الاحتلال وغطرسته أواخر
السبعينات في كنف عائلة مناضلة بجميع أفرادها، وكان جده من أوائل المنضمين إلى منظمة
التحرير الفلسطينية، وتعرض أبواه للاعتقال في مطلع السبعينات واستشهد شقيقه الأكبر
في سياق مجزرة الحرم الإبراهيمي العام ،1994 وتعرض مجموع إخوته الستة للاعتقال في فترات
مختلفة، ما يعني أن النضال من أجل فلسطين يكاد يكون الشغل الشاغل الوحيد للعائلة.
أما عن دلالات تجربة العيساوي فيمكن الوقوف عند
العناصر الآتية:
* أولاً: برهن بتصميمه واستعداده
للتضحية بحياته أن العدو يمكن أن يُقهر ليس فقط في أرض المعركة، وإنما أيضاً في النضال
المدني، وبالتالي فهو ينتمي إلى الجيل الجديد المقاوم في غزة وجنوب لبنان والفضاء الافتراضي
الذي ماانفك يتقدم في مقاومته مقابل تراجع "إسرائيلي” تلو التراجع.
* ثانياً: راهن العيساوي في
الإضراب المدني على ما راهنت عليه المقاومة في العمل المسلح، فقد رسم مطلباً وصمم على
الموت من أجله، ورفض التنازل بأية صورة من الصور، فكان أن تراجعت "إسرائيل” كما تراجعت
في غزة وجنوب لبنان.
* ثالثاً: استخدم بنجاح قضية
القدس حيث يسكن وجعلها مطلباً رمزياً، الأمر الذي ساعده على كسب تعاطف إسلامي كبير،
فضلاً عن التعاطف العربي والدولي، والراجح أن قضيته ستتحول إلى وسيلة قياس اضافية لمدى
تمسك الفلسطينيين بعاصمتهم المقدسة.
* رابعاً: لقد كشف النقاب
عن أن الفلسطينيين يربحون دائماً في مقاومتهم خارج نطاق السلطة الفلسطينية، لا بل يمكن
القول إن مسؤولي السلطة لم يعبأوا به ولم يصدروا نداءات ولم يجروا اتصالات حثيثة من
أجل إطلاق سراحه.
* خامساً: لقد صار العيساوي
رمزاً فلسطينياً ومصدراً من مصادر القوة الفلسطينية، وبالتالي صار لزاماً على حماس
وفتح وسائر التنظيمات المقاومة بذل جهود استثنائية حتى لا يعمد الصهاينة إلى اغتياله
في السجن إهمالاً أو عمداً، خصوصاً أنه ضعيف البنية، وقد نقل مؤخرًا إلى مستشفى صهيوني
آخر يتمتع بسمعة سيئة للغاية في ذاكرة السجناء الفلسطينيين.
لقد رسم العيساوي بتصميمه الشخصي سقفاً جديداً في
النضال الفلسطيني وحقق انتصاراً كبيراً للقضية الفلسطينية، والمطلوب من رفاقه السهر
على خروجه من السجن حياً حتى لا يتمكن السجان الصهيوني من هزيمته بوسائل قذرة بعد أن
فشل في كسر إرادته على مسرح المواجهة.
الخليج، الشارقة، 1/5/2013